الأحد, أكتوبر 6, 2024
تقاريرمجتمع

نساء وبنات يواجهن الموت داخل بيوتهن

الخرطوم: ملاذ عصام
جراء التعذيب لفظت “م” أنفاسها الأخيرة و هي شابة في العقد الثالث من عمرها تسكن بجنوب دارفور، بعد أن عثر أحد أقاربها على هاتف محمول في يدها، وتم ربطها على جذع شجرة وضربها بواسطة عدد من أفراد الأسرة حتى الموت، وذلك خلال الشهر الماضي.
ولم تكن “م” الضحية الوحيدة فقد سبقنها العشرات، ومن الملاحظ إرتفاع هذا النوع من العنف بشكل خاص في ولايات دارفور، و قد رصدنا من خلال هذا التقرير ان أكثر 20 امرأة و طفلة قُتلن خلال عام في السودان “منذ 2022 و حتى اليوم”: على أيدي أفراد من أسرهن منهن 16 بولايات دارفور، إضافة لعشرات تعرضن للتعذيب، بجانب حالات قتل و تعذيب لم يتم رصدها و لم نتمكن من الوصول إليها.

عنف أسري

في هذه الحالات تُقتل النساء و البنات و الطفلات على يد أحد أفراد الأسرة “غالباً رجل” بسبب قيامهن أو الإشتباه بقيامهن بفعل تتحفظ عليه الأسرة أو المجتمع أو مُنعن منه أو لأي أسباب تتعلق بمرتكب الجريمة، و يُقابل هذ النوع من الجرائم بعدد من التبريرات و الإتهامات التي تُوجه نحو المجني عليها، و ليس القتل فقط لكن تتعدد أشكال الجرائم التي تقع في هذا الإطار و منها الحرمان من الحرية، والإكراه، والتزويج القسري، وإساءة المعاملة، و الشروع في القتل و القتل و غيرها من الجرائم التي تعتبر جزءاً من العنف الأسري ضد النساء.
و تعتبر السلطة و المميزات التي تمنحها كثير من المجتمعات للرجال و تسلبها من النساء بناءاً على النوع الإجتماعي ، إضافة إلى عدد من القوانين المجحفة و بعض الثقافات و العادات سبب رئيسي لوقوع هذه الجرائم.

إحصائيات

وفي كل عام تُقتل عشرات الآلاف من النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم على أيدي أحد أفراد الأسرة أو أحد المعارف، وتُقدر منظمة الصحة العالمية ان واحدة من كل ثلاث نساء ” 736 مليون” امرأة في جميع أنحاء العالم تتعرض إلى العنف البدني أو الجنسي، و بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة فإن ما لا يقل عن 47 ألف امرأة قُتلت على يد شريك حميم أو أحد أفراد الأسرة خلال عام 2020 فقط.
وبحسب إستطلاع أُجري في أواخر2018 فإن 14% من الأشخاص في السودان يرون ان هذا النوع من الجرائم مقبولاً، ولاتوجد إحصائيات دقيقة ترصد هذه الجرائم.

قوانين ضعيفة

والجدير بالذكر ان القوانين السودانية تخلو من تعريف للعنف الأسري أو أي آليات و تدابير خاصة للحماية في مثل هذه الحالات ، و تحدث القانوني الفاتح حسين ل(مدنية) بأن مثل هذه الجرائم تُفتح بها بلاغات جنائية و تتم المحاكمة في المحاكم الجنائية العادية و ليس محكمة الأسرة، و حتى عندما تتعرض إحداهن لتهديد أو أي عنف يمكن فتح بلاغ جنائي عادي بإعتبار ان هذه جريمة يعاقب عليها القانون، لكن تصاحب هذه المسألة بعض التعقيدات، و في كثير من الأحيان يتم العفو لبعض الإعتبارات المتعلقة بالأسرة، و أضاف لازالت أذكر قضية قابلتني قبل أكثر من 10سنوات تعود تفاصيلها إلى ان رجل قتل طليقته و للأسف المحكمة لم توقع عليه العقوبة القصوى لأن لديهم أطفال و بالتالي يعتبروا أولياء دم وهو يرث في أولياء الدم فأدانوه بالسجن فقط و بغض النظر عن الموقف من الإعدام فهو لم يأخذ العقوبة المنصوص عليها في القانون و هذه مشكلة موجودة في قانوننا الجنائي ، وهذه مسألة متعلقة بالميراث فإذا كان “الجاني” يرث فيها هو أو أبنائه وبناته يرثوا فيها يسقط حد القصاص و ميراث الدم هم نفس الورثة الذين/اللائي يرثوا في التركة رغم أن مثل هذه الجريمة يجب ان تكون عقوبتها أشد وجاءت مسقطات القصاص في المادة31 من القانون الجنائي حيث نصت المادة على ” أ/ يسقط القصاص إذا كان المجني عليه أو وليه فرعاً للجاني “، وأضاف الفاتح قائلاً و من يستفيد من هذه الوضعية هم غالباً رجال حسب الممارسة العملية التي شاهدتها في المحاكم.

حق عام

وطالبت عدد من الناشطات النسويات بأن يكون الحق في مثل هذه الجرائم حق عام بحيث لايُسقط عفو الأسر العقوبة و يمكن لأي شخص فتح البلاغ بغض النظرسواء كانت تربطه صلة بالمجني عليها أو لا، وأشارت إلى ضرورة تعديل القانون الجنائي ووضع آليات للحماية و تفعيلها و تدريب العاملين/ات بالجهات ذات الصلة على كيفية التعامل مع هذه الجرائم ، و أرجع عدد منهن الأسباب إلى بعض العادات و الثقافات المغلوطة و القائمة على العنف المبني على النوع الإجتماعي حتى أصبح هذا النوع من العنف لديهم أمر طبيعي و مقبول لايتم الوقوف عنده، و أيضاً عدم حساسية المسؤولين/ات بالدولة خلال كل المراحل بما فيها المرحلة الإنتقالية تجاه الحقوق و تجاه حقوق النساء بشكل خاص، و أشارن إلى ضرورة العمل بما جاء في بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب “موبوتو” ، حيث ورد في المادة”3″ منه “الحق في الكرامة 1- لكل امرأة الحق في الكرامة المتأصلة في البشر، والاعتراف بحقوقها الإنسانية والقانونية وحمايتها، من خلال التدابير التشريعية والمؤسسية المناسبة، وغيرها من التدابير المناسبة لضمان حماية حق كل امرأة في احترام كرامتها، وحمايتها من كافة أشكال العنف.” و جاء في المادة “4” “الحق في الحياة والسلامة والأمن الشخصيين ، لكل امرأة الحق في احترام حياتها وأمانها الشخصي ويتعين حظر جميع أشكال الاستغلال والمعاملة أو
العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، و على الدول الأطراف اتخاذ التدابير المناسبة والفعالة.” كما أكدن أيضاً على أهمية التوقيع و المصادقة على إتفاقية القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة “سيداو” بدون تحفظ.

الأمن والحركات المسلحة

وعزا عدد من الأشخاص من دارفور إرتفاع معدل هذه الجرائم في بعض المناطق الى التغييرات المرتبطة بالوضع العام في السودان حيث زادت السيولة الأمنية في هذه المناطق و تواجدت فيها الحركات المسلحة بنسبة أعلى، مما أثر على طبيعة الحياة بالمنطقة والعمل وعلى السكان ورفع معدلات و الخوف و العنف بشكل عام، والعنف ضد النساء والبنات بشكل خاصة نسبة للعوامل المرتبطة بالعادات و التقاليد، إضافة إلى قلة الوعي فهذه المناطق مازالت في حاجة إلى كثير من البرامج التوعوية و التثقيفية إلى جانب القوانين و السياسات الفعالة.

إستراتيجية ومناصرة

وأقرت جهات ذات صلة بعجزها عن القيام بأي خطوات عملية خلال الوقت الراهن للحد من هذه الجرائم خاصة في بعض المناطق بسبب ضعف القوانيين و عدم وجود حكومة بالرغم من خطورة الأمر ، و أكدت على أهمية وجود مراكز شرطية متخصصة في التعامل مع هذا النوع من الجرائم و مراكز لتقديم الدعم القانوني و النفسي و الإجتماعي للضحايا ، ووضع استراتيجية واضحة لمكافحة هذ الجرائم إضافة للحاجة العاجلة إلى تنظيم حملات مناصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *