أمريكا والقرن الإفريقي (25)
بقلم: حسين سعد
نتابع في المحور الأربعون زيارة تعتبر هي الأولى من نوعها لمسئوول أمريكي رفيع المستوى إلى أفريقيا منذ تولى جو بايدن الرئاسة في يناير 2021، حيث قام وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، بجولة شملت كلاً من كينيا ونيجيريا والسنغال خلال الفترة (17- 20) نوفمبر 2021، ناقش خلالها عدداً من القضايا محل الاهتمام الأمريكي-الأفريقي المشترك. وربما تكتسب الزيارة أهميتها في ضوء أنها كشفت في مضمونها عن ملامح السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا في عهد الرئيس بايدن.
وقد ركز بلينكن في جولته على العديد من القضايا، التي فرض البعض منها نفسه كالأزمتين الإثيوبية والسودانية نظراً لما تمثله الدولتان من أهمية استراتيجية للسياسة الأمريكية في منطقة شرق أفريقيا من جانب، وما تفرضه الأزمتان من تداعيات سلبية على أمن واستقرار المنطقة بشكل يهدد المصالح الاستراتيجية الأمريكية من جانب آخر.
مر السودان بمنعطف سياسي حرج، وذلك عقب القرارات التي اتخذها الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، والتي وصفها بأنها “تصحيح للمسار الانتقالي”. وقد دفع ذلك واشنطن لفرض مزيد من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية شملت تعليقها مساعدات مالية طارئة تبلغ قيمتها 700 مليون دولاروقيام السفيرة الأمريكية للشئون الأفريقية ومساعدة وزير الخارجية مولي في بزيارة إلى السودان تُعد هي الأولى من نوعها لمسئول أمريكي رفيع المستوى عقب الأحداث في 14 نوفمبر الجاري أجرت خلالها مباحثات مع المسئولين السودانيين حول آليات حلحلة الأزمة واستعادة الانتقال الديمقراطي، ثم تجديد بلينكن دعوته لإعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منصبه خلال زيارته لكينيا، مُشيراً إلى أن تقديم واشنطن المساعدات المالية للسودان مرهون بالتراجع عن قرارات 25 أكتوبر
عسكت جولة بلينكن الأولى لأفريقيا عدة دلالات، حملت العديد من الرسائل السياسية لدول القارة، وكذلك لبعض القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في علاقات متشابكة مع القارة وعلى رأسها الصين، كشفت في مجملها عن الحرص الأمريكي على استعادة أفريقيا مكانتها في السياسة الخارجية الأمريكية كشريك استراتيجي مهم وقوة جيوسياسية رئيسية، وذلك عبر مقاربة أمريكية جديدة نحو القارة، بعدما وصلت العلاقات الأمريكية- الأفريقية لأدنى مستوياتها خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
وتكمن أهمية نيروبي الاستراتيجية لواشنطن في عدة نقاط: أولها؛ أن نيروبي واحدة من ثلاثة دول أفريقية في مجلس الأمن الدولي، وبالتالي اكتساب واشنطن صوت أفريقي داعم لمواقفها في المنبر الأممي، ومنه إلى ساحة شرق أفريقيا. وثانيها؛ ما يُبذله الرئيس الكيني من جهود لوقف القتال في إثيوبيا، كان آخرها زيارته لأديس أبابا في 14 نوفمبر- أي قبل أيام من زيارة بلينكن- حيث أن واشنطن في حاجة لقراءة مواقف أطراف الأزمة الإثيوبية عن قرب، وتقييم الوضع الميداني للصراع وتداعياته الإقليمية في ظل توتر العلاقات الأمريكية- الإثيوبية، لذا كان من المهم لواشنطن التشاور والتنسيق مع كينيا التي تمتلك حدوداً مشتركة مع إثيوبيا. وثالثها؛ الدور الكيني في مكافحة الإرهاب وطبيعة الوضع الأمني في الصومال؛ حيث أن واشنطن في حاجة لتقييم الوضع الأمني في الصومال لكي تتمكن الإدارة الأمريكية من حسم موقفها من إعادة إرسال القوات الأمريكية البالغ عددها 700 جندي إلى الصومال بعد انسحابها في يناير 2021 وهو ما لا يُمكن إتمامه بدون التنسيق والتشاور مع جارتها كينيا. بالإضافة إلى الدور الكيني في مكافحة الإرهاب وضرورة تعزيز التعاون والتنسيق الأمني والعسكري الكيني الأمريكي لمكافحة الإرهاب؛ فلا تزال حادثة مقتل ثلاثة أمريكيين بينهم جندي في هجوم على قاعدة ماندا باي العسكرية في شمال شرق كينيا بالقرب من الحدود مع الصومال في العام 2020، عالقة في الذهن الأمريكي. لذا تحرص واشنطن ونيروبي على الاستعداد جيداً لأي هجوم ارهابي مماثل في ظل تصاعد حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في الصومال.
أما بالنسبة لنيجيريا، فتكمن أهميتها الاستراتيجية لواشنطن في عدة نقاط: أولها؛ أن الاقتصاد النيجيري يُمثل ثانى أكبر اقتصاد بعد جنوب أفريقيا ويمتلك ثامن أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم بحوالي 37 مليار برميل، وتاسع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي بحوالي 5.2 تريليون متر مكعب وبالتالي تُعد شريكاً اقتصادياً وتجارياً مهم لواشنطن. وثانيها؛ أن نيجيريا تعد أكبر دول أفريقيا من حيث التعداد السكاني بواقع 214 مليون نسمة، ومن المتوقع أن تصبح ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان بحلول عام 2050، ومخاطبتها يعني مخاطبة ما يعادل 20% من سكان أفريقيا جنوب الصحراءفضلاً عن كونها تُعد سوقاً استهلاكية ضخمة. وثالثها؛ الوقوف على مستجدات الأزمة الإثيوبية في إطار ما يبذله الرئيس النيجيري السابق والمبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي أولوسيغون أوباسانجو من جهود دبلوماسية لحلحلة الأزمة ووقف القتالورابعها؛ في ضوء ما تشهده الساحة الأمنية النيجيرية، ومنطقة الساحل من تحديات أمنية أدت إلى تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية، فهناك ضرورة ملحة لتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي الأمريكي- النيجيري لمجابهة الإرهاب، لاسيما عقب تقليص القوات الفرنسية في منطقة الساحل وفقاً لاستراتيجية إعادة التمركز المعلنة في يونيو 2021، وما يترتب عليها من فراغ أمني.
الولايات المتحدة وأفريقيا. :
ويشير الخبير الاستراتيجي والاستاذ الجامعي الدكتور داؤود هرون في كتابه (الجغرافيا السياسية و الجيوبلوتكس) الي اتسللت الولايات المتحدة الي مفاصل الحياة الافريقية السياسية والاقتصادية والعسكرية وذالك كله علي حساب الدول الاوربية وهكذا التنافس ظل صامتا باعتباره تنافسا بين حلفاء الي ان دخلت الصين الي افريقيا منذ مطلع القرن الحالي فغيرت المعايير، وضاعفت الخوف الاوربي والامريكي من نفوذها وخشي الطرفان من خسارة افريقيا نظرا للتواجد الصيني المتنامي فيها والذي فاق كل تصور وقلب معايير العلاقات وكشف تقاعس الاوربيين والامريكيين في مجال مساعدة افريقيا.
اتضحت ملامح للسياسة الامريكية للقارة الافريقية علي المرتكزات الاساسية التالية..
أولا..التركيز علي مناطق اقليميه معينه واختيار دولة او اكثر تمارس دور القيادة.
ثانيا..طرح قضايا معينه ووضعها علي قائمة السياسه الافريقية للولايات المتحدة مثل الارهاب والتطرف وتدفق المخدرات والجريمة.
ثالثا..المحافظة علي الامن والاستقرار عن طريق إنشاء قوة إفريقية لمواجهة الأزمات، وهنا يقتصر الدور الامريكي على التمويل و التدريب.
رابعا..العمل على محاصرة النظم غير الموالية و التي تدعم التطرف و الإرهاب من وجهة النظر الأمريكية.
خامسا..تأمين و تعزير فرص الاستثمار و التجارة في المنطقة و هو ما يؤكد عليه مبدأ (التجارة بدلا من المساعدات). (يتبع)