الصادق سمل ومحمد فاروق.. العدالة الانتقالية والتسامي فوق الجراح (وقف الدم من أجل المستقبل)
تقرير: محمد إبراهيم
الصادق سمل، والد شهيد ثورة ديسمبر عبد الرحمن، يعتبره الكثير من الثوار (أيقونة) لثورة ديسمبر المجيدة وبطلاً ذا رؤية ثاقبة في ترسيخ مفهوم العدالة الانتقالية بعد أن تسامى فوق جُرحه الغائر، بعد فقدانه لابنه بآلة القمع في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، يعتبر الصادق سمل، أن فقدانه لابنه أكسبه الملايين من أبناء الشعب السوداني، وأن ما تبقى له من عمر سيقصره على العمل من أجل عدم تكرار ما حاق بابنه وألا يكتوي الآباء بفقدان فلذات أكبادهم بسبب قمع الدولة.
برنامج (بناء الحوار الوطني) الذي يقدمه مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لقمان أحمد، في حلقته التي رصدتها (مدنية نيوز) يوم السبت الماضي، استضاف الصادق سمل والد الشهيد عبد الرحمن يرافقه النائب السابق لرئيس حزب التحالف القومي السوداني محمد فاروق.
ويعتبر الصادق سمل، أن الدم السوداني تاريخياً ظل في حالة تدفق باستمرار في متوالية هندسية، ولم يتوقف الدم حتى الوقت الحالي.
سمل يفيض بالقول: “في هذه اللحظة التاريخية للسودان يجب أن نستثمر بشكل جديد في الدم الذي سال بكثافة، ونعتبره ثروة قومية وندفعه كمهر لإيقاف تدفق المزيد من الدماء مجدداً، وأن نعمل على ألا تتكرر آلة ضخ الدماء من جديد، هذا ما أؤمن به، في السابق كان الناس ينظرون للدم كفرصة ووسيلة لتثبيت الحكومة، والسياسيون يعتبرونه آلية ناجحة لتغيير الحكومات وهذا هو الثابت في تاريخ الحياة السياسية في السودان”.
ويردف بالقول: “الثابت في تاريخ الحياة السياسية في السودان هو أن يأخذ الشهداءُ السياسيين للسلطة، وعندما يصل السياسيون للسلطة ينسون الشهداء الذين دفعوا دمهم ثمناً غالياً لهذه السلطة، والآن يمكننا أن نتساءل: هل يتذكر أحد منا شهداء ثورة أكتوبر وأبريل؟”. ويجيب سمل بالنفي، ويعبر عن تفاؤله بشباب ثورة ديسمبر الذين يحافظون على شرارة الثورة وجعلها متقدة ويتعلمون من أخطاء الماضي والمحافظة على جذوة الثورة وتحقيق شعاراتها وأهدافها المشروعة.
أسر الضحايا تتسامى
ورأى الصادق سمل في حديثه أن الضحايا وأسرهم يتقدمون في الرؤية الوطنية على السياسيين والعسكريين، لا سيما وأن أسر الضحايا طرحت رؤيتها لمعالجة الأزمة عبر العدالة الانتقالية التي تستهدف الإصلاح في بنية مؤسسات الدولة وتعمل على تحقيق شعارات الثورة (حرية، سلام وعدالة). ويعتبر سمل، أن العدالة الانتقالية تسمو على العدالة الجنائية باعتبارها أشمل وأوسع وتعمل على الإصلاح الشامل وتبرز القيم الإنسانية الجميلة (العفو عند المقدرة)، ورهن نجاح العدالة الانتقالية إذا صاحبتها الحقيقة، وقال: “ثورة ديسمبر أتت بحكم مدني لكن لا يزال الدم السوداني يسفك في المدن والأرياف”، وتمنى أن تكون للحكومة الجدية والإرادة اللازمة لتحقيق العدالة والاستفادة من مكتسبات ثورة ديسمبر.
الصادق سمل، يرى أن نموذج اعتصام القيادة العامة ونهايته يعكس حالة الدولة السودانية في الازدواجية، ويسترسل بالقول: (الاعتصام في بدايته في غاية من الجمال ويحمل كل القيم النبيلة ويجسد الرغبة الصادقة للانتقال وحب الحياة والبلاد، وإذا نظرنا لفض الاعتصام من قبل السلطة يوضح لنا فداحة السلطة والعسكريين والسياسيين والطمع ونفي الآخر والقدرة على إحداث الألم، هذا النموذج القريب يجب ألا يُنسى (الدمج ما بين ثقافة حب الحياة والعطاء مقابل الشر المطلق)”.
التزام الدولة
ويواصل الصادق سمل: “جلست مع كثير من أسر الشهداء، ووجدتهم لا يتحدثون عن القصاص لأبنائهم، بل يتحدثون عن مستقبل أبناء وبنات الشعب السوداني ويعملون على ألا يكتوي والد ووالدة بمرارة الفقد، ويريدون الالتزام من الدولة بأن لا تتكرر مثل هذه الأفعال الوحشية مستقبلاً، ويجب على الدولة أن تتمسك بثمن العدالة، وحتى الآن لم نجد الاعتذار من السلطة لأن هذه الجريمة النكراء قتلت الضمير السوداني، وعلى قدر بسالة وشجاعة الضحايا لم يسع ويتقدم الجناة للاعتراف وتحقيق العدالة”.
الصادق سمل، يعرب عن أسفه لعدم جديّة الحكومة في تشكيل مفوضية العدالة الانتقالية التي كان ينبغي صدور قرار تشكيلها منذ الأسبوع الأول من عمر الحكومة، و(الآن مضى أكثر من عامين ولا تزال المفوضية في طي النسيان)، ويدعو المتحدث لتشكيل اللجنة القومية للعدالة الانتقالية لتضم أسر الضحايا وشخصيات وطنية وأن تتسم هذه اللجنة بالاستقلال، وأن تتشكل من داخل المجتمع وليس السلطة، باعتبار أن الأخيرة غير محايدة لا سيما وأنها فقدت شرعيتها، ويقول: (أدعو ضحايا الدولة وأسر الشهداء للتوحد في جبهة واحدة، والعمل على تغيير سياسات الدولة وتسخيرها لحب الحياة).
المدخل التأسيسي
واتفق النائب السابق لرئيس حزب التحالف القومي السوداني محمد فاروق، في مفهوم العدالة الانتقالية مع الصادق سمل، باعتبار أن العدالة الانتقالية هي المدخل الأفضل لسودان مستقر متقدم يعمل قطيعة مع الدولة الاستبدادية القديمة، ويقول: “يجب النظر للعدالة الانتقالية كمدخل تأسيسي لضمان وصيانة القوانين وضمان سيادة حكم القانون وتعزيز حقوق الإنسان”.
رسالة للبرهان وحميدتي
ويضيف فاروق: (لا يجب اختزال مفهوم العدالة في العدالة الجنائية فقط والقصاص، يجب أن يكون القصاص حياة، العدالة الانتقالية تُبرز القيم العليا “التسامح، العفو، الاعتراف، والتسامي”)، ويتابع: “نحن فشلنا طوال الستين عاماً الماضية في إقامة دولة وفق مفهوم الدولة، ومع وجود ثوار ديسمبر لا يمكن إنتاج نموذج الدولة القديمة، وهذه رسالة واضحة للبرهان وحميدتي”.