الثلاثاء, مايو 14, 2024
تقاريرسياسة

العدالة الانتقالية والجنائية.. كيف يمضي السودان نحو دولة العدالة والإنصاف وسيادة القانون؟

تقرير: محمد إبراهيم

العدالة حلم يتطلع إليه الملايين من الشعب السوداني، بمفهومها الواسع منذ استقلال البلاد، والعدالة هي واحدة من شعارات ثورة ديسمبر 2018م المجيدة التي تكللت بإسقاط النظام الدكتاتوري بقيادة عمر البشير من السلطة، الذي خلف وراءه الآلاف من الضحايا والناجين. ويتحفظ العديد من أهل الضحايا حول اتجاه الحكومة لتشكيل مفوضية العدالة الانتقالية وتعيين مفوض لها من قبل وزارة العدل، باعتبار أن الحكومة ليست طرفاً محايداً، ويطالبون بأن تكون المفوضية مستقلة تتشكل من ذوي الضحايا والناجين في كل البلاد وأن تحظى بدعم وتأييد الحكومة.

ومؤخراً دفعت أسر شهداء بمفهوم العدالة الانتقالية كآلية لمعالجات جراحات الماضي كأداة في سبيل استقرار البلاد بدلاً عن العدالة الجنائية التي تُعتبر أنها لا تؤدي لإيقاف نزف الدماء ولا تمنع تكرار الانتهاكات والأحداث الدموية التي ظلت ترتكبها الحكومات الوطنية في تاريخ البلاد، وترى أن العدالة الانتقالية هي القصاص والضريبة التي دفعها أبناؤهم في سبيل أن تقود البلاد نحو إجراء إصلاحات شاملة في بنية قوانين القوات النظامية وكبح آلتها عن القتل.

ورصدت (مدنية نيوز) مساء أمس السبت، تدشين منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر ندوة (منبر العدالة) تحت عنوان (مفهوما العدالة الانتقالية والجنائية وأثرهم في الانتقال من شبه الدولة إلى دولة المواطنة والقانون)، وذلك بمقر المنظمة بشارع الشهيد عبد السلام كشة (البلدية سابقاً) تحدث فيه كل من رئيس منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة فرح عباس والصادق سمل (والد الشهيد عبد الرحمن).

عدم الاعتراف.. من نسامح ولمن نغفر؟

وقال رئيس منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة فرح عباس والد شهيد الثورة عباس، إن رؤية أسر الشهداء للعدالة الانتقالية باعتبارها مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية الواقعية على الأرض وتتضمن الاعتراف بالحقيقة من قبل الجناة والمحاسبة، وأشار إلى أن آلية العدالة الانتقالية نجحت في العديد من الدول التي صاحبتها أحداث مشابهة كالتي حدثت في السودان.

وشدد رئيس المنظمة على أن الانتهاكات والمذبحة التي حدثت في فض اعتصام القيادة العامة ضد الإنسانية، وأنهم كأسر ضحايا يطالبون بالحقيقة من قبل المجلس العسكري وليس محاسبة الذين ارتكبوا الفعل فحسب بل معرفة العقل المدبر، وأضاف: (هذه القوات ارتكبت هذه الفظائع بناءً على القوانين الموروثة من النظام المباد التي لا تزال موجودة وباتت ثقافة لدى العسكريين وأضحت عقيدتهم القتالية وتشربوا على إهانة المواطنين).

وتابع: (نحن كأسر شهداء عندما يُطلب منا أن نسامح، نتساءل دوماً من نسامح ولمن نغفر؟ لا توجد اعترافات شجاعة من قبل القتلة وأن هذا لا يؤدي إلى تحقيق العدالة الانتقالية وإبراء الجراح). وتساءل فرح عباس: (ماذا نقول لأبنائنا الشهداء عندما نسامح المجرمين الذين لم يعترفوا بجرمهم بعد؟ وهنا نؤكد ضرورة وجود الحقيقة والاعتراف دون شروط والشروع في إجراء إصلاحات شاملة في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية وضمان ألا تحدث مثل الانتهاكات السابقة مطلقاً).

عدم رضا

وأبدى رئيس منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر 2018م المجيدة، أسفه لتكريم قادة المجلس العسكري المتهمين بارتكاب مذبحة فض الاعتصام وتعيينهم في مجلس سيادة الدولة ومنحهم مناصب دستورية، ولفت إلى أن الحاضنة السياسية قوى الحرية والتغيير (قحت) ضعيفة ولا ترتقي لتطلعات ثورة ديسمبر، ولم تنتصر لشهدائها بعد أن ناشدت الثوار تحت شعار (أبقوا كتار) وأنها لم تكن قدر المرحلة التاريخية الآنية ولم تبدِ الجدية لتحقيق العدالة الانتقالية.

