الخميس, نوفمبر 21, 2024
تقاريرسياسةمجتمع

مؤسسة الشرطة.. الواقع والإصلاح المطلوب

الخرطوم: ھانم آدم

مقطع فیدیو تم تداولھ عبر مواقع التواصل الإجتماعي خلال الفترة السابقة یظھر شرطیاً وھو یطلق النار على أحد المتظاھرین في شارع الستین بالعاصمة الخرطوم، مما أدى إلى سقوطھ على الأرض الأمر الذي وجد استھجاناً ورفضاً من الجمیع وحتى إدارة الشرطة سارعت بإصدار بیان ذكرت فیھ أنھا أصدرت تعلیمات واضحة بعدم تسلیح أیة قوات تتعامل مع المتظاھرین بسلاح ناري في المواقع الفاصلة، وعدم السماح بخروج أي شرطي مسلح بسلاح ناري خارج دور الشرطة وللدفاع عن الموقع فقط، وذكرت أن المقطع المتداول (یؤكد أن ھناك مخالفة للتعلیمات وتصرف یشكل جریمة، ولا نقبلھ من منسوبینا في كافة المستویات).

الفیدیو المعني وغیره من الممارسات لمنسوبین للشرطة فتحوا الباب واسعاً لجملة من الانتقادات وكشفت حقائق كانت مستورة للمؤسسة الشرطیة، فأین یكمن الخلل؟، وما ھي أوجھ القصور في تأھیل الشرطي، وما مدى إلمامھ بالقوانین؟، وماھو الواقع الحالي؟، وما الرؤیة المطلوبة للإصلاح؟، وما تأثیر استغلال الحصانات للإفلات من العقاب؟.

إنھاك الشرطة

ویعتبر العمید شرطة (م) والمحامي أمام كافة المحاكم عبد الشكور حسن أحمد، مؤسسة الشرطة السودانیة من أعرق وأقوى المؤسسات الشرطیة في أفریقیا. ویشیر إلى أن معظم مؤسسات الشرطة الإقلیمیة والعربیة انھارت عكس السودانیة التي ظلت قویة.

ویقر عبد الشكور، بأن مؤسسة الشرطة السودانیة أصابھا الإنھاك خلال الخمس سنوات الإخیرة بسبب المظاھرات والمشاركة في عملیات بولایات دارفور وغیرھا، إضافة لعملیات الإحلال والإبدال لقادة وضباط الشرطة والتي بدورھا أدت لمشاكل عدیدة، بجانب إحالة عدد من الكوادر الجیدة مما أدى لتفاقم الأزمة، بالإضافة إلى المشاكل المادیة ومثل لذلك بأن ولایة الخرطوم لدیھا (600 (عربة تالفة وتحتاج لتجدید الآلیات، وانتھاء فترة صلاحیة معظم أدواتھم المكتبیة من (ترابیز ومساند..إلخ).

كما نوه عبد الشكور، إلى المشاكل المعنویة ومشاكل البنیة التحتیة وغیرھا مثل المشاكل الخاصة بتساقط القوى، وتخلي الشباب عن العمل بالشرطة إما بسبب الاستقالات نتیجة للظروف الاقتصادیة، أو السیاسات السیئة للضباط السابقیین للشرطة، وقال: معظم الذین تركوا الشرطة ونحن من ضمنھم نتیجة لتعامل إدارات سابقة بالشرطة، وھي إدارات غیر منضبطة خاصة في فترة ما بعد الثورة، فقد كانوا یھددون الضباط بالنقل والجزاء وبأشیاء كثیرة جداً الأمر الذي جعل الكثیر من العناصر الشرطیة تغادر العمل حفاظاً على عزتھم وكرامتھم.

وأضاف العمید شرطة (م) والمحامي عبد الشكور: أیضاً تساقط القوى نتیجة لتعامل الجمھور تجاه الشرطة، وأثر الاحتقان على الأداء الوظیفي، بجانب التغییر الذي حدث في الأدب والفن وحتى الأغاني صارت موجھة تجاه البولیس (بولیس جرا) وغیرھا من الصفات السلبیة مما یؤثر نفسیاً. وأردف: في الآخر فإن الشرطي بشر، وإضافة لذلك فالإعلام لھ دور ودائماً ما یقوم بنشر الأشیاء السالبة، ولو أنھ كان یساھم في رفع معنویات القوات لظلت ھذه القوات جنباً إلى جنب مع الجمھور.

وأعرب عبد الشكور، عن أملھ في أن یتم كسر الحاجز ما بین الشرطة والجمھور، وترحم على شھداء الثورة، وتمنى الشفاء للجرحى والمصابین والعودة للمفقودین.

تشخیص

وزاد العمید شرطة (م) والمحامي عبد الشكور: من المشاكل التي تواجھ الشرطة وتؤثر على أداء مھامھا أیضاً مشاكل تكنلوجیة وإلكترونیة خاصة في الشبكات والاتصالات الخارجیة والربط بین الأقالیم، بجانب ذلك فإن الشرطة كادت أن تفقد إحدى الإدارات الكبیرة وھي (إدارة طیران الشرطة) وھي حالیاً شبھ منھارة، فقد كانت تتدخل في عملیات الشرطة، وأیضاً إدارة النجدة تعاني من وجود مشاكل في أسطولھا وتحتاج للصیانة الدوریة خاصة وأن ھذه الآلیات أنھكت جراء المظاھرات الیومیة.

ورأى عبد الشكور، أن ھناك خللاً یتمثل في مدراء سابقین بالشرطة ووزراء سابقین بالداخلیة لتقاعسھم عن تسویر أماكن البولیس، و(ھذه واحدة من الأسباب التي تؤدي إلى ظھور متفلتین وبعض ھؤلاء المتفلتین یدخلون ضمن مظاھرات الثوار ویقومون بأعمال تخریب، ولفت إلى ما حدث من حرق لأقسام منھا (التكامل، الصافیة)، ونبھ في الوقت ذاتھ إلى فقدان عناصر شرطیة في أحداث سابقة، وقال: ھذه أخطاء قاتلة من الشرطة لجھة أنھا لا تحمي نفسھا، وردد: یفترض علیھا أن تسور الأقسام بصورة نموذجیة مثل أقسام الشرطة في دول الجوار، وأن تستعین بأبراج وكامیرات مراقبة، والملاحظ أن الشرطة لیست لدیھا كامیرات في معظم أقسامھا.

التدریب

وأشار العمید شرطة (م) والمحامي عبد الشكور، إلى الحاجة لكسر حاجز استخدام الذخیرة لدى الضباط والأفراد لصالح ثباتھم وتجاوز الھاجس، بإمكانیة ضرب النار الأسبوعي.

وأكد عبد الشكور، حوجة جنود الشرطة للتدریب العالي والمستمر في التعامل مع الجمھور، ونبھ إلى وجود شيء مفقود في العلاقة ما بین الطرفین، فضلاً عن وجود ھاجس بین الشرطة والمواطن، ولفت إلى أنھ في السابق كان یوجد تدریب خارجي یقدم للشرطي استفاد منھ الضباط كثیراً، وأكد الحوجة الحالیة للشرطي النموذجي وأن تكون الشرطة جسراً للعبور إلى بر الأمان والسلام بالنسبة للجمھور.

الضعف المادي

وتطرق عبد الشكور، لضعف الجانب المادي للشرطیین وعدم امتلاك معظمھم لمركبات أو منازل، مع التنبیھ لأن الخدمة تستمر لفترة طویلة، ونوه إلى وجود معاناة وتساقط للقوى، (فأصبح الفرد وحسب القانون ملزماً بالعمل 24 ساعة وھذا یجعل الفرد یشعر بالملل)، وقال: (كما أن ھناك جھات لیست لدیھا تأمین مثل أفراد المرور، ویفترض أن یتم توفیره حتى لا تضار أسرة شرطي المرور إذا حدث لھ مكروه أو تقاعد).

ونبھ عبد الشكور، لانقطاع الإرث ما بین صغار وكبار الضباط، وأفاد: في السابق كان الضباط الصغار ینقلون من الكبار كل ما یفعلونھ حتى في طریقة اللبس والحدیث وغیره فكانوا ضباطاً عظماء.

وأكد العمید شرطة (م) والمحامي عبد الشكور، أھمیة وجود میزانیات محددة للكتب والفلاشات وبقیة الوسائل التعلیمیة داخل المؤسسة الشرطیة، حتى تكون الشرطة في حالة دراسة مستمرة للقانون، بجانب الدراسات النفسیة والاجتماعیة التي یمكن أن تساعدھم في التحري والتعامل مع المجتمع بكل ثقافاتھ.

تعیینات عشوائیة

ومن جانبھ لخص رقیب سابق بالشرطة – فضل حجب اسمھ- الخلل في مؤسسة الشرطة لما وصفھا بالتعیینات العشوائیة للأفراد داخل المؤسسة موخراً، وأوضح في إفادة لـ (مدنیة نیوز) أمس، أن التعیینات كانت تتم في السابق وفقاً للوائح وقوانین محددة یتم الالتزام بھا، و(لكن بسبب الاستقالات بأعداد كبیرة لمنسوبي ھذه المؤسسة، بجانب السفر للخارج لتحسین الأوضاع أصبح ھناك نقصاً في الأفراد ولإكمال ھذا النقص ولحوجة النظام السابق اضطر لتعیین أفراد دون تشدد لدرجة أن ھناك بعض الأفراد لا یجیدون القراءة أو الكتابة فیضطروا للبصمة لصرف مرتباتھم).

وقال: لذلك ھناك من انتموا للشرطة وھم في الأصل مجرمون، وھؤلاء أصبحوا یمارسون الإجرام وھم یعملون في الشرطة، واستشھد على ذلك بنھب واعتداء عناصر من الشرطة على ضابط یرتدي زیاً مدنیاً ویقود عربة تحمل لوحات شرطیة.

وتابع: مؤخراً حدث تذمر من بعض القادة نتیجة مثل ھذه التصرفات، وحتى التعینات التي تتم بتلك العشوائیة تسيء لسمعة الشرطة التي لھا تاریخ مشرف، وشدد على ضرورة المراجعة الشاملة والكاملة لكل المؤسسة الشرطیة وإعادة ھیبتھا مع ضرورة التدریب المستمر لمنسوبیھا.

قمع المواطنین

ومن جھتھ ذكر رئیس المحامین الدیمقراطیین، عبد المنعم محمد الأمین أنھ عند الحدیث عن الشرطة لابد من وجود دولة مدنیة وتحول دیمقراطي مدني، فالشرطة مرتبطة بحمایة المواطنین وبالتالي یفترض أن تتبع لمجلس الوزراء بحكم علاقتھا بالمواطنین ودورھا مدني ولیس كبقیة القوات، ومن ھنا تأتي مھام الشرطة (الشرطة في خدمة الشعب).

وأضاف: لكن في ظل وجود نظام دكتاتوري فھي تقوم بقمع المواطنین بدلاً عن خدمتھم، وبذلك صارت أداة قمع یستخدمھا المجلس العسكري، الأمر الذي ولد عداوة بینھا والمواطنین، واعتبر أن خطورة ھذا الأمر تتمثل في وجود حاجز بین الطرفین.

ترمیم العلاقة

وتابع: حتى نرمم ھذه العلاقة نجن بحوجة لورش عمل كثیرة وقوانین في الدولة المدنیة، وأشار إلى أھمیة تغییر كل ھذه الأدوار وذلك بإسقاط الانقلاب وتأسیس علاقة جدیدة بین الشرطة والمواطنین، وسن قوانین جدیدة من شأنھا إنزال العقاب بمرتكب الجریمة، ونبھ إلى وجود حصانات تحمي الشرطة حتى في حالة ارتكاب جریمة قتل ولا تتم مقاضاتھ، وتأسف على عدم تكوین جھاز أمن داخلي رغم إجازة القانون، و(لكن تمت محاربتھ في الفترة الانتقالیة على الرغم من أنھ لیس بدیلاً للشرطة).

ورأى عبد المنعم، أن المطلوب في المرحلة القادمة تأسیس علاقة جدیدة بین الشرطة والمواطن، ورفد قوات الشرطة بدماء جدیدة حتى وإن كانت من الثوار، وإعادة تأھیل قوات الشرطة لمعرفة علاقتھا بالمواطن، بجانب التأھیل النفسي، وذكر: (كل ھذا یتطلب وجود برنامج اجتماعي، سیاسي وقانوني متكامل).

تأثر الأداء

وفي السیاق أفاد الناطق الرسمي الأسبق باسم الشرطة الفریق شرطة السر أحمد عمر، أن الشرطة تعتبر جھازاً تنفیذیاً منوط بھ تنفیذ القانون نیابة عن المجتمع وبتفویض منھ، (لذلك فإن الأداء یتأثر بمدى فاعلیة القانون وتوافقھ مع مطلوبات ومعاییر المجتمع).

وقال الناطق الرسمي الأسبق: أما واقع الشرطة ووفق المعاییر العالمیة فإنھ یحتاج إلى كثیر من المطلوبات والإمكانیات البشریة واللوجستیة والفنیة التي تسھم في رفع كفاءة الشرطة وتسھل القیام بواجباتھا.

وتابع: لكن رغم ذلك نجد أن الشرطة السودانیة بحكم خبراتھا المتراكمة وتجاربھا الكثیرة فإنھا تقوم بواجباتھا بصورة ممتازة وكفاءة عالیة، وبالطبع فإن النقص العددي في الأفراد یشكل ھاجساً ومعوقاً كبیراً في كثیر من الأحیان، بجانب اخفاض فرص التدریب الخارجي ونقص المعینات كالمركبات والمعدات الفنیة وتساقط القوى لعدم تكافؤ دخل الفرد مع متطلبات عملھ الشاق التي تتطلب تفرغاً كاملاً.

العقیدة

وبدوره أرجع مصدر شرطي – فضل حجب اسمھ- الخلل في مؤسسة الشرطة لطبیعة العقیدة التي حكمت المؤسسة على امتداد أنظمة الحكم العسكري السوداني، باعتبارھا أداة للقمع من أجل حمایة النظام الحاكم، ورأى أن ذلك یؤدي لاتھامھا بالفساد وسوء الإدارة وارتكاب انتھاكات لحقوق وحریات المواطنین، الأمر الذي أدى لتردي الثقة بین جھاز الشرطة والشعب، وذلك وفقاً لمتابعة الرأي العام بصورة عامة.

خلل القوانین

وأفاد ذات المصدر بأن ھناك خللاً في القوانین (بمعنى الاصطدام بنصوص الحصانات التي تكرس لمبدأ الإفلات من العقاب باعتبار أنھا تعطي سلطة مطلقة لصاحب الحصانة في أنھ یمارس ھذه السلطة دون قیود)، وأردف: تحدیداً فیما یتعلق بالقوات النظامیة دائماً ما نصطدم بنصوص الحصانات لدى رجال الشرطة أو الأجھزة النظامیة الأخرى لأننا نجد تعقیدات كبیرة جداً في مسألة رفع الحصانة ولا یمكننا أن نمارس الإجراءات القانونیة الإ بعد أن ترفع حصانة الفرد المعني، وبالتالي فإنك تصطدم بالنص القانوني الذي یعزز سلطتھ وكثیراً ما نواجھ تعقیداً في مسألة رفع الحصانات وتعنت الجھة المانحة للحصانة في رفعھا، ولذلك دائماً ما نطالب بضرورة الإصلاح القانوني تمھیداً للإصلاح المؤسسي.

إصلاحات مطلوبة

ومضى ذات المصدر في إفادتھ: إذن فإن الخلل فكري عقائدي مع ربطھ بضعف التدریب، الأمر الذي یتطلب ضرورة الإصلاح في جھاز الشرطة وذلك بإعادة ھیكلة جھاز الشرطة بما یسمح بمزید من الاستقلالیة واللا مركزیة والمساءلة، إضافة إلى التنمیة الإداریة للمؤسسة حتى نضمن من خلالھا الارتقاء الوظیفي لمنسوبي الشرطة على أسس ومعاییر واضحة ترفع كفاءتھم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *