الأحد, مايو 25, 2025
تحقيقاتسياسةمجتمع

الاغتصاب.. سلاح (الانقلابيين) الذي تكسرت نِصَاله على عتبات المجتمع

الخرطوم: عائشة السماني

لم تتمالك (س) ذات الـ (22) ربيعاً نفسها قبل أن تبوح بأية كلمة، أجهشت بالبكاء وارتعش جسمها النحيل وظلت تبكي لأكثر من (15) دقيقة ثم استجمعت أنفاسها وبدأت تروي قصتها حيث قالت إنها خرجت يوم (19) ديسمبر 2021م وكلها نشاط وحيوية وتفاؤل بأنهم كثوار وثائرات سوف يصلون القصر الجمهوري ويزلزلون عرش الطاغية المنقلب على الديمقراطية، وتابعت: بالفعل وصلنا القصر حوالي الساعة (4) عصراً رغم ضربنا بالغاز المسيل للدموع بكثافة، واحتفلنا بذلك النصر أمام القصر حيث صعد الثوار على بوابته، وكنت أشارك مع الملايين من الثوار والثائرات الذين سيطروا على القصر، لكن بعد مغيب الشمس بدأ الضرب يزداد علينا من كل اتجاه بالقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع والرصاص، وذلك بعد أن تم قطع التيار الكهربائي من كل المنطقة التي تقع حول القصر من الناحية الجنوبية، وأصبح الظلام دامساً وبدأت القوات النظامية تطاردنا وأصبحنا نجري كلُّ في اتجاه مختلف وفى أي شارع يجده للنجاة من ذلك العنف، وفي أحد الشوارع الفرعية وفي منطقة تبعد أمتاراً عن القصر فإذا بي أجد نفسي محاطة بعدد من منسوبي القوات النظامية منهم من كانوا يلبسون زي الجيش، وآخرون يرتدون زي الدعم السريع، وأيضاً لبس شكله يقارب لبس الدعم السريع لا أستطيع أن أحدد نوعه.

(س) وصراخ الفتيات

وأضافت (س) في إفادة لـ (مدنية نيوز) أمس: أولاً قاموا بضربي بالسوط وبدأت أصرخ في وجوههم، لكنهم انهالوا عليّ وكل واحد منهم يضع يده على المناطق الحساسة في جسمي وأنا أصده وثم أجد آخر، واستمر هذا الوضع حوالي (5) دقائق وحاولت أن أهرب ولكني لم أجد سكةً للهرب، وبدأت أترجى فيهم بأن يتركوني وأقول لهم أليس لكم أمهات أو أخوات؟، وكانوا يردون عليّ بقولهم (أمهات وأخوات بطلعوا الشوارع زيكم)، وبدأوا في التلفظ بألفاظ بذيئة وواصلوا في التحرش بي حتى قام أحدهم برميي على الأرض ووجدت نفسي مثبتة على الأرض من قبل (4) أشخاص كانت أصوات ضحكاتهم تجلجل المكان، ثم شرعوا في اغتصابي ولا أستطيع أن أذكر عدد المتواجدين في المكان، لكن الذين تناوبوا على اغتصابي على ما أذكر أكثر من (5) أشخاص ومدة الاغتصاب استمرت زمناً طويلاً وزادت مدته عليّ بسبب شدة العذاب، حتى غبت عن الوعي ولم أعرف ماذا حدث بعد ذلك، فوجدت نفسى في مكان آمن أفضل عدم ذكره حالياً وتم إسعافي.

وواصلت (س): كنت في الوقت ذاته قد سمعت صراخ إحدى الفتيات في مكان قريب من الذي كنت فيه، وكنت أشعر بالألم أكثر وحينها قلت إن ذلك يعني أن هناك حالات اغتصاب أخرى.

الأوضاع عقب الانقلاب

ويشهد الحراك السلمي الداعم للتحول الديمقراطي في السودان، منذ انقلاب (25) أكتوبر الماضي الذي نفذه العسكريون بقيادة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، انتهاكات تجاه المشاركين والمشاركات في النشاط المناهض، وتعددت أنواع الانتهاكات ما بين (القتل، والعنف الجنسي، والاغتصاب، والاعتقالات) وغيرها طبقاً لرواية مدافعات ومدافعين عن حقوق الإنسان.

وقال المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان عثمان البصري، إن الانتهاكات التي حدثت للنساء بعد الانقلاب كانت كثيرة جداً، ومثل لها بتعرض فتاة في يوم (25) ديسمبر للتحرش والضرب في شارع المطار، بالإضافة إلى تعرض (9) فتيات للحبس في قسم الشرطة، (2) منهن مكثتا (24) ساعة وتم الافراج عنهما لأنهما تحملان جوازين أمريكيين، ومكثت الباقيات يومين تعرضن خلالهما للضرب والإهانة والتحرش الجسدي واللفظي، وأوضح أنه توجد بنتان أخريتان تم فتح بلاغات في مواجهتهما، كما تعرضت ثائرة للضرب وتمزيق ملابسها، وأبان أنه في الوقفة الاحتجاجية للمعلمين والمعلمات يوم (7) نوفمبر تم حبس (59) معلمة لمدة (12) ساعة وتعرضت إحداهن لعملية إجهاض.

وأكد عثمان، وجود كثير من حالات الاغتصاب في مليونية يوم (19) ديسمبر جوار القصر، لكنه نوه إلى أن غالبية الناجيات من تلك الانتهاكات لم يفتحن بلاغات وفضّلن الصمت، وكشف أن لديهم (4) حالات تم فيها فتح بلاغات وتم توثيق ما حدث للناجيات فيها، وأشار إلى حالات قتل مثل ما حدث للشهيدة ست النفور.

تهديد المحاميات

ومن جانبها قالت المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان نائبة رئيس هيئة محامي دارفور نفيسة حجر، في إفادة لـ (مدنية نيوز) إن الانتهاكات التي حدثت للنساء في ظل الحكومة الانقلابية منذ (25) أكتوبر الماضي كثيرة جداً وصلت حد الاغتصاب، وإنهم كمحامين باشروا إجراءات (4) حالات بينهم حالتا اغتصاب جماعي من قبل مجموعة تبلغ ما بين (7- 8) أفراد.

ونبهت نفيسة حجر، إلى أن هناك حالات لناجيات اكتفين بأخذ العلاج الطبي والاحتفاظ بالأورنيك، لكن لم يتم المضي في الإجراءات القانونية لأن البعض في المجتمع يعتبرون ذلك وصمة عار، لذا بعض الأسر تتخوف من ذلك، ولأن الأسر السودانية ممتدة العلاقات فضلت بعض الناجيات من الاغتصاب الصمت، وتابعت نفيسة: نحن كمحاميات نتعرض في ظل الوضع الحالي لكثير من الانتهاكات مثل التهديد المباشر وآخر عبر الرسائل، وقالت: (حياتنا أصبحت في خطر).

قطاع أمني كبير

ومن جهتها وصفت المدافعة عن حقوق الإنسان منال عبد الحليم، في إفادة لـ (مدنية نيوز) الانتهاكات التي حدثت للنساء في ظل حكومة الانقلاب بالواسعة جداً ابتداءً من القتل أي الحرمان من الحياة والحبس والحرمان من حق التظاهر والتعذيب الضرب والتحرش والاغتصاب، وذكرت أن حالات الاغتصاب موثقة حسب إفادات الجهات الحكومية، ونوهت إلى أن الاغتصاب سلاح يستخدم لتخويف الأسر بهدف منع البنات عن الخروج في المظاهرات، وأردفت: (لكن خرجت مظاهرة نسوية قوية تضامناً مع المغتصبات في كل المدن)، واعتبرت منال أن في ذلك الاحتجاج رسالة قوية للعسكريين بأن الاغتصاب لن يثنيَنا عن الخروج للشارع ومناهضة النظام، ورأت أن أخطر ما في الموضوع هو أن الانتهاكات حالياً تتم من قطاع أمني كبير من منسوبي الجيش والشرطة والأمن والدعم السريع إلى آخر المنظومة.

ولفتت منال، إلى وجود مشكلة في توثيق حالات الانتهاكات، وطالبت بضرورة معالجة تلك المشكلة من جميع المنظمات والجهات الحقوقية التي تعمل في التوثيق.

آلة إعلامية ضد النساء

ومن ناحيتها اتفقت السكرتيرة العامة لـ (مبادرة لا لقهر النساء) تهاني عباس، مع كل الذين تحدثوا لـ (مدنية نيوز) بأن الانتهاكات ضد النساء كثيرة عقب الانقلاب وفي كل المدن وشملت القتل والضرب والتحرش والاغتصاب والتهديد والتشهير، وقالت: (بل تم تجييش آلة إعلامية ضد حركة النساء في الشارع)، وعزت ذلك لأن الحكومة الانقلابية أطلقت يد العسكر بإعلان حالة الطوارئ، ومضت للقول إنه قد تم تجييش العاصمة التي أصبحت شوارعها عبارة عن ثكنات لكل القوات ومنها الحركات المسلحة والدعم السريع، وأضافت أن ذلك جعل المدن غير صالحة للسكن وأن حياة النساء أصبحت مهددة بكل أنواع الانتهاكات.

وأبانت الأمينة العامة، أن المبادرة لديها حالات اغتصاب موثقة، بالإضافة إلى العديد من البلاغات من قبل فتيات تم التحرش بهن من قبل قوات نظامية في الشارع وبعض الحالات داخل الأقسام.

