كسلا : الحضور المباغت في المشهد
بقلم : محمد بدوي
أثارت حادثة ادعاء تعذيب السيد: أديس همد من قبل مجموعة من شرطة مباحث كسلا بشرقي السودان ردود افعال واسعة، وفقا لتقارير حقوقية واعلامية أن السيد: ادريس خضع لتعذيب وحشي أدى الي اخضاعه لغسيل الكلي بأحد المستشفيات بمدينة كسلا قبل نقله للخرطوم من أجل مزيد من الرعاية الطبية وفقا لتوصية الاطباء، أنه لاحقا بتاريخ ٢٩ يناير ٢٠٢٣ حملت وسائل الإعلام خبرا عن توقيف خمسة من رجال المباحث المشتبه بهم للإيقاف تمهيدا للتحقيق معهم ، أعادت الحادثة الذاكرة الي حادثة الشهيد احمد الخير في مارس ٢٠١٩ فرغم اختلاف السلطات الحكومية في الحادثتين لكن يثور السؤال عن ممارسة التعذيب من قبل السلطات بكسلا بشكل وحشي ومميت لماذا ؟ بالضرورة كسلا ليست حالة خاصة لكن سجل التطورات التي مرت بها خلال سيطرة النظام السابق شكل نمط للممارسة المرتبطة بالعنف المفرط
بتقصي مختصر لسجل حالة كسلا خلال الثلاثة عقود المنصرمة، نجدها شكلت منطقة تركيز أمنيى في وقت متزامن من استضافة اريتريا للمعارضة السودانية” التجمع الوطني الديمقراطي” في العام ١٩٩٤، و فصارت محور مزدوج للتسلل لكلا للطرفين، ثم الحملة العسكرية للمعارضة التي عبرت الي كسلا من الحدود الاريترية في العام ٢٠٠٠ انعكست في تعزيز الخرطوم للوجود الامني بها، التأثير الجغرافي بوجود عشرات المعابر بين كسلا واريتريا ظل يشجع نشاط حركة التهريب للبضائع والاسلحة، كما ان المراقب للأحداث يقف على تحولها ولاسيما بعد ٢٠١٤ إلي مركز لتحويل الاموال خارج النظام المصرفي الخاصة بالمجموعات المتعاملة في تهريب البشر حيث راكم الي رأس مال طفيلي دخل إلي السوق المحلية كتأثير أولي لتراجع الاقتصاد الذي بدأ عقب انفصال جنوب السودان، أثر الأموال المرتبطة بتلك الأنشطة في أحدي صورها إلي تحولات في علاقات الإنتاج حيث برز دخول فئات من الوسطاء كتعاملين بالبيع مع الجمهور بعد الحصول على الأصناف من المصدر كما هو الحال في مجال المنتجات البستانية ..
انضمت كسلا الي الولايات التي أتسع فيها انتشار المجموعات الدينية الاسلامية التي تتبني نهجا متطرفا، لكن لأن الآمر كان يصب في مجري أهداف النظام السابق اتيحت له فرصة التمدد في واقع ظل يرزح تحت إهمال وتراجع فرص التعليم .
تنمويا، ظلت ترزح مثل رصيفاتها في السودان فلم يحدث صندوق إعمار شرق السودان الذي ارتبط باتفاق سلام الشرق ٢٠٠٦وبين الخرطوم وكل من ‘ مؤتمر البجا و جبهه الشرق ” أي أثر لسوء الادارة وادعاءات بتهم الفساد، فالمقارنة بين طموح مؤتمر البجا في المنفستو الاول عقب تأسيسه في ١٩٥٣ ” تم حظره في ١٩٦٠ ثم ١٩٦٩ نتيجة للتحولات السياسية في السودان ” وبين الراهن فقد كان المنفستو طموحا لتجسير العلاقة بين الشرق وسودان ما بعد الاستقلال عبر المشاريع التي ارتبطت بالتنمية وترقية الخدمات وتوظيف الموارد، فقد كشف المنفستو من المسودة الاولي في وقت مبكر علو كعبه في الاحاطة بواقع الشرق.
سياسيا، كانت قد شهدت آخر زيارة خارج الخرطوم للرئيس المخلوع عمر البشير قبل سقوطه، حيث خاب رهانه على مواطنيها، لكن رغم ذلك برزت خلال الفترة الانتقالية سلسلة أحداث دامية بكسلا فرغم ان الحالة شملت كافة شرق السودان لكن بنسب جعلت كسلا الأوسع نطاقا، حيث ارتبطت بالتظاهرات المؤيدة والمناوئة لتعيين واقالة الوالي الأستاذ/ صالح عمار، إعلان إتفاق شرق السودان ضمن اتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ ثم الاعلان عن مجلس نظارات البجا برئاسة الناظر محمد الأمين ترك الذي إمتد نشاطه الي إغلاق الطريق القومي بين الخرطوم وميناء بورتسودان، قبل تبنيه مطالب سياسية بعض مطالبه على نسق الحال الذي نتج من إقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ .
تمثل كسلا نموذج للأثر السالب للمقاومة التي ارتبطت باعضاء النظام السابق خلال الفترة الانتقالية ،فيما قادت انعكاساتها الي كشف عن التحولات التي أحدثتها سياسات فترة سلطة الحركة الإسلامية في بينية المواطنة، تراجع الخدمات والتنمية، الكسب المخالف للقانون في ظل سيطرة سياسة التمكين وسوء إدارة الدولة ، تراجع العلاقة بين السلطات المرتبطة بتنفيذ القانون نتاح لعلاقة السيطرة الأمنية، في ظل غياب سيادة حكم القانون وترسانات الحصانات والتعسف في التعامل مع الاجرائية منها من قبل السلطات مما كرس لعدم إتاحة فرص الوصول للعدالة .
اخيرا : عملت الحركة الاسلامية على انفاذ سياسات ممنهجة في الواقع السوداني لكن ظل الأثر يتفاوت مصحوبا بخصوصية التنوع وأسباب أخري، فهاهو السجل المختصر لحالة كسلا يكشف عن قضايا تعقدت وتراكمت بفعل السلطة السياسية السابقة لكن لابد من النظر إلي السجل وارتباطه بسوء ادارة دولة ما بعد الاستقلال، بما في ذلك تأثيرات قطع الطريق على الديمقراطية .