الخميس, نوفمبر 21, 2024
مقالات

عام من الثورة السودانية.. الفرص الضائعة والمتاحة لتحقيق الأهداف

بقلم: محمد عمر محمد الخير

يمر علينا هذه الأيام بلوغ ثورتنا التي تعاظم وتجرد خلالها الثوار عام كامل، تفجرت ثورتنا عفوياً نتاج الأوضاع الإقتصادية التي تردت ووصلت مرحلة لا تحتمل نتاج جرائم وفساد نظام الإنقاذ ومدفوعة بتراكم فشل وفساد ذريعين ممتدين منذ الاستقلال، وبفضل تراكم مجهودات ونضالات قلة من خيرة أبناء وعظماء هذا الوطن مضحين ومتفانين على حساب المجد والمكاسب الشخصية ضاربين مثالاً لما يجب أن يكون عليه المثقف وما تفرضه هذه الثقافة من مسؤولية تتنصل منها نخبنا الخربة، إضافة لأثر وسائل التواصل الاجتماعي في التوعية ونقل تجارب دول العالم المختلفة فانتفض الشباب معتمدين على إرث شعبهم رغم حرص الإنقاذ على تغييبهم، لافظين تلك المناهج المدجنة ومستحضرين لألق الشرفاء من شعبهم.

عجزت قوانا السياسية ونخبنا المتقازمة عن توظيف هذه الفرصة لصالح قضايا بناء وتأسيس وطن قائم على الوعي وعلى المسؤولية الجماعية، فقادنا هذا الأمر لما نعايشه من مسخ ثوري وانتكاسات جعلت سقف الآمال والطموحات يتراجع خطوات تحتاج استكمالاً وتصحيحاً لعبث النخب بثورتنا ومكتسباتها البدهية.

لكل ذلك دعونا نتتبع مجترين الإخفاقات والوقائع منذ تفجر الثورة التي تخطى فيها الثوار التنظيمات السياسية والمدنية متيحين براحات لإعادة معالجة الأخلال في بنية الدولة والمجتمع السوداني، فيما تمحورت النخب حول مصالحها الضيقة وصراع رؤاها المنعدمة الأفق كعادتهم التي ورثوها جيلاً بعد جيل.

تمثلت وتركزت الأزمة وصولاً للراهن الماثل في الآتي:

• الأخلال الرئيسية والبنيوية في طريقة تفكير وعمل النخبة السياسية التي تصدت للعمل القيادي وهنا تكمن أولى الأزمات والإشكاليات التي استنزفت كثيراً من الطاقات الثورية ورفعت تكلفة التغيير لتكلفة باهظة كلفت الكثير من الدماء والمآسي والجرائم.

الأمر الذي نجح فيه تجمع المهنيين بجدارة هو إيهام الجماهير الثورية بأنه القائد المفتقد منذ ما يقارب الـ (30) عاماً وتصورت الجماهير أن تجمع المهنيين يتشكل من مهنيين أصحاب مقدرات عالية وآفاق تتخطى ممارسات الأحزاب وطريقة تعاطيها مع الأمور، ولكن الجماهير لم تعلم في ذلك الحين أن العضوية المشكلة للتجمع ما هي إلا أفراد كانوا أو ما زالوا ينتمون لنفس الأحزاب التي يرفضونها، وليست هذه مشكلة بالتأكيد، إن كانت هذه العضوية مدركة لمسالب وخطورة تدخل الأحزاب والجماعات السياسية بلا كابح وبلا قيد بضعفها وأزماتها وغياب الروح الوطنية التي تجعلها تتسامى بقضايا ومستقبل الوطن عن ثقافة الصراع والتآمر. ولكن كيف نطالب نخبة تربت داخل أو بالقرب من هذه التنظيمات الخربة أن تكون قدر المسؤولية التي تصدوا لها دون تأهيل أو مقدرة؟.

• قيام النخب والتنظيمات بإدارة المعركة بواقع تصورات ومتطلبات الماضي (ثورتي أكتوبر 64 وأبريل 85) وهو أحد الأسباب التي جعلت من هذه النخب والتنظيمات عاجزة عن إسقاط الإنقاذ طوال تاريخها، إضافة لإرثها التاريخي – الباذخ – من الفشل والصراع الأجوف مما أفقد الجماهير الثقة والأمل فيها.

• أيضاً لعب عدم اهتمام هذه النخب القيادية بتنظيم نفسها واستعجالها الأمور وتخلفها عن الشارع الذي سبقها وعجزت آفاقها المحدودة على قراءة حركته ومعرفة تاريخه، متجاهلة ضرورة العمل القاعدي لتنظيم الشارع وقواعده الثورية تشبيكاً وبناءً وهوماً عجزت عن فهم ضرورته النخبة المكونة لتجمع المهنيين وكيف لها أن تدرك ذلك وتعمل على أساسه وهي أبعد في طبيعة تكوينها عن استيعاب أو التفكير في ذلك و”فاقد الشئ لا يعطيه” وأضحت نتاج كل ذلك وباستهسال – بل واستهتار رعوي – تعاني عدم الجاهزية والربكة الكبيرة، خاصة في اللحظات الحاسمة والأولى من انتصار الثورة وأداروا المعركة دون تخطيط إستراتيجي بل ومارسوا إقصاءً وتآمراً فيما بينهم.

• نتاج كل ذلك واجهت هذه النخبة القيادية التي اختطفت منها القيادة شلليات من الناشطين المنتمين منهم وغير المنتمين للأحزاب وسيطرت دوائر المعرفة والمصلحة وأضحى التجمع على الهامش حتى نجومه المصطنعين اختطفتهم تلك الشلل والمجموعات المتشابكة المصالح، مما ترتب عليه أخطاءً كارثية، قام باستغلالها النظام البائد -لجنته الأمنية- التي كانت خطواتها استباقية وهادفة للمناورة والخروج بأقل الخسائر الممكنة واستغلال ضعف وتضارب قيادة الحراك لصالح تسوية أسوأ من ما عرف بالهبوط الناعم.

أما أخطاء مرحلة التفاوض وما ترتب عليها من وثيقة دستورية فلا تختلف كثيراً عن المراحل التي سبقتها، وكان أول الأخطاء في من تم اختيارهم كوفد مفاوض بناءً على محاصصات تفتقد لأية معايير أو شروط فحصلنا على وفد ضعيف في ظل غياب كامل لإستراتيجية مدروسة ومعدة لتحقيق الأهداف والمطالب، والتي كانت تستلزم أولاً وقبل كل شئ عقد صفقة قانونية لصالح أعضاء المجلس العسكري تجعل منهم يسلمون السلطة أو على أقل تقدير تجعلهم أصحاب مصلحة في دعم التغيير خاصة وأنهم مشاركين النظام البائد جرائمه التي لا تحصى وكانت بالتأكيد ستمثل لهم فرصة من الصعب تضييعها، مما كان سيكون أفضل بكثير من هذا الوضع الشاذ الذي نعايشه.

كل ذلك أضعف الثورة مهدراً الكثير من قوتها التي عجزت القيادة المرتجلة في توظيفها لصالح كفة ميزان الثورة (باختصار شديد لم نملك قيادة مؤهلة وقادرة على القيام بمسؤولياتها)، وترتب على ذلك عدد كبير من الأخلال احتوتها الوثيقة الدستورية ومنها ما شكل فضيحة تكشف ضعف أو تآمر القائمين على الأمر واستهتارهم في التعامل مع مثل هذا الأمر الخطير. ولكي لا نتحدث بعيداً عن الوقائع والأدلة دعونا نذكر بعض من الأخطاء التي ترتقي لدرجة الجرائم في هذه الوثيقة المايئة بالثقوب ومنها:

1- التنازل عن أهم وأكثر وزارة ذات علاقة بالحياة المدنية والتي تشكل صمام أمان للمجتمع والدولة وهي وزارة الداخلية، متمتعين بسطحية في بث مفهوم المدنية مختزلينها بشعار (مدنيااااااووو) مما جعل مفهوم المدنية يرتبك في أذهان الناس ويتداخل مع مفاهيم أخرى لا علاقة مباشرة لها بالمفهوم.

2- ترك عملية إعادة هيكلة وبناء المؤسسات العسكرية والأمنية للجناح العسكري وحده ودون قيود تجعل من هذه العملية تتم بأسس علمية ومهنية وأخلاقية بل وبمشاركة الشرفاء ممن ينتمون للمؤسسات العسكرية الذين في الخدمة والمعاشيين. بل كان ومن الأجدى معاملتها مثلها ومثل الخدمة المدنية التي خصصت لها مفوضية لإعادة بنائها.

3- إكساب الدعم السريع استقلالية وشرعية يفتقدها والسليم كان أن يحل أو على أقل تقدير يدمج في الجيش عبر معالجات علمية ومهنية.

4- عدم تحديد آلية وطرق اتخاذ القرار داخل المجلس السيادي.

5- أخطاء اللجنة الفنية التي أعدت وقامت بالصياغة القانونية والتي تكونت من عضوين فقط هما (ساطع الحاج وابتسام سنهوري) متخطين الكثير من الأفذاذ في المجال القانوني ومتجاهلين لبعض آرائهم القانونية التي أبلغوا بها اللجنة، مما ترتب عليه وجود وثيقتين مختلفتين – وهي تمثل فضيحة لا شك في ذلك – وأيضاً: ما جاء في (مصفوفة مهام المرحلة الانتقالية العاجلة) من الحوجة لصياغة وثيقة تفصل مهام وصلاحيات مجلس السيادة والوزراء والتشريعي والمؤسسات التي تتبع لهم.

6- أما الطامة والكارثة الأخيرة أن حتى هذه الوثيقة لم يتم تنفيذ أهم بنودها بل ويتم تخطي العديد من تلك البنود ومثال لذلك:

أ‌- عدم تكوين المفوضيات (ومنها 4 مفوضيات يكونها مجلس السيادة وهي: السلام “تم الإلتفاف عليها بالأعلى للسلام”، الحدود، صناعة الدستور، المؤتمر الدستوري والانتخابات، أما مفوضيات مجلس الوزراء فهي 8 مفوضيات وهي: الإصلاح القاوني، مكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة، حقوق الإنسان، إصلاح الخدمة المدنية، الأراضي، العدالة الإنتقالية، المرأة والمساواة النوعية..).

ب‌- عدم تعيين الولاة المدنيين بل والتوقيع على ميثاق مع الجبهة الثورية بعدم تعيينهم حتى الوصول لاتفاقية سلام مما يعد خرقاً للوثيقة الدستورية وخطوة تضرر منها مواطنو الولايات وأعطت فرصة لمجرمي النظام السابق بالإفلات من العقاب.

الراهن السياسي:
نتيجة لضعف وتهاون السلطة التنفيذية لدرجة التقاعس والتجاهل في اتخاذ الإجراءات والتدابير والخطوات اللازمة والمنصوص على أغلبها في الوثيقة تسيطر حالة من التدهور المريع والسريع في جميع النواحي الحياتية والمعيشية. ومن أهم هذه التدابير الاحترازية المتمثلة في القبض على جميع قيادات الحركة الإسلامية والمشبوهين من أسرهم، وتنظيماتهم العنكبوتية الأخرى على المستويات القيادية المختلفة وكل من يشكل خطراً وعليه شبهة من عضويتهم.

الوضع الإقتصادي والمعيشي:
يسير الوضع الإقتصادي من سئ إلى أسوأ وبالتالي الأحوال المعيشية وبوتيرة متسارعة لا تخفى على أبسط الناس، وأحد أهم أسباب هذه الأزمة والتدهور تتمثل في تعيين وزير مالية يفتقد للدراية والمعرفة الإقتصادية في حدها الأدنى ويعتمد نفس سياسات وإستراتيجيات النظام البائد الإقتصادية وصندوق النقد الدولي، مما يشكل موقفاً مضاداً لدوافع وأسباب الثورة، وقل لي هل يمكن قبول التصريح الذي ينم عن سذاجة السيد الوزير الذي يقترح فيه تمويل ميزانية 2020م من عائد بيع ممتلكات المؤتمر الوطني.. فهل هذا تصريح رجل يدعي أنه خبير إقتصادي؟؟!!!، وكل ذلك تتحمله قوى الحرية والتغيير ورئيس الوزراء بسبب غياب البرنامج الإقتصادي الإسعافي في ظل الموات السريري للجنة (قحت) الإقتصادية وتجاهل تام للخبراء.

أما مصفوفة مهام الفترة الانتقالية العاجلة فما هي إلا محاولة للتسويف وبيع الوهم ومحاولة تخدير الجماهير والتغريد خارج السرب، فالمشكلة تكمن في ضعف كوادر الحكومة وعدم مقدرتها على إدارة قطاعاتها نتيجة غياب المؤهل والخبرة.

أصبح الآن لا مناص أمامنا كثوار حريصين على مطالب ثورتنا سوى أن نعيد تنظيم صفوفنا في لجان المقاومة وخلق اصطفاف في جبهة عريضة مستفيدين من هذه التجربة القاسية والمريرة، معلين من شأن المؤسسية والنأي عن أمراض النخب.

ختاماً: التحية للسيد/ وزير الصحة الإتحادي – الرجل القوي والمتحمل لمسؤولياته كاملة بكل صدق وتجرد – والذي أكدت جائحة (كورونا) كفاءته ومقدراته العالية وتحليه بروح الثورة وقيمها باثاً الروح في حكومة ولدت ميتة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *