العدالة الانتقالية.. حديث حول المفوضية المستقلة والنموذج الأمثل ومطلوبات الإنصاف
رصد: عازة أبو عوف
شدد عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم د. محمد عبد السلام، على أن المنظومة العدلية في السودان (وزارة العدل، والنيابة، والشرطة) غير قادرة وغير راغبة في تجريم المتهمين.
وأرجع عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم حديثه ذلك لطبيعة السلطة المزدوجة بين المنظومة العسكرية وشبه المدنيين، وأشار إلى أن الحكومة ليست لها القدرة على اتخاذ قرار سياسي، إضافة إلى قرار إصدار كل القوانين التي تهيئ المجال لتحقيق العدالة، بجانب ازدواجية القرارات، ولفت إلى عدم إجراء إصلاحات في الأجهزة العدلية، وقال إن المنظومة العسكرية لديها مصالح تستدعي ألا يتم اتخاذ قرارات ثورية.
تناقض
وكشف عبد السلام، خلال حديثه يوم السبت الماضي في برنامج حوار البناء الوطني بتلفزيون السودان، المخصص للنقاش عن (العدالة الانتقالية) كشف عن تناقض بين قانون مفوضية العدالة الانتقالية ورؤية رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، حول تشكيل لجنة وطنية مستقلة، ونبه إلى أن القانون يدعو لتشكيل لجنة قومية من أشخاص يعينهم رئيس الوزراء بتوصية من وزير العدل، وهذا يتناقض مع مبدأ الاستقلالية الذي طالب به رئيس الوزراء.
وأوضح عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم أن قانون مفوضية العدالة الانتقالية لم يُبنَ على وجهة نظر المعنيين بالأمر، وأنه نص على إنشاء المفوضية وليس لتبني قانون للعدالة الانتقالية، وأن القانون ركّز على الجسم “المفوضية” وليس النموذج.
الإصلاح وانتقاد الحكومة
وأبان عبد السلام، أن العدالة الانتقالية ترتبط بشكل واسع بالانتقال المجتمعي بعد الثورات، وترتبط بالإصلاح المؤسسي والهيكلي الشامل، وأكد أهمية مسألة جبر الضرر للضحايا وضمان عدم تكرار الانتهاكات، وذكر: (المجتمع السوداني في شوق لمعرفة النموذج الأمثل لتحقيق العدالة الانتقالية، لكن للأسف الدولة لم تطرح حتى الوقت الراهن نموذجاً لتحقيق العدالة الانتقالية)، ورأى أن أسر الضحايا متقدمة على الحكومة، وقال إنهم يطرحون نماذج للعدالة الانتقالية (العفو المشروط)، وتابع: (لكن الحكومة ليست لديها رؤية)، وشدد على ضرورة (عدم دفن الرؤوس في الرمال).
وأوضح عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم أن الشعب السوداني يرغب في إجراء محاكمات للمسؤولين عن الانتهاكات السابقة، وأضاف: (هناك ضرورة لإعادة الثقة في النظام القضائي).
وانتقد عبد السلام، عدم وجود نموذج مطروح من الحكومة للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، بجانب عدم إحراز تقدم في عدد من الجرائم ضد الإنسانية كمجزرة (٢٩) رمضان، والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في ٢٠١٣م، وردد: (لم يتم إحراز أي تقدم في هذه الملفات).
نجاح مرهون
ورهن عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم نجاح اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية بإجراء مراجعة الأجهزة الأمنية التي قامت بالقتل والتعذيب في بيوت الأشباح ودارفور ومناطق أخرى في السودان، وأردف: (هذه مشكلات يجب الكشف عنها)، ولفت إلى ضرورة مراجعة المؤسسات العدلية والشرطية، وتمسك بأهمية توفر تلك العوامل لنجاح اللجنة الوطنية.
وشدد عبد السلام، على ضرورة وجود مؤسسات مستقلة للعدالة، ووصف السلطة الحالية بسلطة الأمر الواقع، وأكد ضرورة إنشاء مؤسسات مستقلة تعمل على إرساء المبادئ وحكم القانون، وذكر: (إذا لم يتم ذلك ستكون قضية العدالة الانتقالية مجرد سراب).
تطلعات الضحايا والثورة الأخرى
وأشار عبد السلام، إلى ضرورة أن ترتكز مسألة العفو والقصاص على تطلعات الضحايا في ظل وجود آلية وطنية مستقلة وطرح هذه القضية بشجاعة، وزاد قائلاً: (إذا لم يتم ذلك فستكون هناك ثورة أخرى لتحقيق العدالة الانتقالية).
إبراء الجراح
ومن جانبه اعتبر الكاتب والمفكر د. النور حمد، أن العدالة الانتقالية إجراء عام لإبراء الجراح وتعديل المسار، وشدد على ضرورة توسيع مسألة العدالة لتصبح وقوداً لإصلاح شامل يغلق الباب أمام استحلال الدم.
وأشار النور حمد، خلال حديثه في ذات البرنامج إلى أن النظام السابق أمضى (٣٠) عاماً في القتل خارج القانون والتعذيب، ونعت الأضرار التي وقعت على الشعب السوداني جراء تلك الانتهاكات بالواسعة، وتمسك بضرورة التنادي والتلاقي على وحدة وطنية.
ورأى حمد، أن أسر الضحايا متقدمة على الحكومة في ملف العدالة الانتقالية، وذكر: (متقدمون بسنين ضوئية، مما يعبر عن أصالة الشعب السوداني ووطنيته).
المفوضية والهم الوطني
واعتبر النور حمد، أن جريمة فض الاعتصام من أمام القيادة العامة للقوات المسلحة تمثل إهانة لكل صاحب ضمير، وقال: (تمت إهانة كل رجل وامرأة لذلك كلنا أصحاب حق)، ونبه إلى أهمية أن تكون اللجنة الوطنية لمفوضية العدالة الانتقالية من الشعب وأن تكون قيادتها من المجتمع ومن أسر الضحايا ليصبح الهم وطنياً.