الشرطة والمجتمع.. إصلاح مطلوب وعلاقة تحتاج للترميم وبناء الثقة (1)
الخرطوم: مدنية نيوز
هل تخلت الشرطة عن واجبها في حماية المواطنين؟، هل يرضي أداؤها طموحهم؟، هل يشعر المواطنون بالاطمئنان داخل أقسام الشرطة؟، وإذا كانوا لا يشعرون بالاطمئنان لم ذلك؟.
كل تلك الأسئلة وغيرها تظل محور تقرير (مدنية نيوز) حول علاقة الشرطة والمجتمع وما إذا كانت تحتاج الشرطة لإصلاح حتى تنال ثقة المواطنين بضبط كامل لسلوك منسوبيها.
تجاوز للمهنية ومذكرة
(بعض أفراد الشرطة ليسوا محايدين في تنفيذ القانون ويتعاملون مع المواطن كعدو)، وردت هذه الجملة على لسان الناشط الحقوقي، المنسق العام السابق لشبكة حقوق الإنسان والعون القانوني أزهري الحاج (62) عاماً)، الذي تم اعتقاله في (29) مايو الماضي، على خلفية الصور التي انتشرت عقب موكب (28) مايو بالكلاكلة اللفة بمحلية جبل أولياء بولاية الخرطوم لعناصر شرطية بالزي الرسمي والمدني، حيث اشتبه فيه هو وبنتيه (فال وداليا) بالتصوير خلال الموكب من منزله القريب من لفة الكلاكلة صنقعت، وبعد إفادته بأنه لم يقم بالتصوير ولا يعرف أسماء من أدخلهم إلى منزله عقب إطلاق الغاز المسيل للدموع في الموكب، تم فتح بلاغ في مواجهته تحت المادتين (77/96)، وقُيِّد بلاغ تحت المادة (77) من القانون الجنائي في مواجهة بنتيه.
ورأى أزهري، أن كثيرين من عناصر الشرطة يلتزمون بالأداء المهني وغير راضين عن الانتهاكات التي تتم وعاملوه بكرامة واعتذروا له عن ما بدر من تجاوزات من بعضهم، وكشف في الوقت ذاته عن تعرضه للضرب والإساءة اللفظية خلال فترة اعتقاله التي امتدت (3) أيام، وكشف أن فرداً بالزي المدني توعّده عقب إكمال إجراءات الضمان وخروجه من قسم مايو بالملاحقة (مرقوك لكن نحن ما بنخليك)، وأبان أن أحد ضباط الشرطة طلب منه التعاون معهم وإخبارهم بمن صور تلك الصور، حتى لا يتخذوا ضده المزيد من الإجراءات من بينها اعتقال زوجته.
وشدد أزهري، على ضرورة إعمال المساءلة والمحاسبة للعناصر غير المهنية، وإصلاح مؤسسة الشرطة ليكون أداؤها منصفاً للمواطنين كافة، وناشد في المذكرة الخبير الدولي المستقل لحقوق الإنسان والمفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان واللجنة الدولية لحقوق الإنسان في جنيف بضرورة التشديد على السلطات السودانية لإصلاح الشرطة وتنفيذ مبدأ المساءلة والمحاسبة تجاه العناصر غير المهنية التي يؤثر تعاملها في علاقة الشرطة مع المجتمع.
أولوية الإصلاح
ومن ناحيته اعتبر القيادي بلجنة محامي الطوارئ بالكلاكلة أحمد أمين، أن العلاقة بين الشرطة والمجتمع تأثرت سلباً نتيجة الانتهاكات المتعددة تجاه المواطنين، وشدد على ضرورة أن يكون إصلاح الشرطة من ضمن أولويات الفترة الانتقالية عقب سقوط النظام الحالي، وأبان أن العلاقة بين الشرطة والثوار السلميين كانت مميزة في 2018م، وأن المواكب كانت تعبر أمام قسم الكلاكلة اللفة دون صدام، حيث يصنع الثوار حاجزاً لتمر المواكب، وقال: حتى قبل (3) أشهر كان يتم ذلك، وأن التحول حدث بعد تولي الضابط الحالي مهمة رئاسة القسم.
مذكرة بالانتهاكات
وكان المنسق العام السابق لشبكة حقوق الإنسان والعون القانوني أزهري الحاج، قد أعلن عقب إطلاق سراحه وبنتيه عن صياغة مذكرة حول (التجاوزات التي تتم في أقسام الشرطة والتعامل غير المهني لبعض منسوبيها)، لتقديمها لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، والخبير المستقل لحقوق الإنسان بالسودان أداما دينق، ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية.
جانب من التعامل
ويكشف تعامل الشرطيين داخل الأقسام جانباً من علاقة الشرطة مع المجتمع ومدى رضاء المواطنين أصحاب المعاملات عن الأداء الشرطي، ولبيان وجه التعامل في بعض الأحيان تورد (مدنية نيوز) حادثة ضبط متهم في أحد الأحياء جنوب الخرطوم فجر يوم الأحد الموافق (٢٢) مايو الماضي، والمتعلقة بسرقة محل تجاري، حيث استيقظ جيران المحل على أصوات صياح اكتشاف عملية السرقة في لحظتها وتحركوا نحو المحل ليجدوا حافلة قد حملت المسروقات وتمكن المتهم الذي يقودها من الفرار، بينما تم ضبط المتهم الآخر أثناء محاولته الهرب.
وتوجه أصحاب المحل المسروق لقسم الشرطة جهة الاختصاص، وأبلغوا المسؤولين بالحادثة حتى يحضروا ويستلموا المتهم، لكن ضابطاً أفادهم بأنه ليس بالقسم عناصر كافية ليرسلها معهم، وطلب منهم إحضار المتهم بأنفسهم، وبعدها رجعوا لموقع الحادثة واضطروا على إيصاله للقسم بأنفسهم، ليطلب منهم الضابط التوجه بالمتهم إلى المستشفى لعلاجه أولاً قبل أن يستلمه منهم أو يدون بلاغاً، حيث كان قد أصيب أثناء محاولته الهرب، ولم يرسل الضابط معهم شرطياً كحرس للمتهم، وتوجهوا به بمفردهم إلى المستشفى، وبعد علاجه الذي تكفلوا بتكاليفه أحضروه للقسم لتتم الإجراءات في مواجهته.
وبعد يومين دلّ المتهم على شريكه في الجريمة الذي قال إنه يسكن أمدرمان، وأجّر أصحاب البلاغ سيارة لتقل أفراد الشرطة المتابعين للبلاغ وبعد الوصول للمكان المعني لم يجدوا المتهم.
وأبدى مواطنون في المنطقة استغرابهم من عدم حضور قوة لاستلام المتهم واتخاذ إجراءات بمعاينة مسرح الجريمة، حيث تبلغ قيمة المسروقات حسب البلاغ قرابة (3) ملايين جنيه، وعدم تخصيص شرطي كحرس للمتهم عند الذهاب للمستشفى، بجانب مواجهة المواطنين للمخاطر التي قد تنجم جراء اقتياد المتهم للقسم ومن ثم للمستشفى وإعادته للقسم مرة أخرى، وإيجار أصحاب البلاغ لعربة بغرض متابعة المتهم الآخر للقبض عليه، دون أن تحرك الشرطة مركبة تخصها لتلك المهمة.
بلاغ آخر
وأفادت المتابعات أن المواطن (ص.ع) واجه اتهاماً في أحد البلاغات وتم القبض عليه يوم جمعة وإيداعه حراسة قسم الكلاكلة اللفة، ومن ثم انصرف المتحري بعد انتهاء خدمته حيث كان قد تحرى مع الشاكي، ولفت صاحب الإفادة إلى أن ذلك يعني بقاءه في الحراسة أيام الجمعة والسبت، وجزء من يوم الأحد حيث سيأتي المتحري، وبعد حضور أشخاص وطلبهم القيام بالتحري مع المتهم المعني، كان الرد بأن المتحري انصرف ولا توجد طريقة للتحري لأن الأوراق مغلقة في دُرجِه).
وأضاف أنه بعد ذلك تمكنوا من الاتصال بوكيل نيابة، وبعد سؤاله عن البلاغ أبلغه الضابط بأن المتحري انصرف لانتهاء خدمته في ذلك اليوم وأنه سيستغرق يومين ثم يأتي للمناوبة، وأن أوراق البلاغ في (درج) المتحري والمفتاح بحوزته، وأوضح أن وكيل النيابة طلب من الضابط كسر (الدرج) والتحري مع المتهم، وتم تنفيذ توجيه وكيل النيابة والتحري مع المتهم، وبعدها تمت كتابة بيانات الضامن وخروج المتهم، وأن تلك الإجراءات لم تستغرق (5) دقائق.