محاولة لإيقاف نزف الدم

ومن جانبه ذكر الصادق سمل (والد الشهيد عبد الرحمن)، أن العدالة مفهومها واسع، وأن كل فرد ينظر للعدالة من جانبه، وأنهم كأسر شهداء ينظرون لقضية العدالة من زاوية الانتهاكات التي حدثت منذ الاستقلال حتى 1989م وهي تركة كبرى ومن 1989م وحتى الوقت الراهن، وأضاف أن الانتهاكات في السودان قديمة، وأن تاريخ عنف الدولة تجاه المواطنين موجود ومعروف للجميع، وأشار إلى أن أول عنف وقع في تاريخ الدولة الوطنية الحديثة كان بعد الاستقلال بعدة أسابيع، مثل الانتهاكات التي وقعت على مزارعي عنبر جودة.

وقال الصادق سمل، إن كل الحكومات الوطنية لديها انتهاكاتها الخاصة بما فيها الحكومات الديمقراطية، فلا تستطيع معالجة كل هذا عبر العدالة الجنائية التي تقتصر على المحاسبة عبر القصاص للأفراد لكنها لا تستطيع أن تجري إصلاحات في القوانين، فمهمة العدالة الانتقالية هي مخاطبة الراهن السوداني وماضيه، وتابع: (الاعتماد على العدالة الجنائية فقط يصيب قضية أسر الشهداء بالضرر، خاصة إذا لم توجد أدلة دامغة حول المجرمين ووقائع الحادثة). وكشف سمل عن العديد من العقبات التي تواجه أسر الشهداء في سبيل تحقيق القصاص لأبنائهم ومن ضمنها النيابة، وأردف: (العديد من المحامين ينصحون بعدم تقديم أية قضية للمحكمة لا توجد لديها أدلة كافية، لأن مصيرها سوف يكون الشطب بواسطة القاضي).

مخاوف من التسييس

وأبدى الصادق سمل، تخوفه من رغبة الحكومة في تسييس العدالة الانتقالية، ولفت إلى إصرار وزارة العدل على تعيين مفوض مفوضية العدالة الانتقالية المزمع تشكيلها في مقبل الأيام، وأعاب على الحكومة تأخرها لمدة سنتين في تشكيل مفوضية للعدالة الانتقالية، وزاد: (هذا يدلل على عدم جدية الحكومة في هذا الملف، وأن المدة الماضية أفقدت الحكومة شرعيتها لتشكيل المفوضية)، وطالب بمحاكمة الحكومة على التأخير في تشكيل مفوضية العدالة الانتقالية.

وكشف سمل، عن محاولات سياسية لقطع الطريق أمام مبادرة أسر الشهداء لتشكيل مفوضية العدالة الانتقالية (المستقلة) المُشكَّلة من أسر الضحايا والناجين في كل البلاد، وألا تكون الحكومة طرفاً فيها، وأبان أن قانون الحكومة الحالي حول المفوضية لا يمثلهم، وأكد في الوقت ذاته أن هناك ازدواجية في مسألة العدالة الانتقالية من قبل الحكومة ما بين طريق وزارة العدل ورؤية ومبادرة رئيس الوزراء الأخيرة التي أشاد بها سمل، وانتقد طريقة تناول وزارة العدل للملف حيث تفضي لإجراء مصالحات دون إحداث تغيير حقيقي في بنية القوانين والمؤسسات، وردد: (السياسيون أخذوا دم أبنائنا وتاجروا به أمام العسكريين وهندسوا به وضعهم).

تغيير حقيقي

واسترسل سمل بالقول: (ابني خرج من أجل تغيير شامل ويريد بناء دولة، فلا يمكنني أن أرضى بغير ذلك، ويمكن أن أموت وأنا أحاول تحقيق ما مات من أجله ابني، فمسؤوليتي الأخلاقية أني مسؤول من كل طفل سوداني، ألا يتعرض للانتهاك والقتل بيد سلاح الحكومة، ومع هذا أريد حقي في الحقيقة ومعرفة من قتل إبني)، وأردف: (كل أمهات وآباء الشهداء يختلفون في توجهاتهم السياسية والفكرية، ولكنهم مجمعون على ضرورة إحداث تغيير حقيقي وتغيير بنية المؤسسات التي قتلت أبناءهم).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *