عمالة الأطفال.. الأسر السودانية تدفع فاتورة الحرب والنزوح
تقرير: منى النور آدم
كانت أقصى أمنيات وجدي -15 عاما- والذي يعمل في بيع المياه مستخدما عربة يجرها حمار (كارو)؛ أن يقضي يومه كبقية أقرانه، ورغم أن أمنيته تبدو في غاية البساطة لكنها تمثل تحديا وضربا من المستحيل بالنسبة له، إذا تقع على عاتقه مسؤولية إعالة أسرته التي تتكون من سبعة أفراد، وسط ظروف صعبة تعانيها الأسر السودانية وأطفالها جراء الحرب المدمرة في البلاد.
يقول وجدي لـ”مدنية نيوز” إن والده مريض بالتهاب الكبد الوبائي منذ سنوات، وأنه اضطر عقب نزوحهم إلى ولاية النيل الابيض للعمل في بيع المياه لمساعدة والدته، مضيفا أنه يبدأ يومه مع الساعات الأولى للصباح بإحضار المياه من (الصهريج) والتجول بها في الأحياء، ويجني من ذلك حوالي خمس عشر ألف جنيه في اليوم، يصرفها على أسرته المكونة من ست أشقاء، وحول نظرته للحرب يرى وجدي أن الحرب ضاعفت من معاناتهم وأن ظروفهم أضحت صعبة وقاسية للغاية، متمنياً أن تتوقف الحرب حتى يتمكن من العودة الى مقاعد الدراسة.
غسل الاواني المنزلية
في اتجاه مشابه وجدت فاطمة -صاحبة العشر سنوات- نفسها بين ليلة وضحاها تعمل على غسل الأواني (الصحون) في أحد المطاعم الشعبية بسوق مدينة ربك الكبير، من أجل مساعدة والدتها في تكاليف المعيشة، وتقول إن والدتها وجدت لها هذا العمل حيث تقوم بجمع الاواني وغسلها وفي نهاية الدوام تسدد لها ربة عملها مبلغا ماليا شحيحا تعطيه لوالدتها بكل فرح لمساعدتها في نفقات طعامهم.
تقول فاطمة: “كنت أدرس بالصف الرابع، وكانت أمنيتي أن أصبح طبيبة”، ولكن يبدو أن حلم فاطمة قد تبدد مع الواقع الذي تعيشه اليوم، إذ لم تتمكن من الالتحاق بركب الدراسة ولكنها برغم ذلك لمحت عين الرضا لمساعدتها أسرتها وتخفيف كاهل المعاناة عنهم.
وبحسب تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” فإن هناك حوالي ثلاثة ملايين طفل سوداني خارج المدرسة، يعملون في عدد من الوظائف مثل البناء وتنظيف المنازل وجمع القمامة، ويحظر قانون الطفل السوداني الأعمال التي تؤدي للإضرار بالطفل، إذ يحظر استخدامهم في الأعمال الخطرة والصناعات التي يرجح أن تؤدي بطبيعتها، أو بفعل الظروف التي تزاول فيها إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي، ويجوز لوزير العمل أو من يفوضه -حسب القانون- أن يحدد هذه الأعمال أو الصناعات، واشار قانون الطفل إلى ضرورة حصول الطفل على الحقوق الأساسية كافة من صحة، وتعليم، وحماية، ورعاية اجتماعية وغيرها، واتخاذ العديد من التدابير التي تكافح عمالة الأطفال.
وسيلة لزيادة الدخل
الخبيرة في مجال عمالة الأطفال أماني عووضة، ترى أن عمالة الأطفال في ولاية النيل الأبيض تعد أزمة إنسانية متفاقمة في ظل النزوح تتجسد في عمالة الأطفال، وأضافت أن الكثير من الأسر سواء النازحة والمستقرة لجأت الى تشغيل أطفالها كوسيلة لزيادة الدخل في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة وفقدان مصادر الدخل الحقيقة، وقالت إن الأطفال يعملون في بيئات خطرة لا تتناسب وأعمارهم كصيانة السيارات وقيادة الركشات للأعمار أقل من الثامنة عشرة، وبيع الأطعمة وحمل الأثقال (العتالة) مما يعرضهم لمخاطر متعددة.
وأشارت عووضة إلى أن المخاطر تتمثل في غياب الحماية الاجتماعية، “فالطفل يقضي جل يومه بعيدا عن أسرته حيث يعمل الأطفال في بيئة تفتقر للحماية الاجتماعية، مما قد يعرضهم لإصابات جسدية او الأمراض الناتجة عن التلوث، والاخطر هو التهديدات النفسية التي تهدد تطورهم العقلي والعاطفي” مضيفة أنهم يكبرون سريعا لطبيعة الأعمال التي يمارسونها.
وحول الأسباب التي قادت التي انتشار هذه الظاهرة في الولاية بجانب الحرب والنزوح ترى أماني ان توقف العملية التعليمية بالولاية ساعد بشكل لافت في تنامي الظاهرة، حيث تحولت المدارس إلى مراكز للإيواء مما ساعد في حرمان الأطفال من حقهم في التعليم.
وتؤكد أماني أن الحلول تكمن في ضرورة فتح أبواب المدارس أو إنشاء مراكز تعليمية بديلة وتقديم الدعم الاقتصادي للأسر محدودة الدخل، ولفتت إلى فقدان الكثير من الأسر العائل الوحيد لها ومصادر الدخل، وطالبت بضرورة تنظيم حملات توعية من قبل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني للتبصير بخطورة عمالة الأطفال، وتفعيل القوانين التي تحظر عمالة الأطفال في الأشغال الخطرة، مؤكدة أن كل القوانين الدولية والوطنية تحظر عمالة الأطفال كونها تحرم الأطفال من حقوقهم الأساسية المضمنة في القوانين الدولية والوطنية.
زيادة مضطردة
ومن جهتها قالت الأمين العام لمجلس رعاية الطفولة بالولاية نجاة كوكو، إن عمالة الأطفال تعد واحدة من الظواهر الاجتماعية التي انتشرت مؤخراً في المجتمع والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة الأطفال، “فالفقر يشكل أحد أبرز الأسباب الجوهرية التي تدفع الأطفال للانخراط في سوق العمل، إذ يضطر العديد منهم إلى إعالة أسرهم والمساهمة في توفير الاحتياجات الأسرية، وقد فاقمت حركة النزوح التي شهدتها البلاد مؤخرا عقب الحرب التي اندلعت بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع من تنامي هذه الظاهرة بصورة مقلقة خاصة في الولايات الآمنة”.
وأشارت إلى غياب الاحصائيات لعمالة الأطفال بولاية النيل الأبيض، وعزت ذلك للزيادة المضطردة بعدد النازحين بحكم تصنيف الولاية من الولايات الآمنة، وأبانت أن معظم الأسر النازحة تتكون من الأطفال والنساء، وأكدت نجاة وجود فجوة كبيرة وسط الأسر تتمثل في نقص الغذاء والكساء وتوقف الدعم من قبل منظمات المجتمع، وكل ذلك قاد الكثير من الأسر إلى البحث عن بدائل من أجل تحسين مستوى دخلها.
وذكرت أنه في الغالب يكون الأطفال هم جزء من الحلول بحكم قبولهم العمل بأجور زهيدة، وهذا يصنف نوعا من الاستقلال للأطفال، إذ لا يتناسب الأجر مع العمل، وأبانت أن من أسباب تزايد ظاهرة العمالة توقف التعليم طوال سنتين بسبب تكدس المدارس بالنازحين، وأكدت أن تعطيل الدراسة ضاعف من معاناة الأطفال وقلل من فرصهم في التمتع بحقوقهم الأساسية من تعليم وصحة وحماية، بجانب انشغال الحكومة بتوفير الأمان بحكم الظروف التي تمر بها البلاد وضعف الميزانيات، ونبهت لوجود خطط وبرامج ولكن ضعف الميزانيات يجهض كل تلك المخططات، مضيفة أن الفترة السابقة كانت هناك أولويات في التعامل مع شريحة الأطفال تتمثل في توفير العلاج والكساء والغذاء.
الحلول المطلوبة
وعن الحلول المطلوبة لمعالجة عمالة الأطفال قالت نجاة إن الولاية صاغت عددا من الحلول للحد من عمالة الأطفال وتنظيم مؤتمر يناقش المخاطر والتحديات والحلول في مقبل الأيام، كما يتم العمل على تنوير أصحاب العمل بلائحة عمالة الأطفال وكيفية التعامل مع هذه الشريحة حتى لا يتعرضوا للعقاب وتعميم فكرة التعليم البديل. ونبهت نجاةإلى أن استغلال الأطفال في أي شكل من أشكال العمل وحرمانهم من الطفولة من أسوأ الأمور التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال، إذ أنه يمس بكرامتهم وإمكاناتهم ويعيق قدرتهم على التمتع بحقوقهم الأساسية مثل التعليم والصحة والغذاء، وطالبت بضرورة تأسيس أنظمة شاملة لاستدامة الدعم والمعالجة لقضايا الطفل، ووضع استراتيجية ليتم تنفيذها لمنع والحد من الانتهاكات، وتقوية القوانين والسياسات للحد من عمالة الأطفال.