من رحم الألم تولد القوة.. ناجيات الاغتصاب يكتبن فصول الصمود
نساء السودان… وجعٌ لا يُروى وجسارة لا تُقهر
تحقيق: مدنية نيوز
خلف خطوط النار، وبين ركام القرى والمنازل المحترقة،وخيام النزوح الممزقة من لهيب الشمس وهطول الأمطار تبدأ حكايات لا تُروى بسهولة، حكايات نساءٍ تمزّقت حياتهنّ بين لحظة إغتصابٍ قاسية، ومجتمعٍ لا يرى في الألم إلا عارًا يجب دفنه في الصمت، نساءٍ وجدن أنفسهن فجأة في مواجهة العنف الجنسي كسلاح حرب، تُستخدم أجسادهنّ لإذلال جماعات بأكملها، وكأن الألم الفردي أصبح أداةً لمعاقبة مجتمعٍ بأسره. لكن رغم فداحة الجرح، لم تُهزم هؤلاء النساء — بل إخترن الصمود في وجه مجتمعٍ يحمّلهن العار بدل أن يحتضن جراحهن، وسط هذا الظلام، تولد من بين الدموع قوة لا تُقهر، نساءٌ قررن أن الحياة لا تنتهي عند حدود الجريمة، وأن أجسادهنّ ليست ميدانًا للعار، بل شاهدًا على الصمود، تقف النساء على حافة الوجع والنجاة معًا، نساءٌ جُرّدن من الأمان، وتحوّلت أجسادهن إلى ساحاتٍ للصراع ورسائل للترهيب، لكنّ كثيراتٍ منهنّ رفضن أن يكنّ ضحايا صامتات، فبين وصمةٍ تطاردهنّ في المجتمع، وصمودٍ يُعيد لهنّ معنى الوجود، يكتبن فصولًا جديدة من المقاومة اليومية — مقاومة لا تحمل السلاح، بل الإرادة والعزيمة والإيمان بأنّ الكرامة لا تُسلبليست هذه حكاية ألمٍ فقط، بل شهادة على قوة لا تُكسر. ففي كل قريةٍ أو معسكر نزوح أو مركز إيواء ، في كل عينٍ تحدّق في الغياب، تطل حكاية امرأة قررت أن تنهض من تحت الركام، وهي تواجه مجتمعًا يلومها بدل أن يواسيها، ودولةً غابت حين إحتاجتها، هذه هي حياة ما بعد الاغتصاب في السودان: معركةٌ صامتة ضد الخوف، وضد الذاكرة، وضد العالم الذي كثيرًا ما يشيح بوجهه عن النساء حين يصبحن رماد الحرب.
تعميق معاناة النساء:
وعمق الصراع المشتعل في السودان معاناة النساء السودانيات اللاتي وجدن أنفسهن وسط نزاع يُستخدم فيه الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح لتركيعهن وإذلالهن وإهانة المجتمعات، وقد عانت مئات النساء والفتيات من العنف الممنهج والتحرش والاستغلال الجنسي، لكنهن رغم ذلك لم ينكسرن ويحققن أهداف المعتدين، بل قدمن درساً جديداً في الصمود والإستمرار في الحياة والتعافي بالعمل والمثابرة والتماسك والتعاون لمساندة وإطعام الأسر، ومقاومة سياسات واستراتيجيات العسكر، وتمكنت بموجب ذلك الكثير من النساء والفتيات السودانيات من وقف التأثير المدمر للاعتداءات الجنسية على حياتهن وعلاقتهن بالمجتمع والأسرة، في معسكرات النزوح وفي المدن التي نزحن إليها من الحرب، يحملن وجوهًا تبدو ساكنة، لكن وراءها براكين من الغضب والتمرد، بعضهن إخترن المواجهة والحديث علنًا، وبعضهن ما زلن يحاربن بصمت خوفًا من النظرات القاسية، ومن مجتمعٍ يقسو عليهن أكثر من الجناة، وسط هذه المواجع نشطت منظمات وطنية ودولية في كسر جدار الصمت، وتوفير الدعم النفسي والقانوني، لكن الطريق ما زال مليئًا بالألغام الاجتماعية والدينية والثقافية، فالوصمة لا تأتي من الجريمة نفسها، بل من مجتمعٍ يُجرّم الناجية بدل أن يحميها، ومع ذلك، فإنّ هذه النساء يقدن معركة من نوعٍ آخر — معركة البقاء بكرامة. إنهنّ يربّين أبناءهنّ، يتعلمن، يعملن، ويحوّلن جراحهنّ إلى شواهد على الشجاعة، في كل خطوةٍ يثبتن أنّ الاغتصاب لا يُنهي الحياة، بل قد يكون بدايةً جديدة لوعيٍ نسويٍّ أشدّ صلابة ، هذه ليست مجرد قصص ألم، بل شهادات على أن الصمت لم يعد خيارًا، وأن النساء في السودان، رغم الوصمة، يكتبن فصلاً جديدًا من الصمود الإنساني الذي لا يُقهر، بعد عام من اغتصابها وقتل زوجها ووالده أمام أعينها؛ وقفت حليمة اليوم للعمل في الموسم الزراعي لتوفير الطعام لابنائها الصغار خوفا من الجوع بعد تلقيها الدعم النفسي. عام كامل أرغمت فيه حليمة على كتم أمر اغتصابها من قبل قولت الدعم السريع بعد تهديد من رجال أسرتها بعدم الحديث عنه باعتباره يجلب العار للاسرة.

نساءٍ انتصرن على الصمت
حليمة ليست وحدها التي ارغمت على السكوت على ما لحق بيها فهنالك الآلاف من النساء السودانيات لم يتم التوثيق لما تعرضن له من إنتهاكات وإغتصابات خوفا ًمن الوصمة الاجتماعية، قد تكون حليمة إحدى المحظوظات حيث خضعت لعلاج نفسي بعد إحدي عشر شهراً، وتخطت بعده ماحدث لها من إغتصاب وعنف تسبب لها في مشاكل نفسيه تسببت في رفضها العمل والخروج من المنزل، ملف الانتهاكات الممنهجة التي وقعت على النساء السودانيات بحسب منظمات حقوقية يحتم على المنظمات الإنسانية العاملة في المجال النظر لما يترتب على الاغتصاب وحياة الناجيات بعد اغتصابهن ومايواجههن من عزلة مجتمعية وتهديد من اسرهن وربما تصفيتهن خوفا من العار، حليمة التي نزحت من أحدي القري بدارفور في نهاية عام 2024م أم لثلاثة من الابناء اغتصبت من قبل قوات الدعم السريع بعد هجومهم على القرية ليلا، تم نهب ممتلكاتهم وقتل زوجها ووالده امام عينها.
تقول حليمة لـ”مدنية نيوز”: “نزحت إلى الدلنج ولم أتلقيإي نوع من العلاج لاني تكتمت على أمر إغتصابي بعدما هددني رجال أسرتي وطلبوا مني عدم الحديث لانه عار عليهم”، وتضيف ظللت أعاني عام كامل من ماحدث لي وأصبحت لا أتكلم ولا أختلط بالناس الى ان وجدت جهات تعمل في الدعم النفسي للنساء وخضعت للعلاج : إتعالجت عشان اولادي صغار والوضع هنا صعب لكن انا قادرة عشان اولادي
بقدرتها هذه اليوم وقفت حليمة في كشك صغير أمام منزلها بجانب عملها في الزراعة لمواصلة دورها في تربية ابنائها كالاف السودانيات اللاتي ساهمن مع أسرهن في تأمين الطعام لأسرهم خوفا من الجوع. حليمة واحدة من 17 حالة موثقة بمدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان تم اغتصابهن من قبل الدعم السريع وحالتين تم اغتصابهن من قبل حركات مسلحة..
الوصمة جرحٌ لا يندمل:
ومن جهتها تقول معالجة نفسية لـ”مدنية نيوز” فضلت حجب إسمها لدواعي أمنية : إن بين 17 امرأة تم التوثيق لهن بينهم فتاتين، واشارت إلى أن حالتهم النفسية كانت سيئة بسبب الصدمة وماتعرضن له من وحشية وعنف، وكشفت عن وجود أعداد كثيرة لم يتم التوصل لها بسبب التحديات وتكتم الأسر نفسها على الاغتصاب خوفا من العار.
وقالت ان بعض الحالات تم التدخل النفسي لهن وتجاوزن الأزمة، لكن هناك أخريات مازلن تحت تأثير الصدمة وبحوجة لكثير من التدخلات والدعم النفسي وبعضهن في المنازل يصعب الوصول إليهن، وتشير المعالجة إلى أن اربعة فقط من عدد 17 امرأة تم اغتصابهن في الدلنج رجعن لممارسة حياتهم العادية واضافت (الباقيات موجودات داخل البيوت ماقدرنا نتابع حالاتهم النفسيه نسبه لتحديات).
مما يؤشر إلى أن الوصمة الاجتماعية والخوف من العار تسبب في عدم تعافي الناجيات من العنف الجنسي . البحث عن الغذاء دفعت سيدو هي الأخرى ثمن وقوفها ضد الجوع لإنقاذ أسرتها حيث تعرضت للاغتصاب والضرب من قبل قوات الدعم السريع في أحدي قري غرب مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان. كانت سيدة برفقة عدد من النساء يبحثن عن مواد غذائية وأموال نقدية لعدم وجودها في الدلنج بسبب الحصار، تقطع النساء عشرات الكيلومترات للوصول إلى الكدر ومنها إلى منطقة الفرشاية.

ناجيات بلا عدالة:
تقول سيدة فضلت حجب إسمها لاسباب أمنية في حديثها لـ”مدنية نيوز”: إنها تعرضت لاغتصاب وضرب من الدعم السريع في أحدي القري التي تقع غرب الدلنج بمسافة 18 كيلوا تقريبًا”، وتضيف انه في يوم 5 اغسطس 2025 بعد ذهابنا لقرية الفرشاية وأخذنا بعض إحتياجاتنا وفي الطريق حوالي الساعة الواحدة ظهرا تمت ملاحقتنا بعدد 2 عربة عسكرية للدعم السريع، وتم ضربنا وتعذيبنا والاساءة لنا، وتم اتهامنا بأننا نساء عسكريين في الجيش، وتم إقتيادنا الى مدرسة مهجورة في أحدي القري، وتم حجزنا لمدة 6 ايام، وكان يتم اغتصابنا في كل ليلة وبعدها في اليوم السابع كانت لديهم معركة في الطريق فهربنا جميعنا وبطريق مختلف الى ان وصلنا مدينى الدلنج، وبعد أيام ذهبت سيدة الى المستشفى واخدت عددا من العلاجات وتلقت خدمات الدعم النفسى لمدة 9 ايام وتقول “قررت ان اواصل مسيرتي ورجعت الى زراعتي التي اهملتها واحضتنت ابنائي وبدأت اتجاوز تلك المحنة لان الحياة لا تتوقف”.
وسيدة هي معلمة للاطفال وام لأربعة من الابناء تحاملت على مأساتها واغتصابها لـ6 ايام متتالية وضربها واسائتها لمواصلة دورها في تربية ابنائها.
نزوح وإغتصاب لم يكفها النزوح شرهم ولم تنجو كما أرادت عندما نزحت بأسرتها من لقاوة، هذه نورا التي تسكن بمخيم لقاوة بمدينة الدلنج اغتصبت من قبل 3 اشخاص يتبعون للدعم السريع في منطقة الفرشاية أثناء بحثها عن غذاء لابنائها الصغار. في العاشرة ليلا وأثناء عودتها تم اختطافها مع أخريات واتهامهم بأنهم تابعات للجيش السوداني، وتقول نورا لـ”مدنية نيوز” “تمت اساءتنا وضربنا وحبسنا في مدرسة الضليمة لمدة 3 ايام كانت في كل ليلة يتم اغتصابنا انا تحديدا تم اغتصابي من ثلاثة افراد وفي اليوم الثالث جاء احد قادتهم وتم اطلاق سراحنا”.
عانت نورا شهرا كاملا وظلت حبيسة بالمعسكر لا تريد رؤية أحد لكن بعد شهر وجدت أن ابنائها بدون غذاء خاصة أنها المعيل الوحيد لهم بعد وفاة زوجها. تقول: “لقيت اولادي جعانين فقررت اني اعمل بالسوق وان لا اهتم بالماضي واولادي ليس لديهم غيري علما بأن زوجي توفي في أحداث لقاوة والان الحمدلله انا بخير”.
البحث عن الكاش معاناة اخرى تعاني منها السودانيات حيث يتم ارغامهن على عدم الحديث مطلقا لما يتعرضن له مما يضاعف معاناتهن ويفاقم ازمتهن. إذ اغتصبت السيدة عفاف مع خمس نساء من قبل قوات الدعم السريع، لكنها بعد تلقي الدعم النفسي والعلاج تمكنت من الرجوع الى عملها.
وتقول عفاف “طُلب مني اخفاء الامر من الجميع لانه عار.. تحاملت على نفسي حتى لا يعرف الناس ما حدث لي، عانيت لوحدي لا استطيع ان ابوح بما حدث لي.. امروني بالصمت وصمت، لكني لجأت بعد شهر كامل إلى مدافعات عن حقوق النساء واخدت العلاج وجلسات الدعم النفسي.. الان انا في السوق لاجل ابنائي.

واجهن الحرب والمجتمع… وقررن النجاة
وفي المقابل كشفت الدكتورة أديبة ابراهيم السيد أخصائية الباطنية والاوبئة وعضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، كشفت في وقت سابق، عن إرتفاع حالات الاغتصاب التي تم تسجيلها في المرافق الطبية المختلفة إلى 481 حالة واوضحت في حديث مع “مدنية نيوز” ان عدد حالات الاغتصاب منذ بداية الحرب سجلت نحو 61 حالة اغتصاب ثم بلغت 370 حالة في كل السودان حتى وصلت 481 حالة اغتصاب.
وأشارت الى وجود حالات كثيرة لم تقيد ولم تصل للمراكز الصحية والمستشفيات لتعفف الاسر وخوفا من المجتمع. ولفتت إلى أن حالات الاغتصاب بولايات دارفور ومناطق اخرى في السودان لم يتم تسجيل معظمها.
واشارت أديبة الى تعرض الفتيات المغتصبات بولاية الجزيرة إلى مضاعفات من بينها نزيف وتمزق في المهبل وتورم الأعضاء والتهابات حادة لدرجة الخروج عن الوعي (الإغماء) وأيضا تم تسجيل 3 حالات بالناسور البولي بسبب تعدد الاغتصاب أو الاغتصاب الجماعي.
وقالت اديبة إن كل الحالات لم تتلق كافة الإجراءات الصحية المتعلقة بالبرتوكول الصحي لظروف الحرب وإغلاق المستشفيات فضلا عن انعدام البروتوكول، بجانب وصمة المجتمع التي تعتبر السبب الرئيسي لتراجع عدد الحالات.
واوضحت ان حالات الاغتصاب عميقة الأثر الجسدي والنفسي وتحتاج لتدخل طبي سريع وبرتكول لعلاج الاصابات ومنع الأمراض المنقولة جنسيا ومنع الحمل وهذه تحتاج لفحوصات وأدويه ومتابعه دوريه ونفسية. اغلب الحالات التي تصل المستشفيات تعالج فورا واغلبها تأتي بمضاعفات ناتجه من عملية الاغتصاب.
وقالت ان الإعتداءات الجنسية والاغتصاب جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانيه وهي جريمه كبيره ومعقده وتأثيرها باستمرار علي الضحيه بخلاف الاذي الجسدي الذي يستمر لفترات طويله. وقد تؤدي للانتحار اذا لم تجد الضحيه السند المعنوي والعلاجي ويمتد الأثر ليشمل الاسر التي تعاني كثيرا من جراء ذلك ويشمل المجتمع ككل. ويفقد الأمن والأمان.
معاقبة الضحية:
من جانبها تقول اختصاصي علم النفس مودة طاهر لـ”مدنية نيوز” إن كثير من الضحايا يتعرضون للتوبيخ ووصمة العار من المجتمع وأسرهم لذلك يترددون في التبليغ عن جريمة الاغتصاب، وذكرت أن الضحايا في بعض الأحيان يتعرضون للعقاب والإهانة بدلا عن الجاني. ورأت ضرورة العمل لكسر وصمة العار والحواجز المجتمعية التي تصنف الناجيات من العنف الجنسي كالجاني، واضافت “يجب أن نرفع أصواتنا عالية معهن وندعمهن ونؤكد أن الجاني هو المسؤول الوحيد عن هذه الجريمة.
واوضحت ان كثير من الأسر خوفا من وصمة العار يقومون بإخفاء الأدلة ونفي الاغتصاب ويفضلون الصمت على ماحدث، وأشارت إلى أن اول خطوة في مراحل التعافي هي الاعتراف بوجود مشكلة لذلك عدم الاعتراف يجعل المسألة أكثر تعقيدا لأن الخوف من الوصمة يدخل الضحية في مشاكل نفسية تمنع التعافي.
منبوذة من المجتمع:
فيما رأت باحثة اجتماعية طلبت عدم ذكر اسمها إن كثير من المجتمعات تؤمن بالعادات والتقاليد والاعراف كثيرا لذلك هي تعتبر ان التصريح بالعنف الجنسي من اصعب الاشياء. وتقول “يعتقد الرجال في هذه المجتمعات أن التصريح بفعل الاغتصاب الذي يقع على بناتهم وزوجاتهم أمر معيب ويقلل من رجولتهم وتربيتهم لبناتهم او زوجاتهم، وأضافت : حتى النساء تعتبر الحديث عن ذلك يقلل من مكانتهم الاجتماعية وان الفتاة التي تتعرض للعنف الجنسي لا أحد يطلب يدها للزواج وان تلك الاسره منبوذه في المجتمع”. وكشفت عن وجود حالات كثيرة جدا بعضها تم التعرف عليها عن طريق الصدفة وبعضها تم التصريح عن طريق شبكات الحماية، وقالت” في 2023 تعرضت 40 من النساء والفتيات في أحدي القري للعنف الجنسي ولكنهم لم يصرحوا بذلك إلا في عام 2024
واضافت تم ذلك بعد العديد من الجلسات التوعوية المتكررة مما يعني ان التغيير يمكن ان يحدث ولكن يحتاج الى وقت وتوعية مستمرة، وشددت على ضرورة تغيير اشكال التوعية نفسها حتى تلائم المجتمعات وعاداتهم.

رحلة مروعة:
في وقت حذرت فيه هيئة الأمم المتحدة للمرأة من أن هناك أدلة متزايدة على أن الاغتصاب “يستخدم عمدا وبشكل منهجي” في السودان، مشددة على أن النساء والفتيات “لسن مجرد إحصائيات، بل هن مقياس إنسانيتنا المشتركة، وقالت المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب أفريقيا آنا موتافاتي، إنه في كل يوم “يتأخر فيه العالم عن اتخاذ إجراء بشأن السودان، تلد امرأة أخرى تحت وطأة القصف، أو تدفن طفلها جوعا، أو تختفي دون عدالة
وأضافت: ما تخبرنا به النساء هو أنه خلال رحلتهن المروعة، كانت كل خطوة يخطينها لجلب الماء، أو جمع الحطب، أو الوقوف في طابور الطعام تحمل مخاطر عالية للعنف الجنسي، وحذرت موتافاتي من أن أجساد النساء “أصبحت مسرحا للجريمة في السودان”، مؤكدة على أنه لم تعد هناك أي أماكن آمنة” يمكن للنساء فيها الحصول على الحماية أو الرعاية النفسية والاجتماعية الأساسية وقالت: “قد لا تتناول معظم النساء والفتيات الطعام على الإطلاق في السودان. غالبا ما تتجنب النساء وجبات الطعام ليتمكن أطفالهن من تناول الطعام، بينما تحصل المراهقات في كثير من الأحيان على أقل حصة، مما يقوض تغذيتهن وصحتهن على المدى الطويل، وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فإن الضغط الاجتماعي والوصم، سواء داخل المنزل أو وسط المجتمع، يشكل عقبات كُبرى على الناجين من العنف الجنسي التغلب عليها، بالإضافة إلى أن الضغط المجتمعي لالتزام الصمت حيال الاعتداء الجنسي، تواجه الناجيات حواجز مؤسسية تشمل الشرطة وإجراءات التحقيق القضائي التي لا تراعي المنظور الجندري، ولا تضمن الخصوصية أو السرية، ويمكن أن تتحول إلى التحقيق في الطبيعة الأخلاقية لصاحبة الشكوى.
سلاح حرب:
وكانت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، كانت قد أكدت أن العنف الجنسي في السودان “ليس عرضيا، بل هو منهجي وواسع الانتشار ويُستخدم كسلاح حرب”. وفي حين أن معظم الحالات تُنسب الى قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، إلا أنها وثّقت أيضا حالات مماثلة ارتكبها أفراد من القوات المسلحة السودانية وحلفائها، ودعت البعثة إلى تسريع العمل لنصرة النساء السودانيات وإيلاء اهتمام عاجل بالأثر الكارثي للنزاع المستمر في البلاد عليهن، وإعلاء أصواتهم ومطالبتهنّ بالسلام والعدالة، وقالت البعثة في بيان لها بمناسبة اليوم الدولي للمرأة، “لا تعاني الناجيات من الصدمة فحسب، إنما يعجزْنَ أيضا عن الوصول الى العدالة والرعاية الطبية والدعم النفسي والاجتماعي، ما يُعمّق معاناتهنّ ويمحو أصواتهنّ”. وأضافت إنه في غياب الدعم المناسب، تتضاءل قدرة النساء على الصمود، ويعْجَزْنَ عن إعادة بناء حياتهنّ ومجتمعاتهن.
الخاتمة:
حياة ما بعد الاغتصاب في السودان ليست فقط معركة ضد آثار الحرب، بل ضد البنية الاجتماعية التي تحمي الجناة وتُدين الضحايا، ومع ذلك، يبقى في قصص الناجيات ما يبعث على الأمل: أن الصمود ممكن، وأن النساء السودانيات، حتى في أقسى لحظات الوجع، ما زلن قادرات على تحويل الألم إلى فعل مقاومة، والعار المفروض إلى كرامةٍ مستعادة.

