الحركة الشعبية شمال ما بين نيفاشا 2005 وجوبا 2021 (1-3)
بقلم: كومان سعيد
لم تكن الحكومات المتعاقبة على كرسي الحكم في السودان ، اعنى الحكومات الوطنية او المسماه وطنيه التي ورثت الحكم من المستعمر الإنجليزي المصري لم تكن وطنية بالمعنى الذي تعنيه الكلمة حيث غلب عليها الطابع الدكتاتوري الشوفيني الثقافي الأيديلوجى .ففي تلك الفترة كانت مصطلحات مثل مصطلح الوطنية Patriotism، الديمقراطية Democracy و الحرية Freedom كانت مصطلحات لم يقصد بها ما تعنيه . اعني ان المثقفين الشماليين والسياسيين في تجربتهم السياسية في الديمقراطيات كمثال لم تتجاوز نظرتهم الجغرافية للوطن حدود الخرطوم والشمال النيلي. فكانت تجاربهم السياسية هي تكرار لنفس سياسات المستعمر تجاه الهامش واعني هنا (الهامش الجغرافي الثقافي لأنني اعتقد ان الجغرافي في السودان هو لصيق الثقافي و ان تشكل الجغرافي الثقافي المتداخل الخرطوم مثلا كان نتيجة سياسات استعمارية وبتالي لا يعكس الحقيقة بل يوهم في كثير من الأحيان).
حيث ان الاضطهاد والقمع قد ساد تلك الفترة فكان عنيفا تجاوز في عنفه المستعمر .فكان الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق وكل الهامش السوداني في تلك الفترة مساحة لممارسة استعمار داخلي بين أبناء الوطن الواحد.
سأحاول هنا الحديث عن اتفاقية نيفاشا محاولا مقارنة ذلك السياق السياسي مع السياق الحالي وما يدور من تفاوض في عاصمة جنوب السودان جوبا.
في الحقيقة لم تكن إتفاقية السلام الشامل نيفاشا 2005 اتفاقية سلام شامل كما نعلم جميعا , فقد كانت في اعتقادي مساومة سياسية بين الحركة الشعبية آنذاك والحكومة ممثلة في نظام المؤتمر الوطني البائد. وكان الهدف منها هو مخاطبة أسباب الصراع في الجنوب بشكل رئيسي وبتالي إعطاء الجنوب الحق في تقرير المصير في المقابل إحتفاظ نظام المؤتمر الوطني بالسلطة في الشمال . سأحاول في هذا المقال التنقل ما بين سياقين تاريخيين مختلفين من حيث الظروف السياسية والتحولات في بنية الدولة ومتفقين من حيث البنية الفكرية و المناخ السياسي فيما يتعلق بالقضايا القومية وهنا الحديث عن اتفاقية نيفاشا 2005 ومنبر جوبا للسلام الجاري حاليا في جنوب السودان.
هناك الكثير من الامتعاض فيما يتعلق بموقف الحركة الشعبية التفاوضي وطرح الحركة القومي من كثير من القوى السياسية، فهل تعتقد الحركة الشعبية أنها تمتلك شخصية الحركة الأم ؟ أليست الحركة الشعبية بعد انفصال الجنوب ليست بتلك القوة وبالتالي لابد أن يكون خطابها يعبر عن مدى قوتها السياسية والعسكرية؟
أستطيع القول أن اختلاف السياق السياسي بين نيفاشا 2005 واليوم يعبر بشكل كبير جدا عن موقف الحركة المبدئي فيما يتعلق بطرح الحركة السياسي، وهي في اعتقادي أصعب مرحلة تفاوضية في تاريخ الحركة الشعبية التفاوضي.
الحركة الشعبية تجد نفسها اليوم تفاوض الحكومة السودانية الإنتقالية في أجندة تمثل جذور مشكلة السودان، أعني بنية الدولة العنصرية، لم يكن من السهل علي الحركة الشعبية في نيفاشا ٢٠٠٥ ان تطرح قضايا الحل الشامل وان تخاطب بنية الدولة العنصرية ، فقد كان النظام الحاكم في الخرطوم نظاما هتلريا سادي غير وطني وبتالي لم تكن مخاطبة جزور المشكلة وبنية التهميش موضع تفاوض، فقد قصر الأمر في مشاكوس ٢٠٠٢ علي تقرير مصير جنوب السودان وولادة دولة جديدة للحركة الشعبية في الجنوب بجانب احتفاظ المؤتمر الوطني بالحكم في الشمال . وبتالي هنا لامكان لي التفاوض حول ديمقراطية الدولة وعلمانيتها او حول الإنتهاكات والإبادات الجماعية التي ارتكبها نظام المؤتمر الوطني في جنوب السودان بشكل خاص، بل كانت مساحه مساومة سياسية بين الجنوبيين والشماليين.
سأواصل في المقالات التالية الحديث عن الإتفاقية بتالتفصيل ومقارنت السياق السياسي في تلك الفترة مع السياق الحالي وبتالي إمكانية الوصول الي سلام شامل عادل.