في رحلتهم إلى شندي.. النازحون قسريا من شرق الجزيرة مآسي لا تنتهي
كتبت: عافية محمد
شكل تاريخ السادس والعشرين من أكتوبر المنصرم صدمة عنيفة في ذاكرة أهالي قرية السريحة وقرى شرق الجزيرة، إذ تحولت شوارع الأحياء في لحظات لساحة معركة غير متكافئة مع المواطنين وقوات الدعم السريع، والتي شنت هجوما بالأسلحة الثقيلة على القرى في وقت واحد انتقاما من انشقاق قائدها السابق بالجزيرة أبو عاقلة كيكل وانضمامه الى صفوف الجيش السوداني.
بداية الأزمة
الآلآف من النازحين من قرى السريحة والأنصار والفقداب وأزرق جنوب مدينة الكاملين في ولاية الجزيرة وسط السودان خرجوا من منطقة البشاقرة الى مدينة شندي بولاية نهر النيل بعد معاناتهم لعدة أشهر من انتهاكات قوات الدعم السريع، ومقتل 440 شهيدا بالرصاص الحي، حيث فتحت الدعم السريع النار مباشرة على مواطني هذه القرى، وبدأ النازحون رحلة هروب جماعية بحثا عن مكان آمن بعد أن جمع لهم ابنائهم في الخارج تكاليف الترحيل.
رحلة نزوح
وبعد دخول قوات الدعم السريع المدججة بالأسلحة إلى القرى ارتكبت أبشع الانتهاكات التي لم يسلم منها الصغير أو الكبير، وأكد نازحون تمكنوا من الفرار أن من تجرأ وقاوم دفاعاً عن نفسه وعرضه وماله تعرض للقتل الفوري، وحتى الذين سلموا وانصاعوا لم يسلموا من القتل والضرب والاذلال.
وللحفاظ على ما تبقى من أهلهم تحين أهالي القرى وهم متنازعون بين واجب دفن الشهداء وتأمين الأسر وتفادي الوقوع في مصيدة سفاحي الدعم السريع؛ الوقت المناسب لإجلاء الاطفال والنساء والعجزة والمرضى، وتحركوا مشيا على الأقدام لمسافات تتخطى عشرات الكيلومترات عبر مسارات الزراعة ليلا ونهارا.
استهداف
ووفقا لمصادر محلية فإن أهالي قرى السريحة وأرزق وأنصار والقوداب حاولوا التعايش مع وجود الدعم السريع في بداية دخولها لهذه القرى، ولكن الانتهاكات بدأت باستهداف أربعة من الشباب وتصفيتهم بالرصاص، ثم تواصلت عمليات القتل حيث قتل نحو 440 مواطنا على يد قوات الدعم السريع، مع استمرار الإعتداءات على القرى الآمنة.
محاولات أنقاذهم
وقرر أبناء القرى في الخارج دفع كامل تكاليف ترحيل أهلهم الى مناطق آمنة لحمايتهم من انتهاكات الدعم السريع المتواصلة، لكن لم يخطر ببالهم أن أهلهم سيواجهون معاناة أخرى تتمثل في وجود عصابات تابعة لقوات الدعم السريع تقطع الطرق وتفرض مقابلا ماليا على كل سيارة للعبور الى مناطق سيطرة الجيش السوداني، حيث تم فرض مبلغ ستة ملايين جنيه سوداني على كل شاحنة تعبر، وبالفعل تم تأمين المبالغ المفروضة.
ملاحقة
ويقول المواطنون النازحون قسريا إنهم لم ينتهوا من أزمة إلا ولحقت بهم الأخرى، وأضافوا أنه بعد أن تم دفع الأموال التي تم فرضتها الدعم السريع للسماح بمرور السيارات، وجدوا أنفسهم أمام تحدي آخر وهو ملاحقتهم في القرى التي لجأوا اليها في طريق رحلتهم، وهو ما حدث بقرية ود أبو صالح والتكينة.
وقال المواطن مصعب مصطفى وهو شاهد عيان، إن رحلة النزوح شهدت حالات وفيات لأطفال رضع عددهم غير محصور، مضيفا أن النازحين فقدوا كل ممتلكاتهم وتركوا محاصيلهم كما نهبت آلالاف من الماعز والابقار التي يملكونها.
وكشفت مصادر متعددة عن تسجيل عدد كبير من الوفيات بين الأطفال خلال رحلة نزوحهم الى مدينة شندي، وتم تسجيل 8 حالات ولادة.
وكان المرصد المركزي لحقوق الإنسان قد اشار في بيان صحفي الى ان قوات الدعم السريع بتاريخ 25 أكتوبر 2024 استمرت في حملاتها بالاقتحام والمحاصرة والتي تستهدف عددا كبيرا من قرى شرق وغرب وشمال الجزيرة، مما أدى الى سقوط عشرات القتلى من المدنيين في قرى السريحة (50 قتيل، 200 جريح وفقاً للجان مقاومة رفاعة))، أزرق (محاصرة)، الغوماب(13 قتيل)، بالاضافة إلى نزوح عشرات الآلاف من قرى شرق الجزيرة؛ واشار الى ان قوات الدعم السريع تستمر في قتل المدنيين وتهجيرهم قسرا.
مجازر وانتهاكات
فيما قالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان ان منطقة شرق الجزيرة تحولت إلى ساحة مجازر وانتهاكات وحشية، حيث تُرتكب فيها أبشع الجرائم ضد الإنسانية، وسط صمت مريب من المجتمع الدولي.
وأضافت النقابة: “لم تكتفِ المليشيا بقتل المدنيين بدم بارد، بل لجأت إلى ممارسة أبشع أشكال التعذيب والترهيب، مستهدفة الأطفال والنساء والشيوخ دون رحمة. ارتكبت القوات جرائم جنسية ممنهجة، وأضرمت النار في المنازل والممتلكات”.
وناشدت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي بالضغط لفتح ممرات آمنة والعمل الجدي على ذلك لتمكين الصليب الأحمر واطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات من الوصول لمواطني قرى الجزيرة الذين يتعرضون لابادة جماعية من قبل قوات الدعم السريع ولا توجد إمكانية لاسعاف المصابين أو حتى إخراجهم لتلقي العلاج . والذين نزحوا على الاقدام حصد الموت حياة البعض ويتهدد البعض الآخر.
مأساة منسية
وقالت اللجنة في بيان صحفي ان السودان يمر بمأساة منسية ووجع مستمر، ما حدث ويحدث في قرى شرق الجزيرة وانتقل لقرى شمال الجزيرة وغيرها من القرى يصعب وصفه. والجيش غير قادر على حماية المدنيين.
وطالبت المجتمع الدولي بتصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية، ومعاقبة الدول الداعمة لها أو على الأقل اجبارها على وقف دعمها الذي زاد من أمد الحرب ومن معاناة الشعب السوداني