إصلاح مؤسسة قوى الحرية والتغيير.. نقاط على الحروف
بقلم: مجدى عبد القيوم (كنب)
ظلت الدعوة للعودة إلى منصة تاسيس قوى الحرية رهينة تجاذبات الخلافات العميقة بين القوى والأجسام المُشكِّلة لهذا التحالف. وعلى الرغم من أننا جزء من هذا التحالف سواء على مستوى المنظومة التي نمثلها أو على المستوى الشخصي؛ إلا أن هذا لا يجعلنا نغضُّ الطرف عن مواطن الخلل، باعتبار أن النقد المُؤسَّس على حيثيات موضوعية، هو أهم آليات ترقية وتطوير الأداء. ونرى أن ذلك أمر يتوجب علينا انطلاقاً من المسؤولية الأخلاقية والهم الوطني، إذ إن التقدير أن عملية الإصلاح المؤسسي ينبغي أن تكون سدرة منتهى القضايا التي تهم الحاضنة على كثرتها، وهي القضية المركزية التي ينبغي أن تتصدر اهتمام أحزاب وتنظيمات قوى الحرية وكل قوى الثورة باعتبار أن هذه هي المنصة التي تقف عليها القوى الوطنية وهي تنطلق بمثابرة لتحقيق أهداف الثورة التي تمثل تطلعات شعبنا.
أدركت القوى السياسية المُشكِّلة لهذا التحالف باكراً الحاجة المُلحّة لإجراء عملية إصلاح مؤسسي شاملة، تجنباً لمزالق الأخطاء ودرءاً لشبهات منهج الإقصاء تأسيساً على قناعة راسخة بأن قوى الثورة أكبر من أن يحتويها ماعون وإن اتسع.
غير أن عملية الإصلاح هذه، ظلت تُراوح مكانها على الرغم من اتفاق جل القوى على ضرورتها، وذلك لأسباب موضوعية متصلة بتعقيدات المشهد السياسي وتقاطعاته وذاتية متعلقة بالقوى المُشكِّلة لهذا التحالف. ومع عدم إغفالنا للظروف الموضوعية، إلا أننا نُعنَى بالذاتية باعتبار أن همَّ الوطن ووحدة الهدف ينبغي أن تكون هي المحددات للمواقف السياسية بعيداً عن نزوع نحو مصلحة حزبية.
وعلى الرغم من المحاولات الدؤوبة والمساعي الحثيثة التي بُذلت لأجل إصلاح مؤسسي شامل يطال كل أبنية وهياكل قوى الحرية، ويُوسِّع من قاعدتها الاجتماعية بضمِّ كُلِّ الفصائل الثورية؛ إلا أن هذه المساعي لم تُكلَّل بالنجاح، إذ دأبت بعض التنظيمات من الحلفاء في قوى الحرية على تعويق مسار الإصلاح وقطع الطريق عليه، ودون تجنٍّ أو قدح في صدقية مواقف تلك القوى من أهداف الثورة؛ إلا أننا نرى أن موقفاً كهذا لا ينسجم إطلاقاً مع التحديات التي تجابه بلادنا ولا المنعطف الذي تمر به.
لقد عملت هذه القوى بمنهجية لإعاقة عملية الإصلاح المؤسسي، بسيطرتها على القرار في مؤسسات قوى الحرية من خلال العمل خارج الهيئات والقنوات التي ينبغي ان تكون الأوعية التي تُصنع فيها القرارات حتى أصبح مصطلح )اختطاف قوى الحرية) متداولاً ومبذولاً كلما جاء ذكر هذه المؤسسة.
هذا الاختطاف كرس لهذه الأوضاع الشائهة وأدى إلى:
-انفراط عقد قوى الحرية وتفكك أبنيتها.
-ضعف أداء الجهاز التنفيذي.
-تآكل جماهيرية الحكومة الانتقالية.
وبلا شك هي كارثة لن يغفر التاريخ لمن تسبَّبَ فيها، وبالطبع هذا في المحصلة كان سبباً في :
-الفشل في تحقيق أهداف الثورة.
-عودة قوى الثورة المضادة لإرباك المشهد السياسي وتعويق مسار الثورة .
وقطعاً هذا وضع على عاتق الثورة عبءاً جديداً زادها رهقاً على رهق.
إننا نرى أن صمام أمان ثورة ديسمبر المظفرة وقدرتها على تحقيق أهدافها هو وحدة قوى الثورة التي تُشكِّل قوى الحرية كحاضنة سياسية رأس الرمح فيها والأرضية التي يمكن أن تقف عليها كتلة الانتقال، ولعل ما يعضد ما ذهبنا إليه هو ما ورد في مبادرة السيد رئيس الوزراء (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال.. الطريق إلى الأمام)، والتي ورد فيها (أن أسس التسوية الشاملة تشمل توحيد كتلة الانتقال وتحقيق أكبر إجماع داخلها نحو قضايا الانتقال).
إذن، فإن وحدة قوى الثورة يمثل الأساس الذي ينبغي أن يشكل كتلة الانتقال التي ستنجز مهامه.
إننا وبلا مواربة نعتقد أن هذا المأزق الذي وجدت قوى الحرية نفسها فيه نتاجاً طبيعياً لمنهج التكويش والاختطاف الذي ظلت تمارسه قوى بعينها، وبالتالي فهي تتحمل النتائج الوخيمة التي وصل إليها حال قوى الحرية، والتي جعلت جماهير الثورة فاقدة للأمل لا ترى حتى ضوءاً فى نهاية النفق ولينفضّ سامرها من حول قوى الحرية، بحثاً عن ملاذ آخر، وترقباً لما تخبئه ليالي الزمان، وهن عند شعبنا حبالى مثقلات يلدن كل عجيب.
لقد بلغت الجرأة بالقوى التي تسببت في إعاقة الإصلاح المؤسسي حدَّاً جعلها تخلع ثياب الحياء وتطرح مشروعاً لتخصيص مقاعد دائمة لها في المجلس القيادي المزمع تشكيله على أن تتداول بقية القوى ما يتبقى من مقاعد، وبلا شك هذا لن يكون، فليس هناك من يدعي الريادة في الثورة، أو أنه قدح زناد شرارتها فالثورة فعل تراكمي.
إن للقوى السياسية إرثاً تليداً في احترام أسس التحالفات، ولها في ذلك أدب راكمته عبر مختلف الحقب ينبغي الاعتداد به والحفاظ عليه.
إننا وبيقين لا يعتوره شك وقناعة لا تزعزعها ريب، نرى أنه ينبغي أن تبلغ عملية الإصلاح المؤسسي منتهاها مهما كانت الكلفة باهظة، فلا يصح إلا الصحيح وشعبنا يتوق إلى ممارسة سياسية تستلهم من دروس التاريخ عبر ومن حكاوى الاستفراد عظات ومن نتيجة (نقض العهود والمواثيق) ترياق وعاصم.
إننا نرجو صادقين أن تثوب الأحزاب المعنية إلى رشدها، وأن تحكم العقل فإن (نهاية العالم ليست خلف النافذة) وغداً تشرق الشمس من جديد على صندوق الاقتراع الشفاف.
في تقديري أنه ينبغي على القوى الحريصة على إنجاز الانتقال الشروع فوراً في عملية الإصلاح المؤسسي وفقاً لقيد زمني معلوم على أن تشارك كل قوى الثورة داخل وخارج هيئات مؤسسة قوى الحرية في هذه العملية.
ونرى أن الطريق إلى تلك العملية الحيوية يستوجب الآتي:
١/ابتدار حوار منتج مع كل قوى الثورة التي هي خارج مظلة (قحت) الآن وعلى رأسها الحزب الشيوعي.
٢/إيقاف كل الإجراءات المتعلقة بتشكيل المجلس التشريعي.
٣/إلغاء كل الترتيبات المتصلة باختيار الولاة.
٤/البحث عن صيغة تضمن إشراك لجان المقاومة في المجلس التشريعي.
٥/إيقاف مشروع تشكيل المجلس القيادي لقوى الحرية.
أي حديث عن أنه يتوجب أن تسير الأشياء جنباً إلى جمب حديث جزاف لا يسنده منطق فالإصلاح المؤسسي هو الشرط الموضوعي الذي يمكن قوى الحرية من أداء دورها في إنجاز أهداف الانتقال.