الثلاثاء, يوليو 29, 2025
مقالات

على دروب الذكرى: حنينٌ إلى طرقات السودان ودفء شعبه الجميل

بقلم: أسامة الصديق

الحنين ليس ترفًا، بل وسيلة للمقاومة والانتماء في واقع تمزقه الأزمات.لكنه في ذات الوقت ليس مجرد عاطفة، بل استجابة واقعية لفشل الحاضر وضبابية المستقبل، في ظل هذه الحرب اللعينة التي فرقت هذا الشعب بين نازحٍ يبحث عن مأوى آمن في وطنه وبين لاجئ هاجر إلى بلادٍ بعيدة، مسافةً ووجداناً، وهجر وطنه الصغير “بيته وأحبابه وجيرانه وذكريات” وفارق وطنه الكبير “السودان” الذي بعيش في حناياه.

الحنين إلى الرفاق والشوارع والأزقة وجلسات السمر هو شعور إنساني عميق ومعقد، يمتزج فيه الارتباط العاطفي بالأماكن التي ارتدناها سوياً نضع الكف على الكف ونسير، أماكن شكّلت ذاكرتنا، نشأنا فيها أو احتضنتنا ونحن نلهو في جنباتها، أماكن كانت ملاذاً لنا آوتنا من ضياع السنين انزوينا في أركانها نجتر الذكريات والحنين، أماكن ازدانت يوماً بالرفاق وزادتهم طولاً، كنا نجري في أرجاءها نلهو ونلعب، وحين يداهمنا الحنين إلى الرفاق والأماكن والطرقات والشوارع التي قطعناه جئية وذهابا، نتلو من حديث الحنين والوله آيات من العشق والذكريات.

هو حنين لا يقتصر على موقع جغرافي أو زمن بعينه، بل هو توق إلى لحظات عابرة كانت تحمل في طياتها الطمأنينة والانتماء. بل هو شوق أماكن ارتفعت فيها ضحكات الأصدقاء وعمت الأرجاء ، الحنين إلى تلك الأماكن هو حنينٌ إلى الضحكة التي كانت تتردّد بين جدران ذلك البيت متهالك الجدران أو بين ذلك الفصل الذي أتخذت احدي الطيور عشاً لها في سقفه العتيق أو ذلك الشارع الذي احتضن ونساتنا العابرة عن السياسة أو الرياضة أو عن المحبوبة.

الحنين إلى تلك الأماكن هو حنين إلى ظلّ صديق يمشي بجانبك دون أن يقطع الصمت حديث الذكريات، هو حنين إلى شارعٍ كنت تعرف فيه كل حجر، وفي كل زاوية من زواياه لك فيها حكاية وقصة وهو حنينٌ إلى مدينةٍ لم تكن فقط مباني تأوي آلاف البشر ولا طرقات يرتادها العمال والطلاب صباحاً، بل هو حنين إلى تفاصيل دقيقة ضمتها تلك المباني وأودعتها أركانها العتيقة، بل هو حنين إلى مشاوير مشيناها في تلك الطرقات ولكل مشوار حكاية ولكل حكاية شخوص، بل كانت نبضات قلب، ومرآة روح، هي ذكريات تركناها خلفنا ولكن ما زالت عالقة في أذهاننا نجترها بين الفينة والأخرى نستعين بها للتغلب على رهق الحياة والبعاد ونتوكأ عليها كلما ارهق الزمان خطانا، هي ذكريات جرت في عروقنا مجرى الدم وأصبحت جزء من تفاصيل حياتنا وتجاوزنا محطاتها ولكنها لا تزال تعيش فينا، تنبض كلما مرّ طيفها في خاطرنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *