الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (3)
بقلم: حسين سعد
تخبرنا تجاربنا وتجارب البلدان الأخرى التي انتفضت على جلاديها بأن الدولة العميقة لن تستسلم (بي أخوي وأخوك) والشاهد هنا تحذير حميدتي من (دس المحافير وأنهم قادرون على إخراج المحافير من الذين يدسونها).
محاولات الدولة العميقة لتعطيل وإفشال الحكومة الانتقالية تتخذ أشكالاً عديدة من بينها عدم الاستجابة للقرارات الصحية بشأن جائحة (كورونا)، وهنا يمكن النظر للتحركات المضرة من مسيرات منسوبي النظام المخلوع (الزواحف) الهزيلة، هذه التحركات لن تحقق ما تخطط له لكنها تجعل البسطاء لا يهتمون بقرارات الجهات الصحية، وحسناً أصدرت الحكومة قرار الحظر الشامل للتجوال اعتباراً من السبت الماضي، فالأنظمة المستبدة لا تستسلم بسهولة وتقاوم حتى النفس الأخير لجهة استعادة الكراسي والثروات التي نهبتها طوال (30) عاماً، وتكفي نظرة واحدة لما أعلنته لجنة إزالة التفكيك من فساد القطط السمان الذي طال كل شئ من مؤسسات اقتصادية راسخة مثل السكة حديد والنقل النهري ومشروع الجزيرة والمناقل حتى الأراضي بالعاصمة القومية التي تم الكشف عن أرقام وإحصائيات لإراضٍ كثيرة وفي مناطق مميزة يمتلكها زوجان وقيادات من تنظيم (لا لدنيا قد عملنا).
ملامح الأزمة:
تتميز الأزمات التي تتعرض لها بعض البلدان بالجزئية والمؤقتة لذلك إمكانية السيطرة على تداعياتها ووضع الحلول المناسبة لها ومعالجتها ممكنة، أما الأزمة الخانقة التي تعيشها بلادنا تتصف بحزمة من الملامح الرئيسية والمتداخلة منها أزمات متوارثة منذ الاستقلال مروراً بالحكومات الوطنية، ومنها ملامح خاصة لتجربة النظام المدحور، بينما نخصص الجزئية الأخيرة من تلك الملامح لتجربة تحالف قوى الحرية والتغيير ومن بين هذه الملامح:
(أولاً) سياسية: (52) عاماً من استقلال السودان عاشتها بلادنا تحت أنظمة شمولية ومتسلطة كممت الحريات وكبلت المجتمع بترسانة من القوانين المعادية للحريات والتنكيل بالمعارضين والناشطين والصحفيين ومصادرة الصحف وحرية التعبير ومنع الناشطين والطلاب من حرياتهم واعتقالهم ، وتغول الأمن على كل قطاعات المجتمع.
(ثانياً): اندلاع الحرب بسبب عدم احترام التعدد والتنوع وتعزيزه، ونرى تاريخياً كيف أدى فشل الأحزاب (من قولة تيت) في منح الشعب حكومة تكرس جهودها لحل المشاكل الاقتصادية وقضية الوحدة، حتي جاء انقلاب الجيش على السلطة في 17 نوفمبر 1958م لدوافع عديدة من بينها دعوة رئيس الوزراء عبد الله خليل الجيش للاستيلاء على السلطة، ومن ثم انقلاب مايو بقيادة جعفر نميري وانقلاب الجبهة الإسلامية في 1989م.
(ثالثاً): غياب التنمية العادلة ومشاركة جميع السودانيين في الثروة والسلطة.
(رابعاً): فشل النظام البائد:
تسببت سياسات النظام البائد الخاطئة والفاشلة في تفاقم الأزمة واستفحالها، مما أدى إلى تفكيك وتهديد وحدة وأمن وسلامة السودان والتفريط في السيادة الوطنية، ورهن إرادة الوطن للخارج وتهديد الأمن والسلام الإقليمي وقد نتج ذلك:
(1) النظام البائد كان يمثل ويخدم مصالح فئات الرأسمالية الطفيلية التي تتناقض ومصالح كل فئات وطبقات الشعب الأخرى.
(2) أيديولوجية وخطاب ديني متعالي وعنصري يرفض ويزدري واقع التنوع والتعدد في السودان.
(3) نظام شمولي ودولة بوليسية قائمة ومؤسسة على مصادرة الديمقراطية والحريات العامة وقهر وقمع الآخر.
(4) تحويل أجهزة الدولة القومية من قبل النظام البائد إلى أجهزة تابعة للحزب.
(5) تبني النظام البائد لسياسات التحرير الاقتصادي.
(6) تقديم المصلحة الخاصة واحتقان الجو السياسي وتمزيق الأحزاب عبر النظام البائد وصناعة أحزاب ديكورية لخدمة أهداف النظام المدحور.
(خامساً): الحاضنة السياسية:
فشل تحالف قوى الحرية والتغيير بعد سقوط النظام البائد بأن يكون (حاضنة سياسية) تعين الحكومة الانتقالية، لكن حصل العكس ويرجع ذلك لتغليب المصلحة الشخصية، وجني مكاسب حزبية ضيقة على حساب مصلحة التحالف، والشاهد هنا فشل قوى الحرية والتغيير بأن تكون حاضنة سياسية لحكومة انتقالية جاءت بعد ثورة باهرة مهرت بدماء عزيزة، ثورة أدهشت العالم وكما قال الشاعر محجوب شريف في ثورة أبريل (يا شارعاً سوّا البِدَع).
(سادساً): تناقض قرارات الحكومة الانتقالية وتباين قوى الحرية والتغيير، النموذج هنا يمكن النظر إلى موازنة 2020م والعلاقات الخارجية والتعيينات في الوظائف العامة وتأخير قيام المجلس التشريعي وحكومات الولايات التي تفجرت بسببها حرب البيانات بخصوص الترشيحات التي تم تسريبها وكيفية اختيارها وانسحاب كتل من اجتماع الموافقة عليها، وخلو ذات القائمة (الذكورية) من الدفع بترشيح امرأة واحدة ناهيك عن نسبة (40%)، فالمرأة السودانية هنا لا تتكرم عليها الحرية والتغيير بمنحها مقاعد تضليلية وترميزية كما كان يفعل النظام البائد وبعض الأحزاب السياسية فللمرأة السودانية دور كبير في كل الثورات، خاصة ثورة ديسمبر الظافرة، فلذلك لن تمر هذه القائمة (ساكت) أو كما يقول (الشفاتة) و(الكنداكات) في تحديهم وسخريتهم من أمر ما (هاا واااين ياااا)!!. القضية الأخرى التي يجب الانتباه لها هي الفشل في الوصول إلى سلام حقيقي وشامل خلال فترة الستة أشهر الأولى، وها نحن اليوم في الستة أشهر الثانية ولا نرى جديداً سوى مزيد من التبيان في المواقف وهنا يمكن النظر إلى بيانات (رفاق الكفاح المسلح). وحول القضايا التي تواجه الحكومة الانتقالية كانت جماعة حماية الثورة والسلام والتحول الديمقراطي قد شرعت في إقامة ورشة عمل بالنادي الدبلوماسي الشهر الماضي لمناقشة تلك الموضوعات والخروج بتوصيات تعين الحكومة الانتقالية، لكن بسبب (كورونا) تم إلغاء الورشة استجابة للقرارات الاحترازية التي أصدرتها الجهات المختصة.
المصفوفة:
(سابعاً): تم وضع مصفوفة للفترة الانتقالية ناقشت (4) ملفات رئيسية شملت (21) محوراً تمثلت في الشراكة التي تضم (8) محاور، وينتقد خبراء ومختصون في وضع المصفوفات تلك المصفوفة، وقالوا إنها حادت عن الطريقة المنهجية والعلمية لوضع المصفوفة من خلال تواريخها والتوقعات لما يتم إنجازه وما لم يتم وكيفية قياس تلك التوقعات، عموماً نعود إلى الوثيقة التي تحدثت في ملف الشراكة عن صياغة وثيقة مرجعية تفصل مهام وصلاحيات مجلس السيادة ومجلس الوزراء والتشريعي والمؤسسات، ويتساءل الخبراء عن ما هي الحاجة إلى وضع مرجعية في ظل وجود الوثيقة الدستورية التي يتم الالتزام بها، كما شددت المصفوفة على ضرورة تعيين ولاة مكلفين إلى حين الوصول إلى ترتيبات مع الجبهة الثورية، يرى البعض أن هذه الخطوة جيدة وكان يمكن اتخاذها منذ وقت باكر للحد من الأزمات المتصاعدة بالولايات التي شهدت أحداثاً دموية وانفجارت، لكننا ومع اتفاقنا مع تعيين الولاة إلا أن مسألة الترشيحات وما ورد من أسماء نلاحظ أن فيه ما سيفجر مشاكل بين مكونات الحريات والتغيير، وغياب العنصر النسائي الذي ساهم مساهمة كبيرة في الثورة وفي كل الثورات،(وضعية المرأة تناولناها أعلاه)، ومعلوم أن المرأة قدمت وما زالت تقدم نضالات جسورة، نخلص إلى أن طريقة التعامل مع الأزمات المتوارثة وضعف الحاضنة السياسية، وتردد الجهاز التنفيذي يجعل كل المعالجات الضرورية واللازمة أشبه بإطفاء الحرائق. (يتبع)