الجمعة, أغسطس 8, 2025
مقالات

زيارة د. كامل إدريس إلى القاهرة: كسر العزلة أم تثبيت التبعية؟

بقلم السفير: عادل إبراهيم مصطفى

كما كان متوقعًا، استهلّ رئيس وزراء سلطة بورتسودان الانقلابية، د. كامل إدريس، جولاته الخارجية بزيارة قصيرة إلى العاصمة المصرية القاهرة، يوم الخميس 7 أغسطس. ورغم الطابع الرسمي الذي قد يضفيه البعض على هذه الزيارة، فإن السياق السياسي المحيط بها يجعلها محمّلة بدلالات رمزية ورسائل سياسية لا يمكن إغفالها.

من حيث الشكل، فإن اختيار القاهرة كمحطة أولى خارجية لرئيس الوزراء الجديد لا يخرج عن نمط العلاقة الخاصة التي طالما ربطت بين الانقلابات العسكرية في السودان ومراكز القرار في مصر. علاقة اتسمت تاريخيًا بدعم غير مشروط من الجانب المصري لأي سلطة عسكرية في الخرطوم، ما دامت تضمن له امتيازات استراتيجية تتصل بمياه النيل، وأخرى اقتصادية تتعلق بالحصول على الموارد الخام السودانية بأسعار زهيدة، لإعادة تصديرها لاحقًا كمنتجات “صُنعت في مصر”.

وإذا كان د. كامل إدريس يسعى من خلال هذه الزيارة إلى كسر العزلة الدولية التي تواجه سلطته، فإن اختياره للقاهرة تحديدًا يعكس تبعية واضحة لترتيبات إقليمية أعيد تشكيلها على نحو يستهدف تقويض استقلال القرار السوداني، وتحويله إلى تابع ضمن محور إقليمي يفتقر للتوازن. وهي معادلة لا تهدد فقط استقلالية القرار الوطني، بل تنذر بإضرار مباشر للمصالح السودانية في ملفات حيوية مثل سد النهضة، وتقاسم مياه النيل، فضلًا عن الاقتصاد، والتجارة، والهجرة، والأمن الحدودي.

مقارنة مع الزيارة الأولى لحمدوك

في المقابل، لا يمكن تجاهل البعد الرمزي والسياسي الذي ينكشف عند مقارنة هذه الزيارة بالزيارة الخارجية الأولى لرئيس وزراء الثورة، د. عبد الله حمدوك، والتي كانت إلى جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، في سبتمبر 2019.
حينها، حملت زيارة حمدوك رسائل عميقة تعبّر عن روح ثورة ديسمبر، واستقلال القرار الوطني، والاعتراف بخصوصية العلاقة بين شعبي السودان وجنوب السودان، اللذين ما زال يجمعهما نسيج اجتماعي ووجداني متين، رغم الانفصال السياسي الذي فرضته إخفاقات النخب العسكرية والحزبية في إدارة التنوع.

كانت جوبا في تلك اللحظة رمزية لخيارات السودان الجديد: الانفتاح على الجوار الطبيعي، والسعي إلى السلام، وبناء علاقات متوازنة قائمة على المصالح المشتركة والندية والاحترام المتبادل، لا على التبعية والإملاءات.

رسائل التوقيت ومأزق الشرعية

تأتي زيارة د. إدريس في توقيت بالغ الحساسية، إذ تواجه سلطة بورتسودان مأزقًا مزدوجًا على الصعيدين الداخلي والخارجي. فهي عاجزة عن إقناع الشعب السوداني أو المجتمع الدولي بأنها تمثل إرادته أو تملك رؤية حقيقية للخروج من الأزمة المتفاقمة. كما أخفقت، إقليميًا، في كسر العزلة ورفع تعليق عضويتها في الاتحاد الأفريقي.

ويبدو أن السلطة الانتقالية تسعى من خلال هذه الزيارة إلى “تطبيع” انقلابها عبر البوابة المصرية، كما دأبت أنظمة عسكرية سابقة على فعل ذلك في محطات متعددة من تاريخ السودان الحديث.

لكن ما تغفله هذه الحسابات أن الشرعية لا تُمنح من العواصم، بل تُكتسب من الداخل. وأي سلطة تُبنى على دعم خارجي دون توافق وطني جامع، تظل مؤقتة وعاجزة عن الصمود في وجه التحولات العميقة التي يشهدها الواقع السوداني.

خلاصة: العلاقة بين الضرورة والتبعية

ولا خلاف على أهمية العلاقة بين السودان ومصر، فهي علاقة ضاربة الجذور، يربطها التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة. ولذلك، لا ينبغي أن تُفهم هذه المقارنة باعتبارها دعوة للقطيعة أو الانكفاء عن المحيط الطبيعي للسودان، بل هي تسليط للضوء على الفرق الجوهري بين علاقة تقوم على الندية والتكامل، وأخرى تُبنى على الاستغلال والتبعية.

وبينما تستهل السلطة الانقلابية أولى خطواتها الخارجية بإرسال إشارات خضوع إلى الحاضنة الإقليمية، فإن ذاكرة الشعب السوداني لم تُمحَ بعد.

فهو شعب يعي تمامًا الفرق بين من ذهب إلى القاهرة ممثلًا لعسكر صادروا الثورة، ومن ذهب إلى جوبا حاملًا حلم التغيير وكرامة القرار الوطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *