النساء الشرطيات.. كسر حاجز التنميط ومواجهة تحديات العمل
الخرطوم: عازة أبو عوف
تحفل الكثير من مؤسسات الدولة في السودان بالنساء العاملات في مختلف الوظائف، ويشمل ذلك الخدمتين المدنية والعسكرية، وهن قد أجدن ونافسن الرجال في كل المجالات ومن بينها العمل في مؤسسة الشرطة التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمواطنين، حتى صار وجود النساء الشرطيات لا غنى عنه، لكنهن نتيجة لذلك يواجهن الكثير من التحديات والعقبات والمشاكل المرتبطة بالعمل وقصور الدولة في التحسب والاستجابة لوضعهن الخاص كنساء.
وتتسبب هذه العقبات أحياناً في ابتعاد الكثيرات وبحثهن عن وظائف أخرى، أو البقاء وتحمل المعاناة استجابة لظروف الحياة والضغوط المعيشية.
بيئة غير ملائمة
تظل بيئة العمل الملائمة لعمل النساء حقاً أصيلاً يجب أن يتم ضمان تحقيقه، لكن معظم العاملات بالشرطة يعملن في ظروف غاية في الصعوبة نتيجة عدم توفر استراحات ودورات مياه خاصة بالنساء، بجانب ضعف الأجور وضغط العمل وبعض البيروقراطية الإدارية داخل هذه المؤسسة، ويعود ذلك حسب بعض الشرطيات في الأساس للتغييرات التي أدخلها النظام المخلوع (الانقاذ) طوال الثلاثين عاماً من حكمه، والتي وضعت الكثير من الحواجز والعقبات وعدم الاعتراف بالنساء ومقدراتهن في كثير من الوظائف داخل مؤسسات الدولة.
وأوضحت بعض الشرطيات أن هذه الحوائط بدأت تتهدم بسبب ثورة ديسمبر، وأصبح الطريق أكثر إضاءة في طريقهن قبل أن تعود العتمة نتيجة الأزمة السياسية الناتجة عن انقلاب (25) أكتوبر وعودة عناصر النظام المخلوع للسيطرة داخل المؤسسات المدنية والعسكرية.
وطبقاً لمصادر تحدثت لـ (مدنية نيوز) فإن هناك نحو (٣٠) شرطية بسجن كوبر القومي في مدينة الخرطوم بحري، وأبانت أنهن يعملن في بيئة غير ملائمة للنساء، حيث لا تتوفر لهن استراحات بالإضافة إلى عدم وجود دورات مياه مخصصة لهن.
وقالت مصادر من السجن إن دورات المياه الصالحة للاستخدام بالسجن تبلغ (٥) حمامات أحياناً يتم تخصيص واحد منها للنساء، ولكن مع ضغط الاستخدام تتعطل مما جعلهن يتقاسمن دورات المياه مع الرجال.
وأضافت ذات المصادر أن (٣٠) امرأة يعملن بالسجن في الإدارة وتفتيش الزائرات لا يجدن استراحة أو مصلى خاصاً بهن.
ضغوط
وكشفت المصادر أن هناك معاناة نتيجة العمل الضاغط، بالإضافة إلى تحديات أخرى تتمثل في ضعف الأجور وأنها على الرغم من الزيادات الأخيرة لا تتجاوز (٥٠) ألف جنيه للجنديّة، والتي لا تغطي التزاماتهن والتزامات أسرهن، حيث تتكفل بعض العاملات بالإنفاق على أسرهن، وتمضي المصادر للقول إن سجن كوبر يختلف عن بقية السجون الأخرى، باعتبار أنه أكثرها تأثراً بالتقلبات السياسية في البلاد، ويشهد في كثير من الأحيان وجود نزلاء مختلفين ما يجعل العمل فيه أكثر ضغطاً وصعوبة وتعقيداً أيضاً.
وأفادت إحدى الشرطيات بالسجل المدني أن ضغط العمل لا يتناسب مع الأجور، ولفتت إلى أن عملهن ينحصر في جمع أكبر عدد من الإحصاءات في أجهزة (كمبيوتر) مما يتطلب جهداً إضافياً، وذكرت أن الوجبة غير كافية ولا توجد استراحات مكتملة فهي عبارة عن مصلى.
وفي إفادة أخرى ذكرت شرطية بأحد السجون لـ (مدنية نيوز) أمس الأول، أن النساء العاملات في الشرطة داخل السجن يعملن في عدة مهام منها التفتيش وشؤون الضباط والخلوة الشرعية والإدارات المالية، وقالت إن دوامها ينتهي في الثانية ظهراً، وفي ردها حول كفاية الأجر قالت: (رغم قلته لكن ربنا ببارك فيه).
كسر التنميط
واقتحمت النساء العمل بشرطة المرور وظهرن وهن يمارسن عملهن في الشوارع وكسرن حاجز التنميط، حيث ارتبط ذلك النوع من العمل في ذهن المجتمع بالرجال فقط، وعلى الرغم من تحقيق نجاحات كبيرة من قبل النساء في العمل في التقاطعات والإشارات المرورية (الاستوبات) وإظهار قدر من الكفاءة، إلا أن عملهن يتم في ظروف غاية في التعقيد، حيث لا توجد استراحات غير عربات المرور التي تقف في الطريق العام، ويشير خبراء إلى أن النساء أثبتن قدرتهن على الدخول في كافة المجالات مما يعني أنهن كسرن القاعدة المتعارف عليها التي تقضي بأن يعملن في وظائف مكتبية.
ومن جانبه لفت المحامي عبد الفتاح الكنزي، إلى أن معظم النساء العاملات في الشرطة يعملن في المرور والسجل المدني، وذكر: (نادراً ما توجد نساء شرطيات في المحاكم والأقسام).
تمييز سلبي
ومن جهتها رسمت المدافعة عن حقوق الإنسان والناشطة في مبادرة (لا لقهر النساء) تهاني عباس، صورة قاتمة لأوضاع النساء العاملات في الشرطة، وقالت لـ (مدنية نيوز) إنهن يتعرضن للتمييز وعدم الترقي والإقصاء.
وأضافت: (كنا نأمل أن تتحسن أوضاعهن في الفترة الإنتقالية عقب ثورة ديسمبر)، وانتقدت التمييز السلبي الذي يمارس على الرتب العليا من النساء، والمتمثل في عدم تقديم التحية العسكرية لهن من الرجال الأقل منهن رتبة، مما دفع للنص على بند بدل تحية (نقداً) عوضاً عن حقهن المعنوي.
وفيما يختص بالترقيات رأت تهاني، أنه يتم التحايل على ذلك بإحالتهن للمعاش بعد وصولهن رتبة لواء (على الرغم من أن قانون الشرطة لا يفرق بين رجال ونساء إلا أنه عملياً يتم ذلك).
وتابعت: (هناك حالة واحدة تمت ترقيتها لرتبة فريق وهذه لأسباب سياسية كانت معروفة)، ولفتت إلى وجود ضعف في التدريب بجانب إقصاء النساء من السفر والابتعاث للخارج للعمل في الملحقيات العسكرية.
ووصفت تهاني، بيئة العمل بالمزرية، وشددت على أن أوضاع النساء أسوأ من أوضاع الرجال، حيث لا تتوفر لهن استراحات ولا توجد حضانات، بجانب ضعف أجورهن رغم أن عدداً كبيراً من الشرطيات هن العائلات لأسرهن.