من غيرنا يُعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصرْ
بقلم: حسين سعد
يخرج السودانيين يوم الخميس القادم مرة أخرى للشوارع لإحياء الذكرى الرابعة لمليونية الثلاثين من يونيو المجيدة، تلك المليونية التي هزت عرش الطغاة، والتي استعاد بها الشعب هويته وصوب بها مساره ليثبت للعالم أجمع أن إرادته لا يمكن كسرها أو كبحها، وأن عزيمته راسخة لتحقيق تطلعاته المشروعة في حياة أفضل ومستقبل مُشرق لأبنائه وبناته الذين خرجوا للشوارع وحيث صحت نبوة شاعرنا محجوب شريف بقوله.. تطلع من شقوق الارض الاف المدن قامات ويطلع حتى من قلب الحجر والصي شجر متشابك الهامات وجيلاً جاي، حلو الشهد صبايا وفتيه يمرحوا في صباح الغد، عيونهم برقهم لماح سؤالهم رد خفاف ولطاف وثابين اوان الجد دفاعا عن حياض السلم والافصاح.
طريق الثورة..
سنخرج للشوارع يوم الخميس ونحن نردد مع الشاعر هاشم صديق..
لما لليل الظالم طول وفجر النور من عينا اتحول.. قلنا نعيد الماضي الأول
ماضي جدودنا الهزموا الباغي وهدوا قلاع الظلم الطاغي
وفي ليلة وكنا حشود بتصارع عهد الظلم الشب حواجز شب موانع
جانا هتاف من عند الشارع.. قسما قسما لن ننهار طريق الثورة هدى الأحرار
والشارع ثار.. وغضب الأمة اتمدد نار والكل يا وطني حشود ثوار
سنخرج للشوارع..
لقد جسدت ثورة ديسمبر معان وقيماً عديدة أهمها إصرار الشعب و(الشفاتا والكنداكات) على تحقيق أهدافهم وغاياتهم، وصون عزة شعبنا الجسور وكرامته، وقدرته على تجاوز ما يتعرض له من تحديات وصعوبات ما كان من الممكن التغلب عليها إلا بوحدة الشعب، واصطفافه خلف لجان المقاومة وتروسها الذين مهروا ثورتنا الظافرة بدمائهم، حيث بلغ عدد الشهداء عقب الانقلاب (104) شهداء، نتمنى لهم الرحمة والمغفرة وعاجل الشفاء لنحو (4700) من الجرحى و المصابين، وعودة ظافرة للمفقودين، وأستبق الثوار مليونية 30 يونيو، مواكب بالاحياء والمحطات الرئيسية أطلق عليها (غنجات) ويتمسك الثوار باللاءات الثلاثة (لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية) وهم يرددوا عاليا (ها مرة أخرى سنخرج للشوارع شاهرين هتافنا ولسوف تلقانا الشوارع بالبسالات) دخل الانقلاب شهره التاسع، وبالرغم من العنف المفرط والغاز المسيل للدموع والرصاص الحي (ما زال الشارع حي) يضج بالثوار وهتافاتهم العالية، لقد أكدت ثورة ديسمبر عدم إمكانية فرض الأمر الواقع على الشعب المعلم الذي وصفه شاعره الراحل محجوب شريف (وحياة الشعب السوداني في وش المدفع تلقاني قدام السونكي حتلقاني، وأنا بهتف تحت السكين والثورة طريقي وأيامي معدودة وتحيا الحرية) إرادة الشعب أصبحت هي القوة المحركة التي تحدد مصير الوطن، لقد حملت الثورة معان وقيما نبيلة نهتدي بها وتحكم عملنا الوطني.
شهدؤانا ما ماتوا عايشيين مع الثوار..
سنظل دوما نذكر شهداءنا ومصابينا، ولن ننسى تضحياتهم، ولن نتخلى عن أسرهم وسنعمل دوما معا من أجل توفير حياة أفضل لأبنائهم، لنؤكد أن دماءهم لن تذهب هباء، وإنني أدعو الله أن يتغمدهم بواسع رحمته وأن ينعم على المصابين بالشفاء العاجل، لقد مثلت الثورة نقطة تحول رئيسية في تاريخ بلادنا المعاصر، وجاءت تعبيرا عن آمال وطموحات شعبنا في بناء سودان جديد، وكانت نموذجا للسعي نحو حياة أفضل عبر مسيرة طويلة من العمل والنضال الوطني.. حمل رايتها (شفاتا وكنداكات) أوفياء، سطروا أسماءهم بحروف من نور في سجل تاريخ السودان.. وسـنـظل أوفياء لهم، نذكر أعمالهم الخالدة التي قدموها من أجل الوطن، ونجدد عهدنا بأن نستكمل مسيرتهم.. نتحمل أمانة المسؤولية ونكمل السعي نحو غد أفضل ومستقبل أكثر إشراقا للسودان وشعبه، ونقول لهم كما قال شهيدنا الريح.. (لا أستطيع التراجع، لقد كان ولا زال ثمن هذه الرحلة عمري وأعلموا يا ثوار العالم أننا ما زلنا صامدين وما زلنا منتصرين).
لن نستلق أثناء المعركة
واليوم نحن اذ نستقبل العام الجديد نقف إجلالا وإكراما، للشهداء وبالرغم من الحزن الدفين المسيطر على نفوسنا جراء فراقهم، ومغادرتهم الجسدية لنا، لكننا سنبقى فخورين بشجاعتكم، وبما قدمتموه للشعب السوداني المعلم من مآثر الشهامة والجسارة والعطاء الوطني الصادق، ففي شجاعتكم فخر لا يضاهيه فخر، لذلك ظل الثوار يهتفوا عاليا (شهداءنا ما ماتوا عايشين مع الثوار) ونحن اذ نترحم على أرواح الشهداء الأبرار، نجدد العهد على أرواحهم الزكية بمواصلة الطريق الذي شقوه بدمائهم، بجراحهم ونضالهم، ونقول للشهداء ونقول وبالصوت العالي (نحن على الدرب ماضون سوف نفي بوعدنا، من أجل مواصلة النضال لبناء سودان جديد) إن التاريخ يسجل إلى الأبد نضالات الشهداء، ونحن اليوم اذ نواصل النضال يجب ان نتذكر دوما وصية شهيدنا عظمة (لقد تعبنا ياصديقي لكننا لن نستلق أثناء المعركة) هذه الوصية أمانة، وهي تاريخ متجدد يجب ان تستنهض الهمم والإرادة الجسورة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، والمضي قدما على درب النضال، واليوم وغدا نحن بحاجة الى الاقتداء بسيرة الشهداء في اقتحام التحديات والاستعانة بمناقبهم، وتحقيق تطلعات الشعب السوداني، وهذه في تقديري دلالة للوفاء والاخلاص للشهداء، وإنني على يقين بأن الشعب السوداني يقف اليوم بكل فخر واعتزاز وبكل ثقة وإيمان واطمئنان لاستكمال الثورة، إنه (شعب معلم) يرتكز على إرثه العظيم الخالد الممتد الى أعماق التاريخ، إنه شعب عظيم مقاتل وصبور علمه التاريخ بالاضافة الى سجاياه وخصائصه الخاصة، علمه تحمل الآلام والمعاناة، مسددا فاتورة عالية من التضحيات بالدماء والدموع ما جعل ثورتنا المجيدة ترتقي متفردة في ثورات الشعوب من أجل الحرية والكرامة،حيث خاض شعبنا الأعزل الذي تسلح فقط (بإيمانه القوي) ونحن اذ نتذكر تلك الأيام الخالدات نقف وقفة مع الذات من أجل الحفاظ علي تلك الذاكرة حية،ونحني هاماتنا إجلالا لأرواح الشهداء الطاهرة ونسترشد بتضحياتهم الجسيمة، حيث أعادت أرواح الشهداء عاطفة المحبة والوجدان المشترك بيننا كسودانيين،نعم هناك حزن ، وأيضا هناك روح لا تموت وعيون تذرف الدموع، وقلوب تخفق بالحب وبالشوق لهؤلاء الأحبة الذين غادرونا، هؤلاء أيضاً ثروة ثقافية وفكرية لنا، اذا قراءنا وصاياهم، اعلاه كتبنا ما قاله الشهيد عظمة وايضا هناك الشهيد عبد الرحمن بقوله(انتو أشتغلوا شغلكم ونحن بنشتغل شغلنا) وفي مقابلة صحفية لي مع الشاعر عاصم الحزين كشف لي عن مشروع مستقبلي يخطط لتنفيذ بأسم ذاكرة شهيد في هذه المساحة نتقدم الي الشاعر عاصم الحزين بالشكر والتقدير لمبادرته كما نحي الهامات الي أسر الشهداء لصبرهم النبيل وللامانة والتاريخ ، لقد علمتنا تلك الأسر الشجاعة الثبات العظيم ،لذلك نقول لهم كما قال الشاعر الراحل علي عبد القيوم (أي المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها ..نحن رفاق الشهداء نابيع الثورة والداً وولداً نبايع السودان منبعا ومورداً)
نحن في الشدة بأس يتجلي..
أيام قاسية من حياة السودانيين، مرت وما يزال السودانيين يتطلعون الى مجدهم القادم وحريتهم المضرجة باغلى ما يملكون واثقين في ذات الوقت من ان جلاء الانقلابيين والطغاة لن يتحقق الا بارادة قوية لا تلين وإصرار لا يتزحزح، تضحيات الثوار تتسابق من أجل لفداء السودان بالدم والروح ورسم المستقبل القادم ،ونحن في الختام نعيد الي ذاكرة شعبنا كلمات شاعرنا محمد المكي ابراهيم .. من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصرْ.. من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدةَ والسيرْ..من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياةِ القادمةْ..جيل العطاءِ المستجيش ضراوة ومصادمةْ المستميتِ على المبادئ.
أخيرا.. يوم 30 أبقوا الصمود ودعونا نردد مع المحجوب شريف.. جيناك مرفوعي الرؤس.. أفتح زنازينك أهو بنفتح صدورا ما بتكوس الرحمة تب. .ما فينا عرقافيه سوس بل فينا عرقا من جذور الشعب عشقا لا يداس.