تهديد بفحص (العذرية) و(حلاقة الشعر).. الشرطة والانتهاكات ضد النساء في ميدان الثورة
الخرطوم: هيام تاج السر
(شعرك طويل ولا قصير؟)، (حأحلق ليك وأمشي شوفي محل قص علاجي في جبرة)، وبطريقة مستفزة أخرج من جيبه (200) جنيه وأمر عسكرياً آخر (أمشي جيب لي أربعة أمواس جديدة)، (لو فحصنا ليكم ما بنلقاكم بنات)!!، هذه الإفادات وردت ضمن قصة (داليا) أزهري الحاج، عندما تم اعتقالها في خواتيم مايو الماضي برفقة شقيقتها ووالدها الناشط في مجال حقوق الإنسان، المنسق العام السابق لشبكة حقوق الإنسان والعون القانوني، وهي تروي الانتهاكات التي تعرضت لها من قبل منسوبين للشرطة.
وتحكي داليا خريجة الهندسة الطبية، عن الأحداث التي شهدتها منطقة الكلاكلة اللفة بمحلية جبل أولياء بولاية الخرطوم في (28) مايو المنصرم، وتناولت ما وصفته بالعنف المفرط بإطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع (5) ساعات متواصلة منذ الثانية ظهراً وحتى السابعة مساءً.
وكان ذلك اليوم قد شهد تداولاً على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي لصور وفيديوهات لعدد من منسوبي الشرطة وهم بالزيين المدني والرسمي، وسط اتهامات لبعضهم بارتكاب انتهاكات خلال ذلك اليوم، الذي تم تسيير موكب فيه رفضاً لانقلاب (25) أكتوبر والانتهاكات التي تطال المحتجين السلميين، حيث اشتبه في تصوير تلك الصور من منزل أسرة داليا القريب من منطقة الأحداث (الكلاكلة اللفة).
قصتهم مع الشرطة
وبدأت القصة تجاه (داليا) وأسرتها في منزلهم صباح اليوم الثاني للموكب الموافق (29) مايو عند الحادية عشرة صباحاً بوصول قوة شرطية مكونة من (6) أفراد مسلحين ومعهم (سيطان)، بقيادة ضابط وأشارت داليا، إلى أنها تأخرت في الخروج لأنها كانت تبحث عن أدوية الضغط التي تخصها، حيث هددت القوة باقتحام المنزل حال عدم إسراعها في الخروج.
وأوضحت داليا، أنه بعد خروجها تم اقتيادها برفقة والدها وشقيقتها (فال)، بجانب عاملات في مطعم في ذات العمارة التي تسكنها وأسرتها، سيراً على الأقدام وأمام الجميع وسط إحاطة بشرطيين، بتهمة ادخال مواطنين لمنزلهم عقب إطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع خوفاً عليهم من الرصاص، واشتباه في القيام بالتصوير.
الوصول لقسم الشرطة
وأضافت: وصلنا قسم شرطة الكلاكلة اللفة وتم إجلاسنا على الأرض، وحاول أحدهم إجلاس والدي على كرسي فتم الرفض من آخر، وتم توجيه إساءات إلينا بألفاظ نابية وبعدها تم أخذ بياناتنا ومنها لم أر والدي.
حرب نفسية
وتواصل داليا، في سرد ما واجههم داخل القسم بقولها: بعد أن أصبحنا أنا وشقيقتي و(العاملات بالمطعم) بدأ الضابط في تهديدنا من جديد بأنه سيخضعنا لكشف طبي، وقال (بعد الكشف الطبي ما حتطلعوا بنات وبجهجهكم)، وبعدها أدخلونا لضابطة شرطة وبدورها شرعت في حرب نفسية ضدنا، وقالت: (اعترفوا وطلعوا الزول الصوّر)، وبدأت في اخافتنا بقولها (الحَراسة دي كعبة شديد، وأنا ما بضمن حيودوكم وين وحيحصل ليكم شنو؟)، ويبدو أنها كانت تعرف أنني مريضة بالضغط لأنها رددت القول: (في زول هنا مات بالضغط لأنو ما أدوهو حبوب)، وبدأت في تفتيش التلفونات وسلمتها لضابط آخر، وواصلت ضغطها النفسي علينا بأن العقوبة تصل السجن (6) سنوات والجلد وغرامة مالية، وجاءت قانونية أخرى وكررت لنا ذات نوع العقوبة.
ولفتت داليا، إلى استجوابهم في مكتب وجاء الضابط الذي كان برفقة القوة ووجه حديثه لي ولشقيقتي وقال: (نحن عاملين الهيلمانة دي كلها عشانكم وانتو الاتنين التصوير ما فايتكم وأنا عارفكم من زمان وعندي تقارير عنكم لكن ما سألتكم، إنتو ليه بتسألونا)، ورفع ورقتين وواصل: (دي كلها معلوماتكم).
وأبانت داليا، أنها أفادت خلال الاستجواب بأن (العاملات في المطعم دخلن منزلنا خوفاً من الرصاص والغاز المسيل للدموع وكنّ داخل الغرفة والأفضل أن تفرجوا عنهن)، فقالت من تستجوبنا (حإعتبر دي شهادة وحأطلعهم)، ووقتها رد الضابط: نحن أصلاً ما عاوزنهم عاوزنكم انتو)، في إشارة لي وشقيقتي ووالدي.
يذكر أنه لم يتم العثور على أية صور في هواتف (داليا وفال) ووالدهم، وتم إرجاع الهواتف وفتح بلاغ في مواجهتهما تحت المادة (77) من القانون الجنائي المتعلقة بالإزعاج العام.
وأبانت داليا أزهري الحاج، أنه تم تحويلها إلى الحراسة بقسم الكلاكلة اللفة، ووصفت الحراسة بالسيئة حيث يوجد حمّام مياهه طافحة ورائحته كريهة، وأشارت إلى أنه قبل الدخول لحراسة النساء لابد من المرور بحراسة الأطفال التي بها أطفال بين عمر (6 – 12) سنة.
وزادت: رغم الظلم والانتهاك الذي حدث لي ولأسرتي إلا أني كنت متماسكة لأن أعلم أني لم أخطئ، ووجدت في الحراسة نحو (15) امرأة، بينهن من بصحبتها أطفال وإحدى النساء الموجودات وضعت طفلها في وقت قريب (نفثاء)، ومنهن مقبوضات على ذمة قضايا (شيكات، اتهام سرقة) وغيرها، فيما لا توجد متهمات من الثائرات المشاركات في الاحتجاج، ولفتت إلى أنه تم إحضار دواء الضغط الخاص بها وهي في الحراسة.
وواصلت داليا: عندما دخل الليل تمت مناداة شقيقتي بصورة مستفزة بقصد تخويفنا حيث صاح أحد الشرطيين بصوت جهور: (فال أزهري الحاج من غير اختها)، ولم أرها بعد ذلك إلا عقب الإفراج عنا، حيث كان قد تم ترحيلها لقسم الأزهري غرب وقد عرفت ذلك مؤخراً، وأنا تم ترحيلي لقسم الأزهري شرق.
قسوة
وعن طريقة التحويل من قسم اللفة أوضحت داليا، أن ذلك تم وسط قوة كبيرة أكثر من (70) من منسوبي الشرطة وهم يحملون أسلحتهم وتم ترحيلي وعدد من الثوار، ووصفت مرحلة الترحيل بالقاسية: وأردفت: بعد أن صعد الثوار المقبوضين على خلفية ذلك الحراك لـ (التاتشر) طلب مني الصعود، وفتح أحد منسوبي الشرطة الباب الخلفي ومد آخر يده لمساعدتي على الصعود وكنت بنت واحدة وحوالي (7) ثوار، جلست آخر واحدة ومعنا “8” شرطيين وكانوا يضربون المقبوضين بوحشية.
وأفادت داليا (مدنية نيوز) أمس الأول، أن العربة توقفت بالقرب من قسم الكلاكلة شرق حيث خرج أحد منسوبي الشرطة وخاطبنا: (نحن لو عايزين نغتصبكم بنغتصبكم)، وكان أثناء حديثه يضرب الثوار، وعندما انتبه لوجودي قال لي: (إنت الجابك شنو؟)، جاوبت بأني أدخلت متظاهرين في منزلنا، فسألني عن بياناتي وبعدها تحركت العربة ووصلنا قسم شرطة.
انتهاكات
ونوهت داليا، إلى أنها علمت لاحقاً أن ذلك القسم هو قسم الأزهري شرق، وقالت: تم إجلاسنا على الأرض بوضعية مذلة وبعدها تمت مناداتي باسمي وأخذ أحدهم بياناتي وسألني ماذا فعلتِ؟، وهنا تدخل آخر بسؤال غريب: شعرك طويل ولا قصير؟، وكرر لي نفس السؤال وعندما لم أجبه، تقدم بخيارات: (شعرك جنب أضانك؟، في رقبتك؟، ولا في ضهرك؟) وعندما لم أجب صاح: (إنت بكماء؟) فكان ردي عليه أني لست بكماء لكني لا أرد على أي سؤال، وهنا هددني بقوله: (حأحلق ليك وأمشي شوفي ليك محل قص علاجي في جبرة)، وبطريقة مستفزة أخرج من جيبه (200) جنيه وأمر أحد الشرطيين (أمشي جيب لي أربعة أمواس جديدة)، وبالفعل تم إحضار الأمواس.
ورددت: بعد الحديث عن حلاقة الشعر تدخل أحد الضباط وقال لي (يا بتنا خارجي روحك)، وهنا ظننت أنه أطلق سراحي، وعندما هممت بالخروج والتوجه نحو الباب، قال لي: (تعالي هنا ماشة وين؟، أدخلي الحراسة)، وسألني قريتي شنو؟، أجبت بأني خريجة هندسة طبية، فقال لزميله بإيماء (هندسة طبية عجبتني شديد) وواصل: (قريتو تخصصات زي دي بتطلعوا مظاهرات ليه؟).
ووصفت داليا، حراسة قسم الأزهري شرق، بأنها أفضل حالاً من حراسة قسم اللفة، وبها حوالي (8) نساء (عاملنني معاملة جيدة وقدمن لي وجبة العشاء).
ومضت في حديثها عن أحداث اليوم التالي في حراسة قسم الأزهري شرق: (في الصباح قمنا بنظافة الحراسة وشربنا الشاي وتناولنا وجبة الفطور، ولكن تم ضرب الثوار ضرباً مبرحاً، وحضر محامون وعند سؤالهم عني أجابوهم بأنه لا توجد نزيلة باسم داليا).
وزادت: كانت حراسة الرجال مزدحمة لدرجة أن بعضهم يقفون على أرجلهم، كما أنه ليست هناك خصوصية حيث يوجد شباك بين حراستي الرجال والنساء.
حضور وكيل النيابة
وذكرت داليا أزهري الحاج، أنه في حوالي الساعة (2) ظهراً حضر أحدهم وعرف نفسه بأنه وكيل نيابة ووجه بإطلاق سراح الثوار وطلب مني الجلوس في المقعد، وأن أنتظر في مكتب الضابط، كما أن وكيل النيابة وجه بترحيلنا لقسم الكلاكلة باعتباره مكان الاختصاص. وسمعنا أنهم لا يستطيعون ترحيلنا إلا بوجود قوة مع العربة (التاتشر) بغرض الحِراسة. وبعدها علمنا أن هناك احتجاجات في الكلاكلة اللفة، وتم إخبارنا بأن إجراءات الضمانة توقفت بسبب الاستعداد في ذلك القسم، ليتم إبقاؤنا حتى صلاة العشاء ومن ثم إطلاق سراحنا.
استهداف
وروت داليا، ما ظل يحدث تجاههم عقب ذلك الموكب والأحداث التي شهدها، والمتمثل في استهداف منزلهم بإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة خلال العديد من المواكب التي يتم تسييرها وظلت متواصلة عقب (28) مايو الماضي، مما سبب لهم أضراراً.