الإثنين, أكتوبر 14, 2024
تقاريرمجتمع

شرق تشاد.. كرامة اللاجئات السودانيات في انتظار “قطعة قماش”

شرق تشاد: هانم آدم

“كثيرا ما أفكر أين يمكن أن أتخلص من الفوط الصحية اثناء الدورة الشهرية، ونحن بمعسكر لا تتوفر فيه المراحيض، ونستخدم بقايا قطع اقمشة من ملايات او ثياب، وحتى هذه القطع فهي غير متوفرة لان معظم النساء عندما وصلنا الى المعسكر فرارا من الحرب كن شبه عراة وحفاة”.

حديث صادم لقضية حساسية، لم ينتبه لها الكثيرون، في خضم الصراع الدائر حاليا بالسودان، ألقت به إحدى الشابات تقيم بمعسكر (مجي) بتشاد، وهو امر متعلق بصحة النساء والفتيات الإنجابية، فكان كالصاعقة وكشف لنا عن معاناة الآف النساء بمعسكرات اللجوء.

وتتابع المتحدثة “لا يمكن ان اصف لك ويمكنك تخيل حجم المعاناة في ظل الظروف التي نعانيها”.

صمت ساد المكالمة التلفونية التي دارت بيني وبين محدثتي حتى انني بدأت ولوهلة لا اسمع سوى صوت انفاسي وانفاسها في الجانب الآخر، فما وصفته لي امر كارثي بالنسبة للصحة الإنجابية للنساء، والصحة العامة للاجئين.

فوفقا للأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مطلع فبراير فقد وصل نحو (547) الف لاجئ جديد الى تشاد، هذا الرقم وبتقديرات بسيطة قد لا يخلو نصفه من النساء والأطفال.

ان تدبر امور النظافة في فترة الحيض (الدورة الشهرية) هي احدى القضايا المهملة في مجال الصحة والنظافة المتعلقة بحقوق الفتيات والنساء الاكثر هشاشة في مخيمات النازحين واللاجئين.

 ضرر نفسي

تواصل (أ، م) الحديث عن معاناتها أيام (الدورة الشهرية) لتعكس لنا واقعها وواقع الكثير من الفتيات والنساء بنبرة حزن واضحة، مشيرة لارتفاع اسعار (الفوط الصحية بمعسكر ادري حيث انها تتراوح تبلغ (300) ريال اي ما يعادل (3300) جنيه سوداني، وفي اماكن اخرى يرتفع السعر كثيرا، وتواصل بنبرة لا تخلو من السخرية “فنحن لا يتوفر لدينا (500) جنيه سوداني لشراء السكر فمبالك بالاشياء الاخرى”. وتشير الى انه ونتيجة للظرف الاقتصادي الصعب تلجأ النساء لاستخدام قطع قماش من الثوب او غيره، وتقول “هذه القطعة بالطبع غير قابلة للتغيير، كما انها غير متوفرة لان معظم اللائي فررن من الحرب قدمن لتشاد وهن شبه عراة وحفاة”. لذلك  يتم استخدام اي قماش متوفر ولا يوجد اي حمامات. وتتابع: “هذا الامر سبب ضررا نفسيا للجميع. وكنت اتسأل مع نفسي في كيفية التخلص من هذه الاشياء، وقتها حتى المراحيض لم تكن متوفرة، والتخلص يتم عادة في الخلاء، ونواجه صعوبة حتى في التخلص من هذه الأقمشة.

وتقول: “حقيقة لا استطيع ان اصف لك ويمكنك ان تتخيلي صعوبة الموقف”. فالموضع بالمعسكر صعب من حيث الناحية الامنية، والصحية، والغذائية، وهناك انتشار كثيف للذباب والذي يولد امراض اخرى، بجانب وجود حشرات وديدان اخرى لم نراها بالسودان. ولا يوجد اي مجهود من المنظمات في هذا الجانب او الحكومات”.

وتشير (أ) لإنعدام الدواء بالمعسكر، مبينة ان المتوفر هو للطوارئ فقط ولا يتجاوز نسبة 40% للاطفال، اما كبار السن والامراض المزمنة فلا يوجد لهم علاج. وتشير لإنشاء غرفة للنساء والتوليد من قبل احدى المنظمات، وتصف الوضع بالمعسكر بالسيء جدا لإنعدام الغذاء الامر الذي اجبر الكثيرين للإفطار خلال شهر رمضان.

وقدمت نقدا لعدد من المنظمات هناك وقالت: “لا توجد منظمة مهتمة بأمر الصحة الإنجابية بمنطقة ادري وحتى عندما نتحدث لهم عنها فهم لا يعلمون عنها شيئا، بل يستفيدون من الحديث فقط ولا يطبقون شيئا على ارض الواقع، ولم توفر اي منظمة فوط صحية للاجئات على الرغم من اننا قدمنا طلبا لعدد منهم.

وتقاطعها اخرى من نفس المعسكر واصفة حالتها بانها تعاني منذ ان قدمت للمعسكر منذ أكثر من عشرة أشهر وقالت: “نستخدم الملايات القديمة وهذه ضارة للصحة”، وتابعت “نناشد الجهات المعنية بالتدخل السريع والاهتمام بامر الصحة الإنجابية للنساء”.

رفاهية معكوسة

ووفقا لإفادات العديد من الفتيات فإن امر (الدورة الشهرية) يعد امرا مزعجا، في ظل عدم الحصول على منتجات النظافة الشهرية، والارتفاع الحاد في اسعار الفوط الصحية، حيث ان الفقر هو السمة السائدة وسط تلك المجتمعات، وتدبر أمر الفوط الصحية يعتبر في غاية الرفاهية، وتلجأ الفتيات والنساء إلى استخدام بدائل صحية (ملابس قديمة ان توفرت) الامر الذي  يزيد من خطر إصابة الجهاز التناسلي بالامراض.

ومن معسكر ام جرس بتشاد تقول احدى اللاجئات ان الفوط الصحية غير متوفرة بالمعسكر، وتضيف “لا ادري وضعية بقية المعسكرات ان كانت متوفرة ام لا، وتشير الى تكوين جمعية من الفتيات من سن الثالثة عشر وحتى التاسعة عشر بإعتبار ان هذه الفئة هي الاكثر حوجة للإرشادات الصحية والتوعية. وتضيف: “كنا نتوقع ان تكون هناك منظمة معنية بالاحتياجات الخاصة للنساء ولكن للاسف لم نجد، حتى اننا استعنا بشخص وعدنا بانه يستطيع مساعدتنا  عبر اخطار احدى الجهات ولكنه لم يفي بما وعد”.

وتختتم حديثها وهي تؤكد حوجة الفتيات بالمعسكرات للرعاية الصحية، وتوفير المستلزمات الأساسية، معربة عن أملها بان تجد مطالبتها هي واخريات الإستجابة من الجهات المختصة.

فوط بديلة

وتشير ثويبة من معسكر ادري القطاع الشمالي الى حوجة الفتيات بالمعسكر للفوط الصحية، وتقول انها موجودة بادري ولكن ليس في متناول ايدي الجميع، وتعزي ذلك لارتفاع اسعارها في وقت يعاني فيه معظم اللاجئين من الظروف الإقتصادية الصعبة، الامر الذ يصعب الحصول عليها وتوفيرها، وتشير الى استخدام الفوط البديلة، إلا انها ترجع لتقول: “هذه يمكن ان تسبب اضرار صحية للنساء مثل الالتهابات وغيرها من الامراض”، وتناشد الجهات المختلفة بالتدخل وتوفير الفوط الصحية للفتيات او تقديم  للفتيات حول استخدام الفوط البديلة.

مياه ملوثة

من جانبها تعتبر آمنة محمد من معسكر ادري بالقطاع الجنوبي ان توفر الفوط الصحية من الإشكاليات الكبيرة بالنسبة للفتيات، ولا توجد منظمات تدخلت في هذا الجانب، وتشير الى  أهمية الفوط الصحية بالنسبة للفتيات، في ظل الوضع الإقتصادي المتردي والذي يجعل الفتيات يلجأن الى استخدام الفوط البديلة. وتنبه الى وجود مشاكل صحية في المياه وتتسببها في حدوث التهابات، بجانب ان الفوط نفسها غير معقمة وبالتالي تصبح الإشكالية مضاعفة بالنسبة للفتيات فالمياه المستخدمة لنظافة تلك الفوط غير نظيفة كما ان الفوط نفسها إشكالية، وطالبت بضرورة وجود تدخلات سريعة من قبل الجهات المعنية.

إشكاليات صحية

كما تشير عائشة محمد لاهمية الفوط الصحية لصحة المرأة، وتقول ان هناك أعدادا كبيرة من الفتيات بالمعسكرات وفي سن الإنجاب تواجههن الكثير من الاشكاليات الصحية لعدم توفر الفوط الصحية وارتفاع اسعارها في ظل تشابه الوضع الإقتصادي، لافتة الى اختلاف اسعار الفوط والجودة، وتقول ان الحوجة الشهرية لاي فتاة وباقل جودة تتراوح ما بين (200ـ 250) ريال، الامر الذي يجعل الفتيات يخترن الاقل تكلفة وجودة، بل ان الكثير من الفتيات يلجأن لاستخدام الأقمشة والتي في الغالب تكون غير نظيفة او معقمة، الامر الذي يجعلهن عرضة لكثير من المشاكل الصحية، وتشير الى وجود من يستخدمن القطن وهو اعلى تكلفة من الفوط.

وتقول عائشة ان الامر الطبيعي جلب هذه الفوط من الصيدلية ولكن حاليا حتى المتوفر هو موجود في اماكن عبارة عن (دكاكين) وتعاني من سوء تخزين لاكثر من عام، بالتالي له الأثر السالب من حيث الاستخدام اليومي مما يعرضهن كفتيات لكثير من المشاكل.

وأشارت الى شكاوي الكثير من الفتيات من المشاكل الصحية الناتجة عن استخدام الفوط الغير امنة، وفي نفس الوقت لا يعلمن بان هذه الامراض نتيجة لاستخدام الاقمشة الغير نظيفة، وتضيف: “وتقول: لابد من وجود رعاية، وكشف دوري للفتيات، وتوفير الفوط الصحية كابسط حق من حقوقهن وهو الحصول على فوط امنة وتوعيتهن بالجوانب الصحية  المختلفة”.

بارقة أمل 

مبادرة المليون فوطة مستدامة احدى المبادرات التي تهتم بتوزيع فوط قماشية يمكن استخدامها لمدة عام، وتضم المبادرة عددا من المهتمين بالصحة الإنجابية والناشطات في المجال، بدأت حملة التبرعات لهذه الحملة منذ شهر ديسمبر المنصرم.

وتقول مديرة الحملة مروة محمد حسن تاج الدين، انهم ينفذون حملات توعوية وتثقيفية  بالولايات، ويتم من خلالها توزيع فوط قماشية مصنوعة محليا في مصنع السلام (اول مصنع سوداني يبيع فوط قماشية)، بجانب تقديم صحي عن الدورة الشهرية وكيفية استخدام الفوط القماشية، بجانب معلومات عن العنف المبني على النوع الإجتماعي.

وتشير مروة الى انهم كانوا يستهدفون ولاية الجزيرة نسبة لكبر حجم النازحات بتلك الولاية، ولكن ومع الأحداث التي اندلعت بود مدني وجهت الحملة عملها لكسلا باعتبار ان الكثير من النازحات توجهن هناك، بجانب توفر الامن والذي يمكن من العمل، وبالتالي اول حملة توزيع كانت في كسلا، وتم من خلالها الوصول الى (3000) امراة وتوزيع (9000) فوطة بواقع (3) فوط قماشية للمستخدمة، وتضيف ان الحملة القادمة ستتوجه لشرق تشاد بادري بمعسكر الملك، مستهدفة (5000) فتاة و(15000) فوطة صحية، موضحة ان هذا العدد يعتمد على مقدار التبرعات التي تصلهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *