ضوء في نفق الفترة الانتقالية
بقلم: لمياء الجيلي
“لا تخف من الظلال، فإنّها تعني أنّ هناك ضوءاً يسطع في مكان ما قريب، فكن متفائلاً.”
(أقوالٌ مأثورة)
ونحن نتنسم بداية عام جديد نزداد أمل وتفاؤل بأن اليوم والغد أفضل من الماضي وأن العام 2021 سيكون على كل الأصعدة أفضل مما سبقه من أعوام، وأن الوطن يخطو بخطى ثابتة نحو التعافي والخلاص من كل ما ألم به من أسقام ووباءً ودمار…مؤشرات ذلك ما تم من إنجازات لحكومة الفترة الانتقالية في عدد من الملفات وسعيها الحثيث على معالجة ما صاحبها من تعثرات خاصة في الجانب الاقتصادي والمعيشي. وكلنا يعلم التركة الثقيلة التي تركها النظام البائد والمتمثلة في تدمير وتخريب مؤسسات الدولة وأنظمة الرقابة، واستباحة المال العام وممتلكات الوطن والتعامل معها كأنها إقطاعية خاصة ورثتها في غزوة بدر الكبرى، أو غنائم نالتها بعد ان هزمت كفار قريش هزيمة نكراْء.. فهذا الخراب ليس من السهل إصلاحه في عام ونيف، فلازالت الفئات التي استفادت من تلك الفوضى وبنت مصالح اقتصادية تحارب حكومة الفترة الانتقالية مستفيدة من وجود بقايا التمكين وأزرع النظام البائد في مؤسسات الدولة المختلفة، فلازال العديد منهم حراً طليقاً لم تطالهم لجان تفكيك التمكين بعد، هذا الفئات تعمل بكل ما أوتيت من خبث ودهاء للعمل عي تنفيذ خطط خبيثة تهدف لإفشال أي قرارات تصب في مصلحة البلاد وتساعد في عودة الحقوق الى أهلها.. هذه الفئات وغيرها من أعداء الثورة كانت تعمل ليل ونهار للإبقاء على أنظمة حماية الفساد مستبقة الزمن حتى لا يحدث اصلاح وتغيير في مؤسسات الدولة وألا يتم اكمال هياكل سلطة الفترة الانتقالية، يقينا منها أن هذه الهياكل صمام الأمان لاستمرار عجلة التغيير وإزالة كل ما يعيق ذلك. وأكبر انجاز خلال الفترة الماضية هو صمود الشعب السوداني وصبره على الأزمات التي تحيط به من كل جانب ثقة منه بأن الغد أفضل وأن الحرية والكرامة لا تباع ولا تشترى بكنوز الدنيا كلها وتهون في سبيلها الصعاب والأزمات وضيق ذات اليد.
حديث الدكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية، للشعب السوداني بمناسبة ذكرى استقلال السودان بشرنا فيه بحرص الحكومة على استكمال هياكل سلطة الفترة الانتقالية من مجلس تشريعي ومفوضيات، وبالمضي قدماً لاستكمال مفاوضات السلام مع بقية الأطراف حتى يتحقق سلام شامل. كما بشرنا د حمدوك بموافقة مجلس الوزراء على المصادقة على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة، والاتفاقية الدولية للقضاء على الاختفاء القسري وأن اكمال المصادقة عليهما في انتظار اجتماع مجلسي الوزراء والسيادة.. يتوج ذلك بعودة السودان للمجتمع الدولي ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب وخطوات حثيثة لإعفاء ديون السودان مما سيساهم في جذب الدين الخارجي والاستثمارات الأجنبية. كما يتفاءل الكثيرون بالقانون الأمريكي للتحول الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية للعام 2020. وهذا القانون وغيره من المساعدات الخارجية وحدها لا تكفي بل الدور الأساسي والرئيسي يقع على عاتق حكومة الفترة الانتقالية وعلي القوى السياسية والمدنية الداعمة للتحول الديمقراطي وللدولة المدنية، وذلك بإحداث اصلاح حقيقي، وتغيير جذري عميق يقتص الفساد من جذوره ويمنع التلاعب بالاقتصاد وتهريب ثروات البلاد عبر أيا من المؤسسات والجهات ، كما يتم ذلك ببناء دولة المؤسسات المتمسكة بمبادئ الحكم الراشد من مشاركة وشفافية ومساءلة ومحاسبة وسيادة حكم القانون، وكذلك بإحداث تنمية حقيقية تنعكس علي معاش الناس وتساهم في تطوير التعليم والخدمات الصحية وتحقيق العدالة والانصاف لضحايا انتهاكات النظام السابق وما تلاها من انتهاكات.
مع كل تلك البشريات التي أشرنا إليها لازال القلق ماثل على الأوضاع الإنسانية والأمنية في دارفور بعد خروج بعثة اليونيميد على الرغم من التطمينات بأن الآلية الوطنية المشكلة من قوة مشتركة من كل القوات النظامية وقوات أطراف السلام ستتولى مهمة حفظ السلام في دارفور. هذه الآلية يشارك فيها أطراف سلام جوبا والتي لم تكتمل الى الآن الترتيبات الأمنية الخاصة بها، وهنالك كثير من التفاصيل في هذا الجانب يتم التعتيم عليها ولا يتم تنوير الرأي العام بما تم فيها.. ما يدفعنا للتساؤل حول التزام أطراف اتفاق سلام جوبا بالمصفوفة الخاصة بتنفيذ اتفاق جوبا وبالتزام حركات الكفاح المسلح بتسليم قوائم بأسماء مقاتليها فحسب المادة (23.5) والتي نصت على ” اتفق الطرفان على تسليم قوائم بأسماء مقاتلي حركات الكفاح المسلح الى لجنة وقف إطلاق النار الدائم خلال 45 يوم من تاريخ التوقيع على الاتفاق النهائي للسلام “مفترض أن يكون تسليم قوائم بأسماء المقاتلين قد تم منذ الثالث عشر من نوفمبر الماضي مما يضمن مشاركتهم في الأليات المختلفة ومنها الآلية المشتركة لحفظ السلام في دارفور.. نتمنى أن تكون تلك الخطوات قد اكتملت وأن هذه العمليات وغيرها من الترتيبات الأمنية تتم بشفافية وبرقابة اللجان المختصة حتى لا تتكرر تجارب مريرة سابقة. وجود قوات مشتركة بعد خروج البعثة المختلطة لا يكفي لإعطاء المواطن السوداني في معسكرات النازحين بدارفور أو بالقرى التي تشهد صراعات قبلية أو هجمات من جماعات مسلحة الحين والآخر، الإحساس بالأمن والأمان ليمارس حياته بصورة طبيعية ويعود الى مصادر رزقه دون خوف من نهبها وسلبها ، ودون خوف من حرق محصوله أو نهب ماشيته .كل هذا لن يتحقق ما لم يتم استكمال عملية السلام وبدء عمليات العودة الطوعية للاجئين والنازحين الى قراهم بعد التأكد من انفاذ السلام والقضاء علي كل ما يهدد حياة المواطن أو اسرته أو ممتلكاته وأن تتحمل الدولة مسؤوليتها كاملة في تعزيز وترقية أوضاع حقوق الإنسان وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب وإلغاء الحصانات الواسعة للجهات الأمنية والشرطية والقوات النظامية الأخرى.