“ما بين الحب والإنسانية في زمن الحرب”
بقلم: سنية أشقر
مافي شك أن الحرب تُبرز أسوأ ما في البشر زي ما شفنا، لكنها أيضًا تكشف عن أعظم ما فيهم. فرغم القسوة، الدمار الموت، التشريد وكل صنوف المعاناه، رغم كل ذلك تظل الإنسانية والمحبة متلازمات ومتنافسات يعطين الضوء وسط عتمة الحرب، تجدهم في تصرفات بعض الجنود الذين يساعدون المدنيين ويتاثرون لحالهم، وفي الأطباء الذين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين، وفي الغرباء الذين يفتحون بيوتهم للنازحين والفارين من ويلات الحرب يقدمون لهم افضل ما عندهم، في المعلمين رغم مايمرون به لكنهم يبزلون الجهود لتوعية الناس وتطمينهم ويقدمون النصح والارشاد والدعم النفسي والوعي مااستطاعوا اليه سبيلا رغم ضيق ذات يدهم في زمن الحرب .
المحبة في الحرب ليست ضعفًا ولا هزيمة ولا هروب، بل هي قوة ومقاومة للوحشية وتخفيف للازمات وتقاسم المعاناه والنجاة والاحساس بالاخرين، وتأكيد على أن القيم الإنسانية لا تموت حتى في أحلك الظروف. إنها اللحظة التي يُنقذ فيها جندي طفلًا من تحت الأنقاض، أو يخرج طبيبا طلقة من جسم شخص كادت أن تودي بحياته أو عندما يشارك جائعٌ رغيفه(خبز) مع آخر، أو غطأ في زمن الخريف والشتاء القارص. الحرب قد تفرض العنف بكل انواعة علي المدنيين وعلي النساء والاطفال وكبار السن بصفة خاصة، لكن الإنسان وحده هو من يقرر إن كان سيظل وفيًا لإنسانيته أم لا.
أثر الحروب علي الاسرة
مافي شك أن الحروب تأثر علي المجتمع والاسره في الغالب تاثيراسلبيا وهذا ناتج من الضغوط الاقتصادية والموت وفقدان الأمان وحياة الكثيرين من الاسرة، وإذا فقد أحد الزوجين الآخر، تنتهي العلاقة قسرًا بالحزن والفراق. قد يضطر أحد الزوجين إلى الهجرة أو الانضمام للقتال، مما يؤدي إلى تباعدهما لفترات طويلة بسبب عدم وجود شبكات اتصال واخبار عن موت المقاتلين وهذا قد تضعف الروابط العاطفية بينهما. مما يؤدي الي ضغوط نفسية الحروب تخلق بيئة من الخوف، التوتر، والصدمات النفسية للاسرة، مما قد يؤدي إلى تغيّر سلوكيات أحد الطرفين أو كلاهما، فيصبح التفاهم والتواصل أكثر صعوبة.مع الضغوط الاقتصادية القاسية قد تؤدي ندرة الموارد والعطالي وتوقف المرتبات وصعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية إلى خلق مشاحنات وصراعات داخل العلاقة الزوجية، مما يجعلها تنهار تحت الضغط الاقتصادي في الغالب.
دائما نجد في أوقات الأزمات، قد يضطر أحد الزوجين للتركيز على البقاء وتأمين الحماية لأطفاله أو عائلته، مما قد يجعل العلاقة العاطفية تتراجع إلى مرتبة ثانوية. في بعض الحالات، قد يؤدي الاختلاف في المواقف السياسية أو الأخلاقية حول الحرب إلى خلق فجوة بين الزوجين، خاصة إذا كان أحدهما يدعم أحد طرفي الحرب والآخر يعارضها.
لكن ومع كل ذلك، فبعض العلاقات تصمد رغم كل شيء، وتتحول إلى مصدر قوة للطرفين، حيث يصبح الحب سببًا للتمسك بالحياة والاستمرار في مواجهة المصاعب.
طريق النزوح واللجو والحب المستحيل
وسط دمار الحرب وصوت القذائف التي تمزق صمت الليل والخوف من المجهول، كانت فاطمة التى كانت تعول والديها تقف أمام منزلهم المهدم، تحدق في الفراغ بعينين ذابلتين تقاوم ضعفها عندما تنظر الي والديها اللذان ليس لديهم قدرة لتقدير الموقف كل ما ينتظرونه من نجأة في رقبت فاطمة. لم يكن لديها وقت للحزن، فالخطر يقترب عليهم، وعليها أن تهرب وتحمل مسؤليتها معها. كانت قد قررت منذ سنوات أن تغلق قلبها أمام أي ارتباط بعد خيبة أملها الأخيرة التي كلفتها كثيرا من الوقت لكي تتعافى من اثارها المدمرة، فالحب بالنسبة لها لم يكن سوى وهمٍ زائل وعب إضافي أكثر حملآ .
عندما بدأت النزوح، انطلقت مع قوافل الهاربين، متجهة إلى إحدى دول الجوار. الطريق كان طويلاً ومرهقًا، والمخاطر تملأه من كل جانب وهي تحمل والديها معها. في منتصف الطريق، انضم إلى القافلة شاب يدعى حسن، كان يحمل حقيبة صغيرة ويرتدي ملابس بالية وجهًا متعبًا ومهمومآ وجسمأ نحيفآ جائعآ رغم كل ذلك لكنه لم يفقد روحه القوية.
لاحظ حسن عزلة فاطمة وصمتها المستمر وهي تقوم بواجب والديها رغم الارهاق والتعب ولا تطلب المساعدة من احد، فحاول مساعداتها مرارًا، لكنها كانت تصده بلطف رغم حوجتها لذلك. لم تكن ترغب في أي تعلق باحد، فكل من تحبهم يرحلون، إما بسبب الحرب أو القدر والخيانه. لم يكن حسن من الذين يستسلمون بسهولة.
عندما تعبت فاطمة وسقطت في الطريق ذات مرة بسبب الإرهاق، حمل عنها حسن أمتعتها وسار بجانب والديها يساعدهم، يحاول التخفيف عنها. لم يكن يكثر الكلام، بل كانت أفعاله تتحدث عنه. شيئًا فشيئًا، بدأت فاطمة تلاحظ وجوده في حياتها، حتى دون أن تعترف بذلك.
مع كل خطوة نحو معسكر اللجوء، وجدت نفسها تعتمد عليه أكثر، تراقب تصرفاته، وتستمع إلى كلماته دون أن تقصد. وعندما وصلا أخيرًا إلى الحدود، وجدت نفسها أمام حقيقة لم تكن تريد الاعتراف بها لقد تعلقت به، رغم كل محاولاتها عدم التركيز علي ذلك.
ذات ليلة، تحت سماء المعسكر المظلمة، جلسا سويًا بجانب النار التي أوقدها اللاجئون للتدفئة. نظر إليها حسن بابتسامة هادئة وقال: “أعلم أنك لا تريدين الارتباط، لكن ماذا لو لم يكن حبًا عابرًا؟؟ ماذا لو كان هذا القدر الذي جمعنا وسط هذه المعاناه وهذه الفوضى؟”
صمتت فاطمة طويلًا، كانت تعلم أنه على حق. كل شيء من حولها كان ينهار، لكن قلبها وجد ملاذًا وسط هذا الدمار. أخيرًا، بابتسامة خجولة ونظرة مليئة بالأمل، قالت: “ربما…ربما يستحق الأمر المحاولة.” وهكذا، وسط أوجاع الحرب واللجوء، وُلد حب جديد، حب قاوم الخوف واليأس، ليبدأ حياة جديدة وسط ركام الماضي.
المحبة تحت أصوات الدانات والقنابل وازيز الطائرات
في إحدى المدن التي مزّقتها الحرب، حيث كانت أصوات القذائف تعلو على همسات العشاق، عاش منذر وامنة قصة حب لا تعرف المستحيل.
كان منذر طبيبًا شابًا تطوع في المستشفى الميداني، بينما كانت امنة ممرضة تسابق الزمن لإنقاذ الأرواح. التقيا هناك، بين الأنين والدموع ودماء الشهداء، حينما كانت الحياة تتشبث بآخر خيط من الأمل. لم يكن للحب مكان في زمن الدماء.
في إحدى الليالي، وبينما كان منذر يضمّد جراح أحد المصابين، دخلت آمنة تحمل طفلة صغيرة فقدت والديها. كان الخوف في عينيها كافياً ليحطم أقسى القلوب، لكنها تشبثت بيدها الصغيرة بيد ليلى وكأنها وجدت أمها البديلة. نظر منذر إلى امنة وقال: “الحب في هذا المكان أشبه بمعجزة، لكني أشعر أنه ينمو رغم كل شيء.”
أجابتة امنة بابتسامة مرهقة “ربما لأننا نؤمن بالحياة رغم الموت.”
وفي أحد الأيام، هزّ انفجار عنيف الحيّ الذي كانا يعملان فيه، وساد الصمت. دقائق مرت وكأنها الدهر، حتى وجد منذر نفسه محاصرًا تحت الأنقاض. حاول أن ينهض، لكن جسده لم يستجب. وقبل أن يغمض عينيه، لمح وجهًا مألوفًا…كانت امنة، تقاتل الوقت لإنقاذه كما كانت تفعل مع الجميع.
بعد أيام، استيقظ في سرير المستشفى، ليجد يدًا دافئة تمسك بيده. كانت امنة هناك، بعينيها التي لم تفقد بريق الأمل رغم كل شيء. ابتسمت وقالت: “أخبرتك أن الحب معجزة، وها نحن هنا، رغم كل شيء.”
وفي تلك اللحظة، أدرك منذر أن الحروب قد تسرق الأوطان، لكنها لا تستطيع أن تسرق الحب، المحبة في زمن الحروب هي صمام امان المجتمع والأسرة وضمان استمرار الحياة.
والما عندو محبة ما عندو الحبة.
ماريل
ابريل/٢٠٢٥م