الحرب (ما حبابها)
بقلم: لمياء الجيلي
هل يظن من من يدقون طبول الحرب ويسعون لإشعالها بين قوات تحمل السلاح، مهما كانت صفتها نزهة، أو وسيلة توصلهم الى أهدافهم وأغراضهم، سواءً كانت مصالح شخصية أو حزبية ضيقة؟ ..وهل يحملون أن توصلهم البندقية لأهدافهم سواءً كانت مشروعة أو غير ذلك؟..على هؤلاء أن يفيقوا ويتعظوا بما حدث لدول أخرى من دمار وخراب .. فإذا انطلقت البنادق وتم تبادل النيران بين الأطراف المسلحة ، وفى وضع هش كوضع السودان لن يسلم الجميع، وستصلهم نيران الحروب، ورياحها العاتية، ولو كانوا على بعد آلاف الأميال، أو كانوا فى قصور شاهقة عالية البنيان ، ومحصنة الجدران . أو كانوا يمتطون الفارهات الحصنة والمصفحة… فالحرب لا ترحم… وحين يشتد أوارها تقضى على الأخضر واليابس، وعلى الزرع والضرع، وتدخلنا فى دائرتها الخبيثة … فنشهد (لا قدر الله) المجازر الجماعية والقتل والنهب والاغتصاب … ولن تجنى البلاد(تسلم من كل مكروه) سوى الدمار والخراب.. من يصبون الزيت على الخلافات الحالية بين الجيش والدعم السريع لا يريدون خيراً للبلاد ولا للعباد .. فهم من أشعلو الحرب منذ بداية القرن الحالى فى دارفور، ومنذ ثمانيات القرن الماضى فى جنوب كردفان ومنذ الإستقلال فى جنوبنا الحبيب الذى فقدناه بسبب السياسات الرعناء والغير مسئولة .. ولازال كل السودان يئن ويتألم لما حدث فى الجزء الغربى من بلدنا الحبيب من انتهاكات وفظائع يندى لها الجبين، وتقشعر من ذكرها الأبدان، وتنكسر من سماعها القلوب وتدمى من سردها النفوس.. جرائم ستظل عار فى جبين من ارتكبوها ومن صفق لهم ، واشعل النيران… ولا زالت دارفور تنزف وكل يوم نشهد مجازر جديدة .. وانتهاكات متعددة، وضحايا جدد، ولا زال الجناة طلقاء يتمتعون بالنفوذ والجاه والمال.. وكل ما تشتهى الأنفس من متاع ورفاه.. ولازالت أوامر القبض الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية فى حق المتهمين بارتكاب تلك الجرائم لم تنفذ .. وعلى رأس هذه القائمة المخلوع عمر البشير الذى ينعم بالحماية ورفض غير مبرر لتلسيمه لينال حساب الدنيا قبل حساب الأخرة.
من أشعلوا الحروب والنزاعات القبلية، وأشاعوا خطاب الكراهية والعنصرية، وخربوا ودموروا النسيج الاجتماعى، خلال السنوات الماضية فى شرق السودان، وفى النيل الأزرق وكردفان، والتى فقدت فيها البلاد ارواح عزيزة، وفقد العديد من سكان تلك المناطق الأمن والأمان والإستقرار.. هم الآن يسعون وبكل السبل لجر القوات المسلحة والدعم السريع الى حرب، نتمنى ألا تحدث، وأن تتمسك قيادات تلك القوات بالحكمة، وضبط النفس، وحل الخلافات بالحوار، بعيداً أن اي تدخلات خبيثة، أو تأثيرات لا تريد بالوطن خير، بل تستهدف تدميره ليسهل لها نهب ثرواته، والسيطرة على سيادته وقراراته.
أول الحرب كلام، وأول الحرب حديث فى الاعلام واتهامات وبيانات ، وبيانات مضادة.. ولنا فى بداية الحرب مؤحراً بين أوكرانيا وروسيا، (رغم أنها حرب بين دولتين) بدأت حرب (كلامية وأعلامية).. ثم تحولت الى حرب بالطائرات والدبابات وبالأسلحة الكيميائية .. الخلافات بين الجيش والدعم السريع، طلعت الى العلن لدى مناقشة قضايا إصلاح الجيش ودمج قوات الدعم السريع (وكان الشيطان بالمرصاد ليتدخل فى التفاصيل) ، تزامنت معها حركة تجنيد واسعة لكل القوات التى تحمل سلاح بالبلاد، بشكل ملفت للانتباه .. وعبرت الشاحنات (البطاحات) التى تنقل المجندين القرى والفيافى ,, أصبح سباق التسلح (على عينك يا تاجر) وزيادة عدد الجنود واضح لدى الجميع. وتواصل ذلك الصراع الى أن وصل الى مرحلة (المواجهة المحتملة) بالقرب من مطار مروى الحربى، بعد تواجد كثيف من قوات الدعم السريع… وبدأت الجهات (الشريرة) التى لا تريد للوطن استقرار بصب الزيت على النار، مستخدمة وسائل الاعلام المختلفة .. إسنفزازاً للجميع، دقاً لطبول الحرب .. فصدر(أمس) مساء الأربعاء بيان من الناطق الرسمي للدعم السريع ذكر فيه” أن قوات الدعم السريع تعمل بتنسيق وتناغم تام مع قيادة القوات المسلحة ، وبقية القوات النظامية الأخري فى تحركاتها. كما صدر فى الساعات الأولى من صباح (اليوم) الخميس بيان من مكتب الناطق الرسمى باسم القوات المسلحة أوضح فيه “أن هذه التحركات والانفتاحات تمت دون موافقة القوات المسلحة أو مجرد التنسيق معها”. كما ذكر بيان الجيش “تجدد القوات المسلحة تمسكها بما تم التوافق عليه في دعم الانتقال السياسي، وفقاً لما تم في الاتفاق الاطارى” مما يقلل من التوتر باحتمال مواجهة محتملة قريب ولكنه فى نفس الفقرة أورد تحذير للقوي السياسية يضع علامات استفهام لدي الشعب السودانى حول ما يدور في الغرف الحوارية وبعيداً عنه فجاء فى البيان “تحذر القوات المسلحة القوي السياسية من مخاطر المزايدة بمواقف القوات المسلحة الوطنية”. حسنا فعل الطرفان باصدار بيانات لمحاولة بث الطمانينة لدى المواطنين، وكنا نتمنى ألا تصل الصراعات الى سطح الوطن المثخن بالجراح والألم، ونتمنى أن تجلس كل الأطراف لحل خلافاتها بالحوار وأن تضع السلاح على الأرض.
على عاتق الاعلام والاعلاميين مسئولية وطنية وتاريخية فى تنقية الخطاب الاعلامي من اللغة التى تصب الزيت على نار الخلافات والاختلافات، وأن تلتزم بنشر الحقائق بعيداً عن المعلومات المغلوطة والمضللة.. وتجنب نشر الأخبار (المخدومة) التى لا تثق فى مصداقيتها بنسبة مائة فى المائة.. وأن يظل الاعلام صوت الحق ، والمدافع عن مصالح الوطن وحمايته من أى استهداف.. من أي جهة ما.. وألا تقسح وسائل الاعلام منابرها لمن يدقون طبول الحرب، ويتبارون فى توسعة الخلاف.