الأحد, نوفمبر 10, 2024
تقاريرمجتمع

من يخفف المعاناة؟.. أسرة من (10) أفراد بينهم (5) ذوي إعاقة تنتظر الفرج

أمدرمان: آيات مبارك

تعبِّر فاطمة عن حالة ألم ووجع وأنين من خلف الأبواب المغلقة والأسوار القصيرة في غرب أمدرمان، (قرى الفتح 2) بولاية الخرطوم، تلك البقعة التي التمست فيها فاطمة مأوى لأبنائها رغم ضيق الحال وانعدام التعليم والصحة وبالطبع العلاج.

وتعول فاطمة علي يوسف، أسرة قوامها (10) أفراد وتعتمد في عيشهم على بيع الملابس القديمة المعروفة بمسمى (القوقو) حيث تعرضها قريباً من المنزل، حتى تستطيع الإيفاء ولو بجزء قليل من بعض مجهود يقي تلك البطون شر الجوع. تؤكد (فاطمة) أنها لا تستطيع التحرك بعيداً عن الحي لفترة طويلة أو حتى بعيداً عن المنزل خشية هروب أبنائها الذين يتحينون الفرص للخروج من المنزل نحو المجهول، وهم لايدرون أي قدر وشر مستطير يحيط بهم فالبراءة وقلة الحيلة تحف أغلب أفراد المنزل، بل وأكثر ما يزعجها ويرعبها أن رحلة عودتهم إلى المنزل قد تطول إلى أيام وقد لا يعودون مرة أخرى.

وفاطمة مسؤولة عن إعالة أسرة من زوج كفيف وكبير في السن و(4) بنات، و(4) أولاد من ذوي الإعاقة الذهنية الذين تتولاهم بعنايتها بعد المولى عز وجل، وقالت في وصفها لـ(مدنية نيوز) أمس الأول: أصغرهم (عبدالرحمن) الذي يعاني من نقص في القدرة العقلية، وهو يخرج من المنزل بلا هدى ويعود متى تلهمه نفسه للعودة إلى منزله، وفاطمة لا تملك القدرة في السيطرة عليه، أما (محمد) و(أسامة) فإن من يراهما يشعر بأنهما صغار في السن، فـ(محمد) يبلغ من العمر (23) عاماً و(عبدالرحمن) (16) عاماً وأسامة (18) وأمير (31) عاماً وعلاجهم يتم تدريجياً من الانتظام ضمن الصفوف الدراسية الخاصة بذوي الإعاقة الذهنية.

وتحكي (فاطمة) أن عبدالرحمن راغب جداً في الذهاب إلى المدرسة ورغم عدم قدرته على التعبير، الإ أنه وفور بداية العام الدراسي وفي كل سنة يومياً يلح عليّ أن ألبسه الملابس المدرسية وأن أجهز له (سندوتشاته)، لكنه يذهب ويأتي كأن شيئاً لم يكن، فهو يذهب إلى مدرسة الحي القريبة، لأنه في حوجة إلى مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة وأقرب مدرسة لنا هنا هي منطقة دار السلام مربع (5) التي تبعد كثيراً عن المنزل، إضافة إلى ذلك فإني لا أملك مصاريف الدراسة ورسوم الترحيل بل حتى لا أملك نفقات العيش فكيف لي برسوم الترحيل والدراسة، لذلك ليس لدي حل سوى بقائهم في المنزل.

