الوضع الراهن في السودان.. دراسة تحليلية للمبادرات والمواثيق
الخرطوم: أم سلمة العشا
تشهد الساحة السياسية طرح العديد من المبادرات والمواثيق المتعلقة بالأوضاع الراهنة في السودان، وشرع مختصون في دراسة تلك المبادرات والمواثيق وتحليلها لمعرفة مدى مواءمتها مع القوانين سارية المفعول والاتفاقيات والمعاهد الدولية.
وكشف عرض القراءة القانونية التحليلية للمبادرات والمواثيق المقدمة من كيانات المجتمع المدني والأكاديمي والفاعلين في الفضاء السياسي، حيث هدفت الدراسة التي أعدها مركز ساس الحقوقي للتدريب القانوني وقدمها بقاعة الشارقة أمس، إلى استخلاص مدى مواءمة تلك المبادرات والمواثيق مع القوانين سارية المفعول والاتفاقيات والمعاهد الدولية.
كما هدفت القراءة إلى تصنيف المبادرات والمواثيق المعدة وفق منهج المصفوفة والمحاور التي أعدت لها مؤشرات لمعرفة مدى موافقتها مع الأهداف العامة لثورة ديسمبر 2019 المرصودة للفترة الانتقالية، بجانب منهج المقارنة من أجل المساهمة في تمكين الكيانات المقدمة لهذه المبادرات والاهتمام بمواءمة التشريعات المتعلقة بتنفيذ مهام الفترة الانتقالية.
رصد وتحليل
شملت القراءة التحليلية للمبادرات والوثائق التي قدمت من (15) كيان وفق تواريخ مختلفة وضمت: (إعلان وحدة قوى ثورة ديسمبر (أوقد)، وثيقة الحزب الشيوعي السوداني الأزمة وطريقة استرداد الثورة يونيو 2021، مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، وثيقة لجان مقاومة ود مدني، ميثاق لجان مقاومة الخرطوم (ميثاق تأسيس سلطة الشعب)، مبادرة أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة.
ومن بين المبادرات التي تضمنتها الدراسة: مبادرة منظمة تدريب وتشغيل الشباب لاستعادة الشرعية الدستورية، مبادرة وثيقة قوى إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي فبراير ٢٠٢٢م، مبادرة حزب الأمة القومي، مبادرة حزب المؤتمر الشعبي، وورقة مقدمة من أحمد الجيلي وعبد الخالق الشايب، مبادرة التحالف الاقتصادي، بجانب ورقة مقدمة من مجموعات نسائية متعددة التخصصات المهنية، ملتقى جامعة الخرطوم للبناء الوطني والانتقال الديمقراطي، ومبادرة مجموعة من خبيرات الجندر والمحاميات والأكاديميات فبراير ٢٠٢٢م.
محاور
وحسب القراءة التحليلية فإنها رصدت ما جاء فيها وفق (9) محاور تمثلت في: المفاهيم العامة والدستور الانتقالي، المجلس التشريعي، نظام الحكم وقسمة السلطة، العدالة الانتقالية، الإصلاح المؤسسي، السلام، الاقتصاد الوطني، بجانب السياسة الخارجية.
وطبقاً للقراءة فإن مؤشر التوافق جاء قياساً على مجمل أهداف الثورة المتفق عليها وفق المفاهيم العامة الفكرية التي تتوافق مع متطلبات الانتقال الديمقراطي في (تفكيك بنية النظام السابق، وبناء مؤسسات الدولة المدنية المحايدة وإعادة هيكلتها، وسيادة حكم القانون وقيم العدالة، وقيام الانتخابات العادلة والنزيهة)، وأوضح التحليل القانوني للمبادرات المتعلقة بمحور المفاهيم العامة أن أغلب المبادرات أغفلت المفاهيم العامة الفكرية الأربعة والتي تتوافق مع متطلبات التحول الديمقراطي ولم تقدم منهجاً ورؤية واضحة تحدد ارتباطها بعملية الانتقال ومهام الفترة الانتتقالية.
الوضع الدستوري
أثبتت القراءة التحليلة التي قدمها مركز ساس الحقوقي أن جميع المبادرات والوثائق المعنية تضمنت إنشاء إعلان دستوري جديد بدلاً عن الوثيقة الدستورية لعام 2019 المعدلة عام 2020م، باستثناء حزب الأمة الذي يرى تعديل ذات الوثيقة الدستورية على أن يترك تعديلها للمجلس التشريعي الانتقالي، بجانب رؤيته في أن تتم مراجعة جملة قوانين تشمل قانون الأحزاب والقوانين الأخرى التي تحكم الكيانات السياسية والنقابية لتهيئة المناخ المواتي لنجاح الفترة الانتقالية والوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة.
في المقابل ترى مبادرة لجان ود مدني أن يقوم المجلس التشريعي الانتقالي حال انشائه بإجراء التعديلات الضرورية لتفعيل دستور السودان المؤقت لعام 1956 إلى حين إجازته لدستور انتقالي جديد، كما ترى وثيقة إعلان الحرية والتغيير أن تستبدل الوثيقة الدستورية للعام 2019 المعدلة 2020 بإعلان دستوري يقوم على المستجدات التي أعقبت أحداث 25 أكتوبر 2021 واتفاق سلام جوبا، كما اهتمت بأن يتضمن الإعلان الدستوري أولويات محددة للفترة الانتقالية الجديدة أولها استكمال الإجراءات اللازمة لقيام انتخابات حرة ونزيهة، بألا تتجاوز المرحلة الانتقالية عامين فقط.
غير أن التحليل القانوني لمركز ساس فيما يتعلق بمحور الدستور أشار إلى أن أغلب المبادرات أغفلت الكيفية وآليات مسألة الشرعية فرغم اقتراحها لإصدار إعلان دستوري جديد إلا أنها لم تشر إلى إلغاء الوثيقة الدستورية أو تعديلها مما يؤثر على مبدأ الشرعية، كما أن هنالك عدد من المبادرات المطروحة لم تتناول شكل وطبيعة الدولة (وهي من الأمور الأساسية لأية مبادرة تتعلق بالفترة الانتقالية).
وأشارت الدراسة إلى أن معظم المبادرات أكدت أن صياغة الدستور المؤقت تقوم على الحوار والاستفادة بين كافة أهل السودان، إلا أنها لم تشر للآليات. وفيما يتعلق بمحور المجلس التشريعي وفقاً للدراسة فإن هناك مبادرات أشارت إلى عدم التركيز على مبدأ الشرعية، وتمسكت بشرعية الوثيقة الدستورية، واقترحت تعديل الوثيقة ولم توضح آلية لذلك من ناحية تشكيل المجلس، وبالنسبة لحزب الأمة فقد تمسك بالوثيقة الدستورية واقترح أجراء بعض التعديلات ولم يضع آلية لكيفية إجراء التعديلات، أما قوى الحرية والتغيير فقد اقترحت آلية دولية كميسر.
ضمانات غير كافية
وفي محور نظام الحكم وقسمة السلطة جاء في التحليل القانوني أن هنالك اتفاق بين معظم المبادرات المطروحة على الأخذ بنظام الحكم الفدرالي دون تحديد الضمانات الكافية، ولأن النظام الفدرالي ليس دائماً هو الحل الأمثل للدول التي تعاني من المشاكل والاضطرابات مثل السودان سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو عرقية أو دينية.
كما تطرقت القراءة إلى تحليل المبادرات في بقية المحاور المتعلقة بالعدالة الانتقالية إذ لا يمكن الفصل بين العدالة والمصالحة في السودان فهما مترابطان وعملت معظم المبادرات على معالجتهما بطريقة مساهمة إجرائية متكاملة.
وحول الإصلاح المؤسسي أوضحت الدراسة أن بعض المبادرات لم تضع منهجاً محدداً مما أدى إلى خلط بين عمليات الإصلاح وإعادة البناء، كما أظهر التحليل في محور السلام مخالفة طرق التعديل المحددة في اتفاق سلام جوبا والذي أصبح جزءاً من الوثيقة الدستورية التي حددت طرق الإلغاء والتعديل في المادة 78 من الوثيقة الدستورية.
فوضى مدمرة
وحذّر الرئيس المكلف لحزب الأمة القومي اللواء (م) فضل الله برمة ناصر، من مخاطر التدخلات الأجنبية، وتفكيك البلاد وتمزقها حال عدم التوحد وإيجاد مخرج من الأزمة، وحذر من خطر ما وصفها بالفوضي المدمرة، وقال إن الوضع الحالي للبلاد يمضي في هذا الاتجاه حال لم يتم التوصل لاتفاق بين القوى المدنية والعسكرية.
وأوضح برمة أن القوى السياسية والشارع والشباب يريدون حكومة مدنية، والعسكر يريدون ضمانات بحسب حديث حميدتي، وقال: (كيف نحقق الحكم المدني للشباب الثائر ونقتلع السلطة من العسكر؟)، وتساءل: (هل عندنا القوة العسكرية لمواجهة الانقلاب العسكري، أم عندنا القوة السياسية؟).
وأشار برمة، إلى أن المبادرة الأممية التي طرحتها بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس) بقيادة المبعوث الأممي فولكر بيرتس تمثل المخرج ويمكن تطويرها للخروج من الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد بعد الانقلاب العسكري في (25) أكتوبر الماضي، ورأى أن جميع المبادرات متوقفة عدا المبادرة التي تقوم بها الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، والإيقاد) هي الوحيدة المتحركة، ولفت إلى أهمية توحيد الجهود وتكوين كتلة وطنية كبيرة لعودة الديمقراطية والحكم المدني، وقال: (نحن في مرحلة نكون أو لا نكون).
إخفاقات تشريعية
ومن جانبها قالت المديرة التنفيذية لمركز ساس الحقوقي للتدريب القانوني، سلوى أبسام: إن القراءة القانونية التحليلية للمبادرات والمواثيق مقدمة من كيانات المجتمع المدنى من (15) كيان بتواريخ مختلفة، وأبانت أن القراءة والرصد شمل المحاورالمختلفة (المفاهيم العامة والدستور الانتقالي، المجلس التشريعي، نظام الحكم وقسمة السلطة، العدالة الانتقالية، الإصلاح المؤسسي، السلام، الاقتصاد الوطني، السياسة الخارجية)، واعتبرت أن (90٪) من إخفاقات الفترة الانتقالية الماضية بسبب المسألة التشريعية.
دعم لجان المقاومة
وشهد عرض القراءة التحليلية للمبادرات والمواثيق مشاركة فاعلة من قبل المشاركات والمشاركين ومن بينهم قانونيين وسياسيين وفاعلين في منظمات مجتمع مدني وإعلاميين، وأمن مشاركون ومشاركات على ضرورة الاستماع لرؤى لجان المقاومة والتمسك بموجهات ثورة ديسمبر في التعامل مع العسكريين (لا تفاوض، لا شراكة، لا مساومة).