المرأة السودانية والصمود
بقلم: عائشة السماني
شكل الثامن مارس من كل عام محطة سنوية للوقوف على حصيلة المكتسبات على امتداد سنة كاملة من الحضور الفاعل والنضال المتواصل للمرأة داخل المنابر المجتمعية للشعوب عبر أنحاء العالم، حيث ترتفع الحناجر النسائية عبر المنابر والمنصات تردد الشعارات إما بالتنديد ضد القرارات الحكومية أو بالتأييد للتقدم اللائي أحرزنه في المجالات الحقوقية، إلا أن هذه الطقوس الاحتفالية سواء بالتأييد أو بالاحتجاج تبقى مناسبة مهمة للوقوف على الانجازات النسائية ومناسبة مواتية لقياس حجم المجهودات التي بذلتها النساء في التأكيد على مطالبهن المشروعة والدفع في اتجاه رفع الضرر المضروب عليهن بمختلف بقاع العالم.
ويمكن اعتبار اليوم العالمي للمرأة مناسبة لإسماع صوت النساء وفرصة لتوحيد كلمتهن وإبراز مواطن القوة للمطالبة بحقوقهن السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والإنسانية عموماً، خاصة وأن فئات واسعة من النساء على امتداد مساحة الكرة الأرضية تعشن تحت سياط العنف والضرب والاغتصاب والتشويه والاعتداءات المختلفة الأشكال والأنواع منها النفسية والجسدية.
تحتفل النساء عبر العالم بيومهن العالمي للمرأة (8 مارس من كل عام)، وتختلف طقوس الاحتفال وأجوائه من بلد لآخر، حسب الاحترام الذي يكنه أفراد كل مجتمع لنسائه، ودرجة التزام الدول ومدى احترامها لحقوق النساء ضمن القوانين المسطرة والأعراف المتوافق حولها، وقدرتها على تطويع قوانينها لملاءمة المواثيق الدولية والمعاهدات المبرمة بخصوص تمتيع المرأة بحقوقها الوطنية والإنسانية، وتبقى مناسبة (8 مارس) محطة سنوية تقدم خلالها حصيلة العمل النسائي عبر العالم ومدى تقدمها في تحقيق مكاسب جديدة لفائدتهن، ويتم التعاطي مع هذه المناسبة حسب الظروف السياسية التي تحكم البلاد المحتفية بهذه المناسبة.
وكزميلاتها في الدول الأخرى تحتفل المرأة السودانية بهذا اليوم العالمي، وهذه السنة تحتفل بعد أن كانت لها الباع الطويل في ثورة ديسمبر وتغيير النظام الذي ظل يكبلها 30 سنة وأذاقها جميع ألوان القهر والعذاب، لكن رغم ذلك ظلت النساء في السودان يقفن في نفس المحطة، وما يزال الفارق بينها ورفيقاتها في دول أخرى في مستوى احترام حقوقها شاسع جداً، حيث تجد أن العنف ضد المرأة في السودان أضحى يشكل فضيحة عالمية، حيث نجد عدداً كبيراً من النساء، وخاصة في مناطق الحرب مثل (دارفور، النيل الأزرق وجبال النوبة) يتعرضن للعنف الخطير والمؤثر على حياتهن، كما نجد أعداداً مقدرة في تلك المناطق من النساء يتعرضن للاغتصاب والضرب والأذى، وأيضاً يتم تشويه الأعضاء التناسلية عدد كبير من الفتيات في ولايات السودان المختلفة، بجانب زواج الطفلات والزواج القسري، كما تقتل أخريات على أيدي عائلاتهن باسم الشرف، وما تزال النساء العاملات في الأعمال البسيطة يحاربن في أرزاقهن باستمرار.
ولضمان حماية حقوق المرأة ورفع العنف الممارس عليها، ظلت مجموعة من المنظمات النسوية المدافعة عن حقوق المرأة تطالب بالإصلاحات القانونية، وخاصة التشريعات المتعلقة بالاغتصاب والعنف الجنسي، وكذلك ظلت تطالب بتجريم ختان الإناث وتحارب ذلك عبر كل الوسائل، بل سيّرت هذه المرة موكباً نسوياً لمطالبة الحكومة بالتوقيع والمصادقة على اتفاقية (سيداو) التي تعتبر فيها تلك الجماعات النسوية حماية للنساء من كل الانتهاكات التي يتعرضن لها، ووقفت عدد من الأجسام النسوية يوم أمس أمام وزارة العدل يطالبن بتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يعتبرن كل مواده مجحف في حق المرأة وتحرمها من حقوقها تجاه أبنائها.
ويأت اليوم العالمي للمرأة هذا العام وما تزال المرأة السودانية تقف في نفس المحطة مكبلة ومقهورة بالقوانين والمجتمع الذكوري، لكنها ما تزال قوية صامدة تتطالب بكل حقوقها بل تدافع من أجلها، كما أنها مستمرة في نضالها من أجل الإصلاحات القانونية التي تعتبرها هي الخطوة الأولى التي تنال بها حقوقها.
التحية إلى كل نساء السودان المناضلات واللائي ضحين بالكثير من حياتهن من أجل الشعب السوداني والتحية للنساء في مناطق النزاعات وفي معسكرات النزوح اللائي يجترعن المرارة، الأماني لهن بوطن ديمقرطي والتمتع بالحرية والحياة الكريمة.