الأحد, سبتمبر 8, 2024
مقالات

الفاشر .. في محبة التلال السمر

بقلم: محمد بدوي

الفاشر… مدينة إلتصق إسمها بألقاب عديدة في حظوة صوفية الهوي، وحب يطوقها كرصيفاتها على طول وعرض البلاد ودا وترحابا فلا مجال للحصر فالتراب واحد، ومزاج من الإلفة مقرون بتلويح بالأكف السلم ربطتها بالكفرة، أسوان، بانقي وأنجمينا.
على مراة تلالها تنعكس الشمس تبرأ قبل أن ينخرط المنقبون عن الذهب في جبالها “العامرة” السمر، وسيدة الواحات التي كسرت جدب الصحراء لتكحلها نزلا عامرات بالحياة الانسانية، فسرعان ما سارعت فرقة فنون دارفور منذ ١٩٤٦ لتلون مساءاتها ب” الغناء الصداح”، كثر هم يتوجس المداد أن يغفل عنهم أويسقط منهم أحد، كروان الحركة الوطنية حسن محمد صالح، وإبراهيم جاذبية، سانتو، عبدالعزيز آدم “عزو” ، حمودة حمد النيل، وقامات” كلمات وانغام ” كثر تدين الذاكرة لهم بالإعتذار، فهي سيدة الالقاب التي حفها بها العشاق كل على هواه وكيمياء غزل ” شوفه”، السلطان، ابو زكريا، دهباية دارفور وقلب السودان، فهي سيدة المحمل ومعبر ونزل للحجيج القاصدين المكرمة مكة، ودرب الأربعين إلي أسوان، ومكتبة الجماهير وسيرة مؤسسها في ١٩٥٥ المناضل صديق محمد البشير، الذي قابلته المدينة برد الاعتبارفي محفل أنيق بالفاشر جلس على منصتها الراحل ملك الفاشر “رحمة الله محمود” “عم الملك” في ٢٠٠٦ بعد أصابه ومكتبته ما أصاب جراء تحريض سياسي من قوي الظلام في العام ١٩٦٥.
تفقدك المدينة عم الملك، وكم الحال في حوجة لحكمتك وحضورك، تذكر المدينة ذاك النهار الذي أقدم فيه أحد ضباط المرور من القادمين حديثا للمدينة، بإيقافك وانت تقود سيارتك اللاندروفر الصالون التي حملت لوحة (ش د ١)، حين إقترب ليسال عن ما يود السؤال عنه، ظلت تقاطعه في تواتر تحايا المارة، السلام عليكم عم الملك، لياتي الرد منك، السلام عليكم عم الملك، السلام عليكم عم الملك …وهكذا، فادرك ضباط المرور حديث الرتبة الورطة التي ساقته إليها واجبه المهني وحداثة عهده بالمدينة، وقبل أن يطلب منك مواصلة سيرك، طلبت منه قائلا ” قول كلامك” حيث لم يتبق ما يقال فقد اختزلته اللوحة التي حملت الرقم (١) .

هدهدها الاستاذ الشاعر “عالم عباس” للنوم الآمن فوق التل ، لا تزال تحتضن قصر السلطان على دينار، الذي يجاور سكن الحاكم موقعا لكن قليل منهم من زارها، فمن دفعت بهم الدكتاتوريات التي مدينة ” التلال السمر” بينهم وتاريخ السودان قطيعة، فالمتاحف تواريخ شاهدة على غربة الإسلام السياسي وزمرته.
روح الثورة ظلت متقدة في سجلها فقاوم الثائر ” عثمان آدم” الذي إشتهر ب”عثمان جانو” في غابر كانت الثورة بالسيوف والسهام المسمومة، قاوم ثوارها المستعمر الانجليزي وحرقوا علمه في ١٩٥٢، فلم يلن لهم جناب رغم التنكيل، تشاركوا إسما وضاءا ” المناضل الجسور” إزدان بهم خصر المدينة، بل إمتد عمق المقاومة لدكتاتورية مايو وسياساتها حينما عبر أحد ظرفائها عزالدين عن ذلك ” لو قلنا نعم ..عشنا وهم، لو قلنا لا …حيودونا شالا” فكانت رد بليغا على غطرسة مايو ” قائدكم مين ..نميري “، فصارت المدينة تلحق لقب وهم على عزالدين فإشتهر ب” عزالدين وهم” أسقط الشارع الثائر نميري كسابقه ولاحقه فبين الديمقراطية والبذات العسكرية حائط صد ” سدا منيعا هي “، لم تنقطع جذوة النضال ففعلها طلاب المدراس الثانوية في الديمقراطية الثالثة اجتجاجات سلمية بهتافات داوية حينما كان الراحل عبدالنبي على أحمد حاكما، فسقطت الشهيدة” أمونة ” بائعة الخضر والفواكه برصاص العسكر، فكانت إمداد للشهيد للقرشي ” أحمد القرشي” في أكتوبر ١٩٦٤، فبين القرشي والفاشر صله تعمدت بدراسته بمدرسة الفاشر الثانوية، حينما كان السودان يخطو نحو معرفة بعضهن لبعض والخدمة المدنية التي كانت تنقلاتها تجعل العمل في كل السودان تجسيدا للمواطنة .
” فايت مروح وين” ..إسم إختاره عبدالرحمن. لكشكه الصغير المطل شمالا على الجزارة وغربا ممتدا ياخذك الي السينما الوطنية التي اسسها التجار الوطنيون، فتنوع الحال في مسرحها بين الافلام والحفلات التي شدا فيها كمال كيلا، محمد عثمان وري، صلاح مصطفي، حنان ابىاهيم بلوبلو” ، زيدان إبراهيم، بهاء عبدالكريم، فيا للجمال، مسرح ومكتبة المجمع الثقافي، بل لم يتخلف مسرح نادي ضباط وضباط صف الفرقة السادسة مشاه من إستضافة الفعاليات المدنية، فالفاشر مجموعة التنمية من الواقع الثقافي لا أود الوقوع في فخ السهو فكثر مؤسسين ورواد، لكن لابد من الدعاء بالرحمة لعبدالرحمن توب الحرير، كمال ابراهيم ” فرنساوي” من جيل الرواد.
المدينة الصوفية تصحوا على ايقاع الموظفين وتنام على مديح التجانية ونوبة القادرية، فبين ابراهيم سيدي وود مجوك اختزل الوجد الصوفي لدن الحال هوي .
الجامع الكبير الذي شيد في محراب ” تاية ست مريم “، المعبد الذي تحول لغيره في السودان إلي مبان لاغراض اخري، والكنيسة التي يحضنها حي العظمة، في ٢٠٠٤ حينما نزح المدنيين من جراء قصف الطيران وهجوم الجنجويد إلي مدن المعسكرات حول المدن الكبيرة، شهد التاريخ على تضامن طائفة الاقباط الذين لم يبخلوا بتسيير قافلة إلي معسكر ابوشوك مبادرة من رفعت لمعي روماني واخوته وابناءه، لم يذهبوا وحدهم بل تقدمهم الراحل خليل شقه في تجسيد للحمة السودانية، ذاكرة الفاشر تعرف دكان الخواجة وليم وأمين رمزي وسبقهم ديمتري، كانت المدينة أنيقة تعرف المعارض والبوتيكات والصاغة، كامل الاوصاف، الوردة البيضاء، عبير، امل، احفظ مالك، دنيا دبنقا، باب المدينة، تعرف الطباعة والتسجيل استريوهات الصوت والضوء، النجوم .
الفاشر .. سودان التنوع والسلام، صفارة البداية بين الهلال والمريخ، الموردة والشعلة، الإتحاد واسود دارفور، سباق الخيل، المسارات التي تمضي علي كيفها عالي السينما و الدبة النايرة، السوق الكبير، شباب النيل والمواشي، موقف مليط وبوابة نيالا …و في البال مشاوير العشاق ولمات الاحباب وزفة المولد النبوي الشريف

كلما ذهبت إلى ختام للمقال يفرض الحال سجلا متواصلا بما يجعل الكتابة متصلة لتخرج من طور المقال إلي لون آخر، سأكتفي بذلك كجزء من الكل الذي يحتمل ويحمل المزيد من عبق المدينة وتاريخها التي رغم كل ما يجري من قتل ودمار تشرأب الاعناق فعلها تلمح رايات وقف الحرب البيضاء ترفرف في كل سماء الوطن، فكفي حربا !!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *