أمي خيرمنو.. يا دمعي الإتشتت وغلب اللقاط
ولدك: حسين ود خيرمنو
في الثالث من نوفمبر 2025م رحلت أمي خيرمنو ، وانطفأت في بيتنا بالخرطوم شعلة كانت تهدي وتدفئ وتستقبل الجميع بسعة القلب وكرم الروح. وعندما اقامت النساء في الخرطوم بالسلمة مربع 2 ختمة قران ارسلت لي سماح حسن بت خالتي محاسن جيراننا في الخرطوم صور لختمة القران بمنزلنا ، رايت تلك الصور للنساء العظيمات لكن افتقدت امي خيرمنو العظيمة، لا أحد يستعد لفقد الأم، ولا أحد يستطيع أن يهيئ نفسه للحظة يغيب فيها ذلك الحنان الذي كان يحرس أيامه دون شروط. ومع ذلك، حين جاء الرحيل، اكتشفتُ أن أمي لم تغادر تمامًا… تركت من بعدها أثرًا يمتد في كل زوايا حياتي، في الذكريات التي تحفظها الجدران، وفي الوجوه التي أحبتها، وفي الطرق التي مشت فيها برفقٍ وكرامة، وعندما تحدثت مع اختي عواطف بمنزلها بالريحانة الكبيرة قالت لي مازال المعزيين ياتو اليها من قري ومدن الجزيرة بعضهم لا تعرفهم ، امي خيرمنو التي كنت اكتب اسمي باسمها في عيد الأم في مارس من كل عام، كان لها قلبٌ يشبه وطنًا صغيرًا كانت أمي، كما يعرفها كل من اقترب منها، امرأةً لا تشبه إلا نفسها. كريمة اليد، شفوقة، سريعة المبادرة لفعل الخير، وصاحبة روحٍ محبة للحياة رغم كل مشاقها.
كانت تؤمن أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن الطبخ ليس إعدادًا للطعام بل جمعًا للقلوب حول مائدة واحدة.
وكانت ترى في الضيف نعمة، وفي المحتاج فرصة لبسط إنسانيتها، وفي اليتيم ولدًا، وفي الجار أخًا.
قد تربينا على يديها ونحن نرى كيف تفتح بابها للجميع، وتعطي قبل أن يُطلب منها، وتواسي دون أن تُظهر أنها تتألم مثل الآخرين.
كانت أمي خيرمنو تجمع بين الحكمة والبساطة. تحب الناس وتأنس بهم، ويحبونها بصدق يشبه محبة الابن لأمه مهما طال الزمن.
امي خيرمنو كانت جميلة وسمحة ومشلخة مطارق ، هذا الجمال لا تراه العين وحدها لم يكن جمال أمي مظهرًا خارجيًا فحسب، بل كان جمالًا يسكن السلوك، وتفيض به الطيبة، ويبرق في النظرة الحنونة التي تسبق الكلمات. كانت بابتسامتها تستطيع أن تُطفئ غضب يومٍ كامل، وبكلمة منها يشعر المرء أن الدنيا ما زالت بخير.
جمالها الحقيقي كان في خصالها: في صبرها، وبركتها، واستقامتها، وحضورها البهيّ. كانت من النساء اللاتي إذا دخلن مكانًا أضاء… لا بضجيج، بل بطمأنينة.
وعندما رحلت أمي، لم يكن الفقد فقدي وحدي، بل كان فقدًا للجيران، والأقارب، والأصدقاء، وكل من عرفها. أقيم عزاؤها في الحليلة الشيخ موسي أولًا، وهنالك دفنت مع اهلها وامها واخوانها واخواتها ومع زوجه سعد الذي حملت جثمانه في السبعينات من الخرطوم وجاءت به الي موطنها في جسارة تحسب للمراة السودانية وكان حضورها بالجثمان من الخرطوم الي الجزيرة حديث الناس، كيف لا تدفن بجوار حبيبها وزوجها الذي كان يغني لها يا دمعي الاتشتت وغلب اللقاط وهي اغنية الفنان الراحل عبد العزيز ابو داؤودـ أمي عرفها الناس عن قرب، في الخرطوم وفي قري الجزيرة الحليلة والكسمبر وكلكلول والجميعابي وطيبة النعيم وحلة حمد والترابي والريحانة الكبيرة والصغيرة والدبيبة عبد الله والمعيلق وحلة موسي مرتع صباي والجملون والحلاوين سعدانة والدبيبة الدباسين والعقيدة وام شجيرة والمحريبا الفكي عمر وحيث كان بيتها مفتوحًا دومًا. امتلأ المكان بالمحبين، رجالًا ونساءً وأطفالًا، وكلٌّ يروي قصة من حبها أو عطائها أو موقفٍ ظل عالقًا في ذاكرته.
ثم امتد العزاء إلى الخرطوم، حيث تجمّع أبناء الأسرة والأهل والمقيمون هناك، فصار المكان كأنّه قطعة من الكاملين، تحمل نفس الدموع ونفس الدعوات ونفس الحنين.
وعلى الرغم من البعد، فقد جاء الناس من مختلف الأطراف، سودانيون وكينيون، وكلهم ينعونها بصدق وكأنهم فقدوا أمًا لهم. كان ذلك أبلغ دليل على أن الأم ليست شخصًا عابرًا، بل وطنًا في حد ذاتها، يسافر أثره عبر القلوب مهما ابتعدت الجغرافيا.
بصمتها التي لا تزول بعد رحيلها، بدا كل شيء مختلفًا. لكن كل ما تركته أمي فينا يجعل الفقد أقل قسوة. تركت لنا قيمًا لا تَفنى: محبة الناس، الرحمة، الصدق، الصبر، ونقاء القلوب. تركت لنا دعواتها التي ما زالت تحرس خطانا. تركت لنا طريقة في الحياة… تمشي بخطى ثابتة مهما كان الطريق صعبًا.
امي خيرمنو لا اعرف كتب اكتب في مارس القادم عنك وعن الهدايا التي احضرها لك وقد كانت خالتي فاطمة والدة زميل ايمن سنجراب تشاركك فرحة عيد الام ، يا امي لقد بكا سنجراب رحيلك وكان يطلب مني ان يذهب الي الكاملين ، ايمن يا امي ما طلع من الخرطوم وظل فيها معي والدته خالتي فاطمة ، امي خيرمنو لم تموت نعم
. رحلت… لكنها ما تزال تكلمني بصوت الدعاء القديم.
رحلت… لكنها باقية في قلبي ما بقيتُ أنا.
إنها كانت خير الناس، وإن رحيلها كشف لنا كم كانت عظيمة، وكم كانت الدنيا أجمل بوجودها.
رحم الله أمي رحمةً واسعة، وجعل قبرها روضةً من رياض الجنة، وأنزل على قلبها السلام كما أنزلت على قلوبنا الطمأنينة طوال حياتها فقولي لي كيف اكتب عنك في عيد الام القادم وماهي الهدية التي احضرها لك يا ست الحبابيب ويا المشلخة مطارق.