ومن يرى أسامة ويسمع صوته وهو ينادي فينة بعد أخرى يتأكد من مدى معاناة تلك الأم، أما رؤيته وهو على تلك الحالة فذاك أمر آخر!! فقد تم ربط قدميه بالجنازير!، وعندما حاولت سؤاله والحديث معه قابلني بابتسامة تحمل كل براءة الدنيا رغم أنه لا يستطيع تمييز الأشياء لكنه رحب بي جيداً فهو صديق الكل، و(حبيب الجيران) كما تقول أمه، ويمكنك أن تسمع صوته مرحباً بك بمجرد الطرق على باب المنزل لكنه لا يقوى الحركة أو اللعب مع أقرانه، وعندما سؤال والدته عن السبب قالت: (أسامة يعاني من ضعف في النخاع الشوكي أو كما وصفت الطبيبة ذلك بأن إحدى خلايا النخاع ميتة، وقد أصيب بذلك منذ أن كان عمره “4” أشهر)، وعن كيفية وإمكانية علاجهم ردت (فاطمة): أكد لي الكثير من الأطباء انعدام امكانية علاجهم بالداخل، وذكرت: توقف بحثي عن العلاج منذ فترة طويلة ووقتها كنت أتابع مع طبيب مختص بمستشفى السلاح الطبي وطبيبة مختصة بمستشفى سوبا الجامعي، إضافة إلى متابعة بمستشفى التجاني الماحي. وتابعت: لقد ساعدوني كثيراً ولكن ضيق ذات اليد جعلني لا أستطيع مواصلة العلاج أكثر من ذلك، وعندما سؤالها عن سبب تقييده بالجنازير وأن هذه العملية مؤذية وقد تسبب في زيادة مرضه وتفاقم حالته، حكت بأن ذلك أهون له من خروجه من المنزل ورحلة البحث عنه التي لا تنتهي، وواصلت بأن أسامة ومنذ صغره يخرج من منزلهم بلا هدى، بما يجعلها وبناتها في رحلة بحث قد تطول أياماً وليالٍ، وزادت: (لكن المرة الأخيرة التي غاب فيها “7” أيام جعلتني أصفده بهذه الأغلال فهي أرحم لي من ذلك المشهد الذي وجدته به، فقد أتاني وعلى جسده آثار ضرب “سوط عنج” وتورم في الوجه والكثير من الجروح وعندما أسأله يجيبني بكلمة واحدة فقط “الراجل”).

وطبقاً لرواية (فاطمة) فقد خرج أسامة من منزلهم بقرى الفتح وسار على قدميه حتى (لفة بانت) بشارع الأربعين، أي أنه قطع مسافة طويلة في أمدرمان من أقصى شمالها الغربي وحتى مضاربها الجنوبية سيراً على الأقدام.

وأضافت (فاطمة) وعادة ما يقفز عبر سور المنزل لذلك قررت إيداعه تحت رحمة هذه الجنازير، فهي أخف حالاً من خطر الطريق !!، وعندها ساد الصمت المكان.

من داخل وثيقة الحقوق

بينما (فاطمة) وبناتها يقاومن صروف الأقدار ويقابلن إرادة المولى وهن يتجرعن الصبر مع الألم، كانت هناك وثيقة الحقوق والحريات بالوثيقة الدستورية للعام 2019م -قبل انقلاب 25 أكتوبر الماضي-، وبالمادة 64 (1) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قد كفلت جميع الحقوق والحريات الموجودة بالوثيقة، وخاصة احترام كرامتهم الإنسانية، وإتاحة التعليم والعمل المناسبين لهم، وكفالة مشاركتهم في المجتمع، وأتى هذا النص كاستجابة مباشرة لالتزام المُشرّع بضمان توسيع مواعين الدولة بحيث تخدم وتسعى لحفظ مصالح قطاعات أوسع، وبنظرة تاريخية نجد أن جمهورية السودان قد صادقت على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبرتكول الاختياري الملحق في 25 أبريل 2009.

والمتتبع لمسار التشريعات الوطنية حول قضايا المواطنين ذوي الإعاقة التي كانت بدايتها منذ قانون (رعاية وتأهيل ذوي الإعاقة للعام 1984)، يجد أن أبناء فاطمة والكثيرين غيرهم لا يزالون بحاجة إلى استرداد حقوقهم كاملة غير منقوصة من المجلس القومي لحقوق ذوي الإعاقة، شعبة حقوق ذوي الإعاقة بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إدارة التربية الخاصة بوزارة التعليم العالي، ومجلس الأشخاص ذوي الإعاقة بولاية الخرطوم.

وعلى الرغم من أن كل هذه الجهات الحكومية التي وقفت عاجزة أمام (فاطمة) وأبنائها، الإ أنها كانت أكثر صموداً وهي تبحث عن حقوقها.

ورغم ثبات المواطنة (فاطمة) طيلة فترة حديث (مدنية نيوز) معها الإ أن عزمها قد خار فسألت بكلمتين وأدمعها تلمع في عينيها: (يا بتي الحل شنو؟؟).

حينها عز علينا صبرها الطويل ونفسها الأبيّة وأيادينا القصيرة وجهاتنا التنفيذية مغلولة الأيدي، لأن مواد القانون المنصوبة لن ترفع حالاً تحت ظل انتقال ديمقراطي غير مستقر قبل أن يتم الانقلاب عليه. فتلعثمنا لأن الإجابة لن تجدي شيئاً في حالة الدولة، ولكن باب الأمل لن يغلق من ناحية المجتمع فماذا هو قائل وفاعل لتقاسم الهم مع هذه الأسرة والأم المكلومة؟!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *