دكتور صديق عبد الهادي القائد الذي لا يعرف غير النجاح
بقلم: حسين سعد
لم يشكل القرار الذي أصدره رئيس الوزراء الدكتورعبد الله حمدوك، بناءً على توصية وزير الزراعة والموارد الطبيعية بتعيين دكتور الصديق عبد الهادي أبو عشرة رئيسا لمجلس إدارة مشروع الجزيرة؛ مفاجئة لغالبية مزراعي مشروع الجزيرة والمناقل، فقد كان صديق عبد الهادي مرشحا من قبل المزراعين لأنهم يعرفونه، ويعرفهم جيدا، كانوا يجدونه أمامهم في كل كبيرة، وصغيرة في أيام النضال ضد الطغاة، لم يعمل صديق من أجل تحقيق مكاسب شخصية، أو البحث عن شهرة وأمجاد، لكنه اختار الجهة التي يقف عليها، وهي الانحياز للغلابة والكادحين ومزراعي مشروع الجزيرة والمناقل، وهو معطون بحب الناس، لذلك ليس غريبا أن يكون عبد الهادي بهذه الصفات النادرة فهو مولود بقلعة الصمود (العقدة المغاربة) التي حفرت تاريخاً ناصعاً من النضال ضد النظام المدحور وحجزت اسمها ونضالها في جدول تجمع المهنيين الخاص بالمظاهرات الساعة الواحدة ظهراً بتوقيت الثورة، فالعقدة التي نظمت المظاهرات وظلت تقاوم حتى يوم الناس هذا، وعندما نادي منادي النضال داعياً للاعتصام أمام القيادة العامة كان موكب العقدة من أوائل القرى والمدن بل ان (الشفاتا والكنداكات) من أهل العقدة كان لهم موقعهم المميز مع خيمة محبي مصطفى سيد أحمد، وليست هذه صدفة عندما تغني (عود الصندل) طورتك مجدوعة ومرمية واللهب الضوء الليل قناديل وعم عبد الرحيم وغيرها من الآغنيات التي شكلت الوجدان النضالي.
(الكنداكات والشفاتا) من العقدة ومعهم آبناء الجزيرة نصبوا خيمة تحالف المزارعيين ووضعوا كتب وبيانات تحالف المزارعيين ومن بينها كتب صديق عبد الهادي الذي يهاتف الثوار ويرسل دعمه السخي (عبد الهادي) وضع اسمه في دفاتر المسوؤلية باكراً، ونتوقع له النجاح تلو النجاح، بعد أن حجز مقعداً يستحقه بجدارة في قلب الجزيرة بتضحايته التي يعرفها الجميع، أمضى صديق نحو ثلاثة عقود يكتب ويطبع الكتب والمقالات في الشأن العام والجزيرة ومشروعها، لذلك ضجت الآسافير ومواقع التواصل الاجتماعي عقب اإلانه رئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة والمناقل بالتهاني والتبريكات لرجل ظل يعمل بكل جد بعيداً عن صخب أو ضوضاء، حيث أرسى معاني سامية لكيفية ان يكون المناضل منحازاً الى الجماهير، فالميزات التفضليلة لصديق عديدة من بينها الصبر والجسارة والإرادة والتواصل والكتابة في الصحف حول الشأن العام، فقد ظل واقفاً إمام رياح الطغاة العاتية حتى زلزل الثوار عرش الطغاة الذين ظلوا انهم سيخلدون، (عبد الهادي) صنع لنفسه تاريخاً ومجداً، لذلك اختاره تحالف المزارعيين مرشحاً لهم لآنه صاحب نضالات في تاريخهم، وظل وما زال وفيًا لتطلعات (آهلي الغبش) لذلك أسندت له المهمة الصعبة التي تحتاج الي شخصية فريدة لاتعرف غير النجاح.
