رفع السودان من قائمة الإرهاب.. الانفتاح الدولي وتحديات الانتقال الديمقراطي
تقرير: محمد إبراهيم الخليفة
على بعد أيام من الذكرى الثانية لثورة ديسمبر المجيدة، وبعد 27 عاماً ظل السودان في قائمة الحظر الأمريكية (الدول الراعية للإرهاب)، فالشارع السوداني يطرح العديد من الأسئلة حول هذه الخطوة، ومن ضمن تلك التساؤلات، (ماذا بعد رفع اسم السودان من هذه القائمة؟، وكيف يمكن أن تسهم هذه الخطوة في كبح جماح التضخم وتنعكس إيجاباً على حياة الملايين من السودانيين؟، وهل المؤسسات النقدية والمالية السوانية مستعدة للاندماج في المؤسسات المالية الدولية أم أن هناك الكثير من التشوهات الداخلية التي تحول دون استفادة البلاد من الانفتاح؟).
كما تشمل التساؤلات: (هل للحكومة خطة واضحة لحلحلة المشاكل الداخلية المتجسدة في تعديل وصياغة القوانين التي تحكم المصارف؟، وكيف للحكومة أن تتعامل مع قوانين الاستثمار الموروثة من النظام المخلوع، التي تحُول دون تدفق الاستثمارات الأجنبية للسودان؟، وكيف يستفاد من هذه الخطوة في دعم عملية السلام؟، وكيف يمكن إحكام ولاية وزارة المالية على المال العام، لا سيما وأن هنالكا قتصاد ضخم خارج سيطرة الوزارة يتبع للمؤسسات الأمنية؟، وما مدى تأثير قانون الكونغرس الأمريكي القاضي بتعزيز التحول الديمقراطي ويؤدي لانتقال الشركات الأمنية لوزارة المالية.
وبعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب في 14 ديسمبر الجاري، أكدت وزارة الخزانة الأمريكة، أنها تعتزم العمل مع السودان للمساعدة في سداد متأخراته في المؤسسات المالية الدولية وتعزيز جهود السودان لتأمين تخفيف الديون في عام 2021.
وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الاثنين: (نثني على دعوات الشعب السوداني من أجل الحرية والسلام والعدالة، ونهنّئ أعضاء الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون بشجاعتهم في العمل على تحقيق تطلعات المواطنين الذين يخدمونهم).
يذكر أن أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يسهم في حل مشكلة ديون البلاد الخارجية التي تقدر بـ(60) مليار دولار، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في إعفاء ديون البلدان الأكثر فقراً، فضلاً عن أن القرار يساهم في فك تجميد أموال السودان المجمدة في الخارج.
آثار الكارثة وتحديات
منذ عام 1993 تاريخ تطبيق الحظر الأمريكي على السوان حتى تاريخ شطب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، قدر خبراء وأكاديميون خسائر السودان بما يفوق (500) مليار دولار، ووضعت البلاد في عزلة دولية وانعكس هذا القرار على حياة المواطن السوداني، وتبعه انهيار شبه كامل في البنى التحتية والتنمية والإنتاج، مما أجبر السودانيين على اللجوء للأسواق البديلة (كينيا والإمارات) والوسطاء الذين يضعون هوامش الربح على رجال الأعمال السودانيين، وغيرها الكثير من الآثار التي توصف بالكارثية التي عانى منها الشعب السوداني.
وأكد الباحث الاقتصادي محمد عبد الباقي، في إفادته لـ(مدنية نيوز) أمس الأول أن هناك تحديات ماثلة تحول دون الاستفادة القصوى من رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وشدد على أن تلك التحديات هي عوامل داخلية تتطلب الحسم والجدية من الحكومة الانتقالية، ونبه إلى أن القطاع المصرفي لا يمكنه التكيف مع الوضع الجديد ما لم تحصل تغييرات جوهرية في البنية الهيكلية للمصارف حسب توصيات المؤتمر الاقتصادي القومي، وتحديد دور بنك السودان المركزي بشكل واضح وسيطرته ومراقبته لبقية المصارف، وأبدى استغرابة في تجاهل الحكومة للقطاع المصرفي طوال الفترة السابقة حيث لم تحرك حكومة الثورة ساكناً في تغيير مدراء البنوك، ولفت إلى أن أي إصلاح اقتصادي تكون ضربة البداية فيه بالإصلاحات في القطاع المصرفي .
وأثنى الباحث محمد عبد الباقي، على إصدار رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، قرارًا الأسبوع الماضي يصب في هيكلة الجهاز المصرفي، وكان القرار قضى بتشكيل لجنة لدراسة النظام المالي وإعادة النظر فيه، واعتبر عبد الباقي أن هذه الخطوة تساهم في تسهيل تدفقات أموال السودانيين العاملين بالخارج، وتدفق الاستثمارات الأجنبية التي تساهم في خلق فرص عمل جديدة، وتصب في مصلحة تقوية العملة المحلية.
الولاية على المال العام
الأسبوع الماضي أصدر الكونغرس الأمريكي قانونًا يصب في دعم الانتقال الديمقراطي، ويؤدي لانتقال كل الشركات الأمنية والعسكرية لوزارة المالية وضرورة وضع إصلاحات اقتصادية، ويرتكز القانون على الشفافية والمحاسبة.
وعشية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب عقد رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك مؤتمراً صحفياً، واعتبر مراقبون أن هذا المؤتمر كان الأقوى لرئيس الوزراء منذ توليه المنصب، وفي رده على آثار القانون الأمريكي على تعزيز الانتقال وتحقيق ولاية وزارة المالية على المال العام، قال حمدوك: (الشركات الحكومية والعسكرية يجب أن تخضع للشفافية المالية، ولا يمكن أن تدير موارد الشعب السوداني دون شفافية، لكن نحن نواجه تحديات في وضعية هذه الشركات ونسعى إلى تقديم مقترحات من بينها تحويل الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية ذات الشق المدني إلى شركات مساهمة عامة).
وتابع رئيس الوزراء: (يمكن للمؤسسة العسكرية الاحتفاظ بشركات الصناعات الدفاعية لأن أغلب جيوش العالم تستثمر في الصناعات الدفاعية، ورأى أن القانون الصادر عن الكونغرس الأمريكي يساعد على الانتقال الديمقراطي في السودان.
واللافت للنظر أن هذا القانون يعزز ويدعم المكون المدني في السلطة، ويعد كابحًا لأطماع العسكريين في الانقلاب على السلطة، ويقطع الطريق أمام التفكير في أي انقلاب على السلطة أو العودة للنظام القديم عبر القوات المسلحة.