الإثنين, أكتوبر 6, 2025
تقاريرسياسة

الطين والماء والدموع وأحلام تنهار.. السودانيون في مواجهة خطر الفيضان سنوياً

كتب: حسين سعد

ضجت مواقع التواصل الاجتماع بفديوهات تنقل أثار الخراب والدمار الذي لحق بمنازل المواطنين في السودان سواء كان إنهياراً جزئياً أو شاملاً وكذلك المؤسسات الخدمية التعليمية والصحية وغيرها وأيضاً المزارع فقد جرفت السيول الخضروات والطماطم والموز وغيرها ، هذه الفواجع تتجدد كل عام مع موسم الأمطار ، حيت بات شبح الفيضانات ماثلاً أمام السودانيين، حيث تتحوّل مياه الأمطار من رمز للخصب والعطاء إلى نذيرٍ للخراب والمعاناة، تتبدّل ملامح القرى والمدن، وتغمر المياه الطرقات والمنازل، في مشهد يختلط فيه لون الطين بوجوه الأطفال الهائمة، وصرخات النساء الباحثات عن مأوى، وصبر الرجال الذين يواجهون الكارثة بأدوات بدائية وروحٍ مثقلة بالتجارب المريرة.

شعب يقاوم الغرق:

الفيضانات في السودان ليست حدثاً طارئاً، بل هي جزء من مأساة متكررة تكشف هشاشة البنية التحتية، وغياب التخطيط العمراني، وضعف استعداد الدولة لمواجهة الكوارث الطبيعية. غير أن الفيضانات، على قسوتها، تحمل في طياتها أسئلة كبرى عن علاقة الإنسان بالأرض، وعن جدوى السياسات الحكومية في حماية المواطن من الكوارث التي يمكن التنبؤ بها والحد من آثارها،وفي سبتمبر الماضي ابتلع انزلاق أرضي ضخم قرية ترسين في إقليم دارفور بالكامل، مما أدى إلى تدمير المنازل ومصرع العشرات من السكان بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة في انهيار جبلي شرق جبل مرة، وتحولت القرية الواقعة في شرق جبل مرة إلى مقبرة جماعية بعد أن جرفها الانزلاق الأرضي المهول ، ووجدت الحادثة تضامنا وتفاعلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبر المستخدمون عن صدمتهم وحزنهم الشديد، مشيرين إلى أن ما حصل في قرية ترسين بطمرها بالكامل بهذا العدد الكبير من الضحايا يعد من أندر وأسوأ الكوارث في تاريخ السودان الحديث، وفي مطلع الشهر الحالي أعلنت وزارة الصحة بولاية الجزيرة عن وفاة 10 أشخاص وإصابة 26 آخرين جراء السيول والأمطار التي اجتاحت الولاية خلال الفترة من 30 يونيو حتى 29 سبتمبر الماضي، وأشارت الوزارة في تقرير إلى تأثر 2454 أسرة في 55 منطقة، حيث تضرر 1129 منزلاً بشكل كلي و1031 منزلاً بشكل جزئي، بالإضافة إلى 9 مرافق حكومية، وبعد مرور نحوخمسة أيام فقط أعلنت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أن الفيضانات التي ضربت مدينة بحري بولاية الخرطوم تسببت في نزوح أكثر من 1,200 أسرة، في واحدة من أكثر موجات النزوح حدة منذ بداية موسم الأمطار. وأوضحت المنظمة أن خمسة منازل تعرضت للدمار الكامل، بينما لحقت أضرار جزئية بأغلب المساكن الأخرى، ما دفع العديد من السكان إلى مغادرة المنطقة بشكل استباقي. وأشارت إلى أن الأسر المتضررة وجدت مأوى مؤقتاً لدى المجتمعات المحلية المجاورة، في ظل غياب حلول دائمة أو تدخلات عاجلة. هذه الكارثة الطبيعية تأتي في وقت يعاني فيه السودان من اضطرابات أمنية واسعة النطاق، ما يزيد من تعقيد الاستجابة الإنسانية ويضع ضغوطاً إضافية على البنية التحتية المنهكة.

أسباب عديدة:

أسباب الفيضانات تزامنت الفيضانات الأخيرة مع ارتفاع منسوب مياه النيل وروافده، بما في ذلك النيل الأبيض القادم من بحيرة فيكتوريا، والنيل الأزرق المتدفق من مرتفعات إثيوبيا. هذه العوامل الطبيعية، إلى جانب الأمطار الغزيرة التي تشهدها البلاد خلال موسم يوليو إلى أكتوبر، ساهمت في غمر مناطق واسعة من ولايات الوسط ونهر النيل والشمالية والخرطوم، ووفقاً للبيانات الرسمية، فإن أكثر من 125,000 شخص تأثروا بالأمطار والفيضانات منذ 30 يونيو، ما يعكس حجم التحدي الذي تواجهه السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية في احتواء الأزمة. وتُعد الفيضانات الموسمية في السودان ظاهرة متكررة، إلا أن هذا العام شهد تصاعداً غير مسبوق في حدتها، بالتزامن مع النزاع العسكري المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع، أسباب الفيضانات في السودان رغم أن العوامل الطبيعية تلعب دوراً محورياً في تفجر الأنهار وغمر الأراضي، إلا أن الفيضانات في السودان نتاج تداخل معقد بين الطبيعة والبشر، وضعف البنية التحتية وغياب السدود الصغيرة ، وقلة المصارف المائية، وانسداد مجاري التصريف في المدن الكبرى مثل الخرطوم، كلها عوامل تسرّع تراكم المياه وتحويلها إلى سيول جارفة، فضلاً عن سياق الحرب الكارثية وتداعياتها ، ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، تحولت الأزمة السودانية إلى أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم خلال عامي 2024 و2025، ما فاقم من هشاشة الوضع الإنساني، وجعل التعامل مع الكوارث الطبيعية أكثر تعقيداً.

في الختام:

إن الفيضانات في السودان ليست مجرد مياه تجتاح الأراضي وتترك خلفها خراباً، بل هي مرآة تعكس حجم التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع. هي امتحان لقوة البنية التحتية، وقدرة الحكومة على حماية مواطنيها، ومدى استعداد المجتمع المدني للتضامن في وجه الكوارث.

لكن الكارثة – مهما عظمت – يمكن أن تتحوّل إلى فرصة لإعادة التفكير في التخطيط العمراني، وبناء شبكات صرف فعّالة، وإنشاء سدود وخزانات صغيرة تساهم في تنظيم جريان المياه. فرصة لإدماج التكنولوجيا الحديثة في التنبؤ بالفيضانات والحد من آثارها. فرصة أيضاً لإحياء روح التكافل السوداني التي طالما كانت حائط الصد الأول أمام المصائب.
الفيضانات ستظل جزءاً من الواقع السوداني الجغرافي والمناخي، لكن تحويلها من لعنة إلى نعمة يتطلب إرادة سياسية حقيقية، واستثمارات في البنية التحتية، ورؤية تنموية تجعل من مياه الأمطار مصدراً للرخاء لا سبباً للفناء.

حينها فقط يمكن أن يتحرر السوداني من قلق موسمي يلازمه كل عام، ليحتفي بالمطر كهدية من السماء، لا كعقاب متجدد، لكن ذلك يتطلب وقف هذه الحرب الكارثية ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *