وزارة التربية والتعليم في زمن الحرب: سياسات معادية للفقراء والنازحين واللاجئين
بقلم: سنية اشقر
في قلب الجحيم السوداني المستمر منذ إندلاع الحرب، تبرز وزارة التربية والتعليم كمؤسسة كان يُفترض أن تكون طوق نجاة لأجيال تنهشها الأزمات، لكنها تحولت إلى أداة قمع وإقصاء إضافية ضد من لم يملكون قوت يومهم واللاجئين والنازحين. فرض الرسوم الباهظة على التلاميذ والتلميذات، خصوصًا في الصفوف المصيرية كالسادس الإبتدائي ، يكشف عن سياسة ممنهجة معادية للفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، بل ويعمق المأساة الإنسانية بدلًا من التخفيف منها. تفرض الوزارة رسوم امتحانات باهظة لا تتناسب مع واقع غالبية السودانيين الذين فقدوا مصادر دخلهم، ونزحوا من منازلهم، ويعيشون اليوم على المعونات الإنسانية. هذه الرسوم ليست مجرد أرقام، بل هي حاجز صلد يُقصي آلاف الأطفال من حق أساسي هو التعليم. وبدل أن يكون التعليم ملاذًا من أهوال الحرب، تحوله الوزارة إلى إمتياز طبقي لا يستحقه إلا القادرون على الدفع.
* النازحين واللاجئين خارج الحسابات
في دول اللجوء ومناطق النزوح، لا تزال الوزارة تُصر على فرض رسوم امتحانات عالية دون مراعاة لواقع الأطفال وأسرهم الذين هربوا من الموت والدمار، ليُفاجأوا بسياسات حكومتهم التي تحاصرهم من جديد. لا توجد آلية واضحة لدعمهم، ولا تنسيق فعال مع المنظمات الإنسانية لضمان تعليمهم، وكأن هؤلاء الأطفال ليسوا جزءًا من الوطن، بل عبء يجب التخلص منه.
من المفارقة أن وزارة التربية والتعليم نفسها تساهم في تعميق الفاقد التربوي الذي تدّعي محاربته. كل طفل لا يستطيع الجلوس للامتحان بسبب الرسوم، هو مشروع تسرب مدرسي، ومشروع ضياع مستقبلي. بل إن هذه السياسات تخدم بشكل غير مباشر أجندات الحرب، عبر دفع الأطفال إلى سوق العمل أو ساحات القتال بدلاً من مقاعد الدراسة. ” *هل تريد الوزارة أن تقدم هولاء التلاميذ بفرضها للرسوم الباهظة قرابين سهلة لدعاة الحرب ومهندسي التجنيد القسري* ” ام لماذ تتعامل الوزارة مع التعليم كأنه سلعة للبيع، لا حق مكفول بالدستور والمواثيق الدولية. في زمن الحرب، تُضاعف الجبايات، وتُستغل حالة اللا دولة لفرض رسوم دون مساءلة أو شفافية. وتُفتح أبواب الفساد، حيث تُستخدم الامتحانات كفرصة للتكسب، لا لتقييم التحصيل الأكاديمي.
*غياب الرؤية الوطنية
في الوقت الذي يُفترض أن يكون التعليم أداة لبناء الوطن، ونشر ثقافة السلام، ونبذ خطاب الكراهية، نجد الوزارة غارقة في سياسات عكسية تقصي، وتُهمش، وتُفاقم من أسباب الصراع. لا توجد خطة طوارئ تعليمية، ولا رؤية لإدماج الأطفال النازحين واللاجئين، ولا إرادة سياسية لوقف نزيف التعليم.
*إلى أين يقود هذا الطريق؟
إلى مجتمع غير متعلم، مفخخ بالجهل، وسهل التلاعب. إلى تجنيد المزيد من الأطفال في النزاعات المسلحة. إلى سحق أحلام الفقراء، وحرمانهم من فرص التغيير.
*اخيرا
التعليم حق لا يُباع إن فرض الرسوم الباهظة في زمن الحرب ليس مجرد خطأ إداري، بل سياسة عدائية تجاه الفقراء والنازحين واللاجئين، يجب فضحها ومقاومتها. فالدولة التي تفرض رسومًا على من لا يملكون لقمة يومهم، ليست دولة تُعنى بالمستقبل، بل سلطة تُكرّس الاستغلال والتمييز الطبقي.
التعليم يجب أن يكون مجانيًا، شاملًا، وعادلاً، خاصة في أوقات الكارثة، لا أن يُستخدم كأداة لفرض الهيمنة والتربح. إن ما تفعله وزارة التربية والتعليم اليوم، هو تخريب للوعي، وتجريف للأمل، وتمهيد لطريق طويل من الانهيار الأخلاقي والاجتماعي والسياسي.
*على القوى المدنية والنقابات والمعلمين والناشطين التحرك الآن، لوقف هذا الانحدار، واستعادة التعليم كحق لا يُقايض ولا يُباع.
إن حرمان أطفال الصف السادس ابتدائي من الامتحانات هو أكثر من مجرد عجز عن دفع رسوم، إنه إعلان غير مباشر أن الدولة تتخلى عن أضعف مواطنيها في أحلك الظروف. يجب ألا نصمت. فالصمت هنا ليس حياداً، بل تواطؤ في الجريمة. المعركة من أجل التعليم ليست معركة تربوية فقط، بل معركة سياسية واجتماعية من أجل حماية ما تبقى من أمل في وطنٍ تُهدم مدارسه ويُشرد أطفاله وتُحاصرهم الجبايات كما تحاصرهم نيران الحرب.
هل تكتب الوزارة التاريخ؟ أم تمحوه من عقول الأطفال؟
الجواب في قاعة الامتحان التي لم يصلها الطفل، لأنه لم يستطع دفع الرسوم.