الحكم الفيدرالي في السودان.. تحديات التجربة ومطلوبات تحقيق الاستقرار
الخرطوم: عازة أبو عوف
كشفت ورشة تقييم مستويات الحكم الفيدرالي في السودان منذ العام ٢٠٠٥ وحتى العام ٢٠١٨م عن جملة التحديات التي واجهت فترة الحكم اللا مركزي في الفترة السابقة، ونتج عنها واقع وصفته بالمثقل بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والنزاعات التي ألقت بظلالها على مجمل الأوضاع حتى الوقت الراهن.
وأوضح تقرير التقييم الذي أعلنت عنه منظمة المنبر القانوني والمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية في ورشة بفندق قراند هوليداي فيلا أمس الثلاثاء، أن الأسباب التي أدت إلى الوضع الراهن تمثلت في غموض وتداخل السلطات والاختصاصات بين المستوى القومي والولائي والمحلي، مما أدى إلى التقاطعات والنزاعات.
ولفت التقرير إلى أن معايير إنشاء المحليات فضفاضة وغير دقيقة في معظم القوانين، وأن عدم الالتزام أدى إلى ترهلها وأصبحت تشكل أعباءً مالية إضافية على حساب الخدمات والتنمية، حيث ارتفع عدد المحليات من (٨٨) إلى (١٩٠) محلية في الفترة من ٢٠٠٣م وحتى ٢٠٠٥م.
تجاهل تكوين المجالس المحلية
ونبه التقرير إلى تجاهل تكوين المجالس المحلية وفق القوانين، وتسبب ذلك في أن تكون (١٢) ولاية دون مجلس محلي وأبرزها الخرطوم، وتم تعيين (٥) مجالس، وتم تكوين مجلس واحد فقط بالانتخاب في ولاية سنار.
وكشف ذات التقرير عن ترهل أجهزة ومؤسسات الحكم الاتحادي، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإدارة وضعف القوة العاملة في الولايات والمحليات، وكشف أن الولايات والمحليات تعاني عجزاً كبيراً في الكوادر الفنية مقارنة بولاية الخرطوم.
تجاوزات وتحديات
وأبان التقرير أن طبيعة العلاقة الهرمية الفوقية بين المركز والولايات أدت إلى ما وصفه بالاختلال المؤسسي، بجانب عدم تطبيق مبدأ الفصل في السلطات الثلاث وغياب الرقابة على التشريعات المنظمة للحكم الولائي، وأشار إلى بروز المحاصصات والموازنات السياسية والقبلية في التعيينات مما أدى إلى حدوث كثير من التجاوزات.
وكشف التقرير عن جملة من التحديات التي تواجه الحكم المحلي، أبرزها اختلال الهياكل الموروثة وتطابقها في كل الولايات رغم الفروقات، إضافة إلى ضعف البنية التحتية وهيمنة المركز.
وانتقد التقرير، منح القوانين للمجالس التشريعية في الولايات سلطة حل المجالس المحلية، مما أدى لانتقاص مبادئ اللا مركزية، ولفت إلى أن الحكم المحلي ركز السلطات الإدارية والمالية والسياسية في يد المعتمد، فيما أغفلت القوانين المحلية تحديد سلطات واضحة للمدير التنفيذي على الرغم من أنه القائد المهني المتخصص، ونوه إلى غياب آليات ضبط الشفافية والتوثيق والمحاسبة، بجانب الاختلاف والتباين حول مصادر الثروة وتغول المركز والولايات على سلطة المستوى المحلي.
وأرجع التقرير التحديات الخاصة بالفدرالية المالية في السودان إلى أن تجربة الحكم الفيدرالي ألقت على كاهل مستويات الحكم في الولايات والمحليات أعباءً كبيرة في مجال الخدمات والتنمية، دون أن يقابلها تخصيص موارد كافية.
صرف على حساب الخدمات
وانتقد تقرير التقييم الذي أعلنت عنه منظمة المنبر القانوني والمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية، المبالغة في الصرف على العمل السياسي والأمني على حساب الخدمات والتنمية داخل الولايات، بجانب تعدد آليات قسمة الموارد، حيث تم إنشاء عدة مفوضيات للبترول والأراضي، إضافة إلى مفوضية تخصيص الإيرادات المالية وصناديق التنمية والإعمار خاصة بالولايات الشمالية، ونبه إلى غياب الشفافية وعدم الالتزام بالمعايير في القسمة والتخصيص، وضعف وعدم فعالية مجالس قسمة الموارد بالولايات.
وذكر التقرير أن الطاولة المستديرة ناقشت هيكل الدولة وقسمة السلطة، وتوصلت إلى أن العوامل التي تؤثر في اختيار ونجاح شكل الحكم في أية دول تعتمد على طبيعة النظام الحاكم والأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، بجانب خصائص المجتمعات المحلية في الدولة، وشدد على ضرورة إعادة النظر في هيكل النظام الحالي وإعادة صياغته بما يتماشى مع ظروف المرحلة ومآلات المستقبل، إضافة إلى ضرورة المراجعة والإصلاح الهيكلي.
كما أكد التقرير ضرورة وجود خطاب سياسي يستقطب الدعم والسند لمشروع إعادة هيكلة الدولة لضمان الإدارة بأقل تكلفة وبكفاءة عالية، وأمّن على أهمية عدالة قسمة الموارد المالية بين مستويات الحكم وفق الاختصاصات المخولة لكل منها عبر آلية مستقلة ذات حاكمية دستورية وقانون خاص بها.
توصيات
وخلص التقييم إلى عدد من التوصيات في المحور الدستوري لهياكل الحكم الفيدرالي، وتمسك بأن يكون هناك دستور قومي متفق عليه يحدد مستويات الحكم الفيدرالي ويتضمن المهام والاختصاصات والموارد المالية وآلية تخصيصها وقسمتها ووضع قيود على التقاطعات والتداخلات بين مستويات الحكم والمتابعة وآليات الرقابة، وأشار إلى أهمية الالتزام بمبادئ تخويل السلطات، ووضع هياكل حكم متوازية مستندة إلى الدستور يجيزها البرلمان الانتقالي المقبل.
تعديل الوثيقة الدستورية
ونوه التقييم إلى ضرورة الالتزام بما نصت عليه المادة (٧٨) من الوثيقة المتعلقة بعدم جواز تعديل أو إلغاء أيٍّ من أحكام الوثيقة الدستورية، إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي، وطالب بتعديل الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية ٢٠١٩م، حتى ترتقي لإدارة الوضع القانوني بصورة محكمة لتنظيم الأقاليم وهياكلها وسلطاتها ومواردها وعلاقاتها.