من هو صديق عبد الهادي:
الشعبية الجارفة لصديق عبد الهادي لم تكون وليدة مغانم السلطة وتوزيع كيكتها، بل إنها تراكمت له منذ تاريخ حافل كما قلنا اعلاه نال صديق المولد بقرية العقدة ،بكالريوس العلوم في الاقتصاد القياسي الاحصاء، جامعة الخرطوم، وماجستير العلوم، كلية توماس أديسون، الولايات المتحدة الأمريكية، كما حاز على شهادة إخصائي قانون تعويض الممتلكات، معهد التعليم الامريكي، الولايات المتحدة.
خبرة نقابية:
لصديق تجربة كبيرة، وتمرس طويل في العمل النقابي حيث شغل منصب السكرتير العام لنقابة شركات التأمين العامة للدورات1982-1984،1984-1986 ، 1986-1988
وهى احدى النقابات الست التي قادت، ووقعت ميثاق أنتفاضة مارس/ابريل 1985.وعضوا اللجنة المركزية لنقابة الشركات التجارية وسكرتير عام “المجموعة المناهضة للتعذيب في السودان” بالولايات المتحدة الأمريكية لعدة دورات. بجانب أنه أحد مؤسسي منظمة مهاجري افريقيا ودول الكاريبي (أفريكوم) بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل عضوا بجمعية الاقتصاد الامريكية ،كما عمل أيضا عضوا بالمجلس التنفيذي لمنظمة أفريقيا و دول الكاريبي ورئيس لجنتها الأقتصادية لدورة 2006- 2008. وحاز دكتور صديق عبد الهادي على جائزة الأتحاد الأفروـ آسيوي للتأمين وإعادة التأمين للعام 1991 عن بحثه (حول التأمين وبعض المفاهيم الأسلامية). كما ظل صديق يكتب في عدد من الصحف والمجلات والدوريات الورقية والاليكرتونية، ولعبد الهادي العديد من المؤلفات والمقالات من بينها كتابه (مشروع الجزيرة وجريمة قانون سنة 2005) والذي (منع) نشره في السودان.
تعليقات:
يحكى عن صديق بعض الذين زاملوه عن تواضعه وثقته في نفسه ،كما كتب بعض أبناء الجزيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، أنهم يثقون في عبد الهادي، وان طموحاتهم واحلامهم في اصلاح ما دمره النظام البائد في عودة مشروعهم الى سيرته الاولى، وكتب عبد الخالق يوسف بقوله: (ان تعيين الدكتور صديق عبد الهادي رئيسا لمجلس ادارة مشروع الجزيرة انتصار مستحق لاهل الجزيرة ( مشروعا وانسانا وتاريخا ومستقبل) وهو تشريف للمنصب وليس تشرفا به.. كأبن مزارع يرتبط بالجزيرة ماديا ووجدانيا وردد (يغمرني فرح هستيري بتعيين أحد اخوتنا الكبار على رأس المشروع الذي شكل ماضينا وسيبقى لتأمين الكرامة لاجيالنا القادمة) وأضاف عبد الخالق: علينا جميعا كأبناء الجزيرة والوقوف بحزم وصرامة خلف الدكتور صديق وتمكينه من كافة الصلاحيات المرتبطة بالمنصب والذهاب ابعد من ذلك في توسعة الصلاحيات حتى يصبح هو المسؤول الأول عن الدفاع عن المشروع والمصمم لمستقبله الزاهر،وقال عبد الخالق ان تعيين صديق رئيسا لمجلس ادارة المشروع يعيد للاذهاب موكب الاباء المؤسسين وهم عائدين للتو من اعتصام ميدان عبد المنعم بالخرطوم قبل نحو (60) عاما يحملون البشري لاهل الجزيرة بانتزاع المنصب الريع وتكليف أحد أبناء الجزيرة الخلص بتصريف أعباء المشروع، وختم عبد الخالق بقوله (هنيئا لنا بهذا الاختيار الذي صادف أهله، وشكرا للدكتور على قبول التكليف وهو واجبه، ولتبدأ الآن ثورتنا في الجزيرة لاصلاح ما أفسده المجرمون والفاسدون والانتهازيون).
الى ذلك كتب على جلوكا يجب ان ندعم صديق عبد الهادي في مهمته بينما ساند عبد الروؤف عمر خطوة تعين صديق ووصفها بالتاريخية اما دكتور الباقر العفيف فقد كتب انه يعرف الرجل عن قرب واوضح (لا اعرف شخصا ينوم ويصحو علي هم المزارع مثله) وزاد (ان لم ينجح صديق في مهتمه لاصلاح المشروع وتطويره فذلك يعني انه ليس هناك شي اسمه نجاح).
من المحرر:
ترطبني علاقة كبيرة بالدكتور صديق عبد الهادي، الذي نال ما يستحقه، وبيننا نقاشات طويلة حول الجزيرة ومشروعها وإنساها ومستقبلها، وكنت فخورا في العام 2017م عندما كلفني بتقديم ورقة رصينه أعدها تحت عنوان (مشاكل ملكية وإستخدام الأراضي الزراعية في السودان: مشروع الجزيرة نموذجاً) حيث قدمت ورقته من اوراق أخري في ورشة نظمها حزب الامة القومي بداره بامدرمان، وكتب صديق في مقدمة ورقته ان قضايا ملكية وإستخدامات الاراضي من اهم القضايا التي تواجه الوطن، وذلك ما لها من إرتباطٍ وثيق بحياة الناس،وبإستقرارهم إقتصاديا وإجتماعياً وسياسياً، بل وبمسألة وجودهم في المكان الأول، ومضي بقوله: ان مشروع الجزيرة يمثل، وبكل المقاييس، ركناً اساساً في وجود القطاع الحديث الذي انبنى عليه الاقتصاد السوداني، وفي مسيرته كذلك.
خلاصات الورقة:
قالت الورقة ان ملكية الأرض في عموم السودان تمثل عاملاً اساساً في تأجيج الصراع الاجتماعي وفي نشوب الحروب، وبالتالي عاملاً في عدم الإستقرار، مما يهدد الوضع الإقتصادي والإجتماعي والسياسي للسودان، بل ووجوده ككيان ودولة إن قضية الأرض في مشروع الجزيرة والمناقل، إن كان إيجارها او ملكيتها، تمثل مهدداً حقيقياً، فهي تحتاج لمعالجة عاجلة وجادة. ودفعت الورقة بإقتراحات في سبيل المعالجة،وشددت علي ضرورة الإتفاق حول مبدأ ان المشروع يمثل وحدة إقتصادية وإجتماعية وتنموية واحدة، وغير قابلة للتجزأة، ووصفت مطالب ملاك الأراضي بالمطالب المشروعة، يجب مواجهتها بكل صدق دونما تذاكي وتحايل من قبل الدولة، ودعت الورقة الي ان تقوم الدولة بدورها كمالكة وراعية للمشروع، والبعد عن تسييس قضايا وعدم تجييرها في خدمة اجندة الدولة السياسية،وطالبت الورقة بالإشراك الحقيقي للمزارعين، ملاك وغير ملاك، في أيجاد الحلول لقضايا الأرض، وذلك عبر ممثليهم الحقيقين الذين يتم إختيارهم ديمقراطياً ،وأشارت الورقة الي إن المعالجات التي تمت بخصوص مشاكل ملكية الأرض في مشروع الجزيرة حتى الآن، وإلى حدٍ كبير، لم تكن في مستوى الخطورة التي تشكلها هذه القضية. إن مشاكل ملكية الأرض في الجزيرة تمثل، ودونما تضخيم، قنبلة موقوتة تهدد ليس الجانب الاقتصادي للمشروع لوحده، وانما تهدد وجود التماسك والتساكن الاجتماعي ، وفي نهاية المطاف تهدد كذلك وجود الانسان في هذه المنطقة، التي يرجع تاريخ السلام الاجتماعي فيها إلى القرن الخامس عشر.