وذكرت تهاني: في الوقت الراهن هناك اثنتان من النساء تم خطفهما “رئيسة مبادرة لا لقهر النساء المهندسة أميرة عثمان التي اختطفت من داخل منزلها وإلى الوقت الحالي لم تعرف الجهة التي قامت بالخطف، وكذلك الموظفة في وزارة الصحة إيمان، التي تم خطفها من مكان عملها” ورأت أن حياتهما في خطر.

حالات موثقة رسمياً

لم تكن (س) وحدها التي نجت من حوادث الاغتصاب حيث أكدت الحكومة أن عدد حالات الاغتصاب التي تمت للنساء في أحداث فض مليونية يوم (19) ديسمبر الماضي بلغ (8) حالات، وقالت مديرة وحدة مكافحة العنف ضدة المرأة والطفل بوزارة التنمية الاجتماعية سليمى إسحق، في تصريح لـ (مدنية نيوز) إن عدد حالات الاغتصاب الموثقة لديهم بلغت (8) حالات كلها كانت في محيط القصر الجمهوري، وأبانت أن الوحدة قدمت للناجيات كل الخدمات الطبية، وأوضحت أن أعمار الفتيات اللائي حدثت لهن انتهاكات اغتصاب تتراوح ما بين (21) إلى (27) سنة، وأوضحت أنه طبقاً لإفادات الناجيات فإن حالات الاغتصاب حدثت من قبل منسوبين للقوات النظامية وكانت اغتصابات جماعية، وأن تلك الحالات حدثت في الجهة الجنوبية من القصر في الشوارع الفرعية التي تم قطع التيار الكهربائي منها وشهدت ظلاماً دامساً.

ولفتت مديرة وحدة مكافحة العنف ضدة المرأة والطفل إلى تعرض أغلب الثوار والثائرات للأذى الجسيم، وأن هناك فتيات تعرضن لكل أنواع العنف الجنسي والتحرش الجسدي في الأماكن الحساسة، بجانب العنف اللفظي وسرقة الهواتف والاغتصاب والضرب.

لا للاستقالة

وأضافت مديرة وحدة مكافحة العنف ضدة المرأة والطفل بوزارة التنمية الاجتماعية أنها ظلت في هذه الوحدة بعد الانقلاب لأنها جزء من القطاع الحكومي، وأن التقارير التي ستكتبها سيكون لها اعتبار دولي.

وتابعت سليمى: (لم نشجع الناجيات للذهاب للقانون حالياً لأنه لا توجد مؤسسة قانونية موثوق فيها، نحن في وضع حكومة غير دستورية وغير شرعية، وباختصار نحن في وضع لا دولة)، ومضت للحديث: ( فكرت كذا مرة في تقديم استقالتي لكن رجعت وقلت لنفسي أقدمها لمن؟، حيث أننى لا اعترف بالحكومة الحالية ولن أعطيَها شرعية، وظللت أعمل فقط من أجل أن أقدم الخدمات الطبية والمساعدات الموجودة لدينا في وحدة مكافحة العنف، ولأن العنف الجنسي زاد على الفتيات بعد الانقلاب من قبل القوات النظامية في كل أنحاء البلاد).

تصاعد الحراك المجتمعي

وكانت مجموعة من المنظمات والمجموعات النسوية والحقوقية والثورية في العاصمة والولايات، قد نظمت مواكب رافضة لجرائم العنف الجنسي التي ارتكبتها القوات الأمنية خلال مواكب (19) ديسمبر الماضي، وسلّمت مبادرة (خشي اللجنة) التي تضم مجموعات نسوية وثورية مذكرة لمكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الخرطوم، وشددت المذكرة على رفض جرائم العنف الجنسي الممنهج من قبل القوات الأمنية الرسمية والممثلة للدولة، بهدف عرقلة الانتقال الديمقراطي السلمي، وكانت المفوضية قد أعلنت في بيان لها تسجيل (13) حالة اغتصاب يوم (19) ديسمبر.

دعم ومناصرة

ويشدد ناشطون ومدافعون عن حقوق الإنسان، على أن العنف الممنهج تجاه مناهضي الانقلاب وخاصة النساء السودانيات، يهدف لكسر المجتمع للتراجع عن العمل السلمي الداعم لقيم الديمقراطية، ويتمسكون بضرورة مواجهة ذلك العنف ومناصرة الناجين والناجيات وتقديم الدعم المطلوب، باعتبار أن تلك الممارسات موجهة نحو المجتمع بأكمله ولا تخص المنتهكة حقوقهم أو حقوقهن، وأمنوا على أهمية الالتفاف المجتمعي لوقف تلك الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها وتقديمهم للمحاكمات والحيلولة دون إفلاتهم من العقاب منعاً لتكرار تلك الجرائم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *