الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (15)
بقلم: حسين سعد
دفع عدد من الخبراء والمختصيين بمقترحات لمعالجة الاوضاع الاقتصادية الأزومة وإقترح الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي د. عطا البطحاني، (3) مراحل لإصلاح وتعافي الاقتصاد في السودان في مرحلة ما بعد ثورة ديسمبر 2018م، وحول دور الصحافة في دعم الاقتصاد طالبوا بوجود صحافة مؤمنة بحق الجمهور فى المعلومات، وصحافة غايتها نشر الحقيقة ومعاييرها المصداقية والشفافية، والتفريق بين نشرات (الاعلانات)، وصحافة ليس هدها الأوّل والأخير جلب (الإعلان) وارضاء (المعلنين).
الإعلام والاقتصاد:
وقال الخبير الاعلامي فيصل الباقر في حديثه مع مدنية نيوز من العاصمة الكينية نيروبي عبر الوسائط الاليكترونية إذا كانت مهمة الصحافة هى نشر المعلومات للناس، فالحق فى الحصول والوصول للمعلومات، هو حق من حقوق الإنسان، ولهذا يجب على الصحافة، بعد جمع الأخبار المستجدّة، التأكُّد من أنّ تلك المعلومات والأخبار صحيحة، ويتم ذلك، عبر إخضاعها للتحليل والتدقيق للتحقُّق من صحّتها – أوّلاً- قبل نشرها للجمهور، لأنّ النشر مسئولية، بل ، مسئولية كُبرى، وهذا يتطلّب وجود الكوادرالصحفية ذات المعرفة، والتأهيل والتدريب العالى، والتى تمتلك فى ذات الوقت حساسية صحفية، ومقدرة على الابداع والمنافسة، تؤهلها لإنتاج مادة صحفية متخصّصة وعميقة، مشبّعة بالمعلومات المخدومة، والقيام بتحليلها وتفسيرها، والتعليق عليها، لخدمة القارىء – المشاهد – المستمع – ونقل الأخبار بمصداقية وأمانة ونزاهة، وتحرّي الدقّة والموضوعية، لمنع أي تشويه في الحقائق.
مدارس فكرية:
ويضيف الباقر إذا أردنا أن تكون للصحافة مساهمة ومشاركة فى معالجة الأوضاع الاقتصادية فى فترة الانتقال السياسي نحو الديمقراطية، فهذا يعني أن يمتلك الصحفيون والصحفيات المعنيين بشئون الاقتصاد معارف فى الاقتصاد، لأنّ هناك مدارس فكرية في السودان متعددة، ولها رؤى مختلفة في ايجاد الحلول العاجلة يُمكن عبرها العمل على تخفيف حِدّة الأزمة الاقتصادية، التي ورثتها الحكومة الحالية من النظام القديم، والتغلُّب على الضائقة، وفي ذات الوقت هناك حلول على المستوى المتوسّط والمستوى البعيد والاستراتيجي، وهذا يتطلّب أن ينهل الصحفيون والصحفيات من المعارف الاقتصادية التي تمكّن الصحافة من التفريق بين المدارس الاقتصادية المختلفة، وتقديم الآراء للجمهور عبر المعلومات الحقيقة، والمخدومة، والتي تُمكّن الجمهور من اتخاذ رأي عن معرفة، ومعلومات كافية، إذ لا يُمكن تكوين آراء ناضجة في القضايا والشئون الاقتصادية، عبر الإكتفاء بالعموميات، ومع ذلك، ليس المطلوب من الصحافة “ردم” الجمهور بمصطلحات اقتصادية أكاديمية فقط، إنّما المطلوب الشرح والتفسير والتحليل، وطرح التصوّرات الاقتصادية للمدارس الفكرية بصورة واضحة، حتّى يتمكّن الجمهور من اتخاذ الآراء عن معرفة ودراية.
فقدان المصداقية:
وأوضح فيصل: (من المؤسف أنّ بعض الصُحف التي تُطلق على نفسها – أو يُطلق عليها مُلّاكها – (صحافة اقتصادية)، هي في الحقيقة، صحافة تعنى بجزء بسيط ويسير من قضايا الاقتصاد، فيما يجدها – ويُصنّفها – القراء الأذكياء (صحافة إعلان ودعاية) لمنتوجات شركات تُروّج لبضاعتها، وهناك الأخطر من ذلك، إذ نجد في الواقع (صحافة وصُحف) لا تجرؤ على انتقاد شركات الاتصالات أو البنوك أو الشركات الكُبرى، ولا تقترب من أسوارها العالية، إلّا بالمدح والثناء، والأسباب واضحة، وهي سياسة جذرة الترغيب والترهيب، التي تحترفها هذه المؤسسات الاقتصادية، بالتلويح بمنح أو حجب الإعلان، وإذا ما استمرّ الحال على هذا المنوال، فإنّ الصحافة “الاقتصاديّة” وغير الاقتصادية – بلا شك – ستفقد المصداقيّة، وبالتالي التأثير على الجمهور.
الحلول:
ويرى فيصل أن الحل يكمن في صحافة مؤمنة بحق الجمهور في المعلومات، صحافة غايتها نشر الحقيقة ومعاييرها المصداقية والشفافية، والتفريق بين نشرات (الاعلانات)، وصحافة ليس هدها الأوّل والأخير جلب (الإعلان) وارضاء (المعلنين) على حساب الحقيقة، وهناك فرق كبير في (سوق الصحافة) بين صحافة (العلاقات العامّة)، والصحافة الأخطر، المتمثّلة في صحافة وصحفيي (المظاريف)، والصحافة الأُخرى – الحقيقية – التي تعرف مسئولياتها المجتمعية، فتناقش القضايا الاقتصادية الحقيقية، وتفتح صفحاتها لمناقشة القضايا الاقتصادية، وتعرف دورها في الاسهام في معالجة الأوضاع الاقتصادية. ودعا الباقر الصحافة للاهتمام بقضايا الاقتصاد، ومن منظور المعرفة الواعية بما هو الاقتصاد، وبتعزيز المهارات الصحفية للصحفيين والصحفيات، وبمتلاك أدوات التحقُّق من المعلومات ذات الصبغة الاقتصادية، من منطلق الايمان بحق المواطن في الحصول على المعلومات الاقتصادية الحقيقية، فالبحث عن الحقيقة هو المدخل الصحيح والأوّل والأخير لتقييم الخدمة الصحفية، ويُمكن تخصيص صفحة في كل جريدة، لقضايا الاقتصاد، تُكرّس لنشر المعارف والسياسات الاقتصادية، وهذا سيساعد في وضع القضايا الاقتصادية في أجندة الصحافة، وبالتالي ستجد قضايا الاقتصاد العناية والاهتمام من الصحفيين والصحفيات ومن الجمهور كذلك، وسيشارك الجميع في ما المطلوب من الصحافة في شرح وإبانة قضايا الاقتصاد، بطرق القضايا بعمق والدخول في العمق ومن الجذور وليس الاكتفاء بالسطح. وأشار فيصل الى انه وبالرغم من غياب القضايا الاقتصادية الحقيقية من صفحات الجرائد، ورُغم النقص الواضح في اعداد الصحفيين والصحفيات المختصين أو المهتمين بالاقتصاد، ولكن، هناك بصيص أمل نلاحظه في الرغبة الجادة في عدد من زملائنا وزميلاتنا الصحفيين والصحفيات في التخصًّص في الصحافة الاقتصادية، وهذا الجهد من الممكن أن تتّسع دائرته بالمزيد من الاهتمام والتدريب والتأهيل للكوادر الصحفية وخاصة الأجيال الجديدة المسلّحة بالعلم وبقيم الثورة المتمثّلة في شعارات (حريّة .. سلام.. وعدالة)، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية للجماهير الشعبية هي حجر الزاوية في تحقيق العدالة.
مقترحات حلول:
ومن جهته أقترح الاستاذ الجامعي عطا البطحاني، في حديثه في الدورة التدريبية التي نظمتها مؤسسة طمسون فاونديشن بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني في مارس 2020م، (3) بدائل تمثلت في مرحلة (قصيرة المدى) والتي أطلق عليها (إطفاء الحرائق) ومرحلة وسيطة المدى ومرحلة بعيدة المدى، وأوضح أن الخطة وسيطة المدى تتلخص في بناء قدرات فنية ذات تأهيلٍ عالٍ لإدارة الاقتصاد السوداني، خاصة البنك المركزي ووزارة المالية والاستقلالية المؤسسية والتشغيلية للبنك المركزي وتحرير السياسة النقدية وإدارة أسعار الصرف من الهيمنة المالية والسياسية واعتماد استراتيجة تنافسية لسعر الصرف الحقيقي وإبقاء بعض الإجراءات الحمائية الانتقائية كسياسة صناعية لفترة مؤقتة، وأحصى البطحاني، الآثار الاجتماعية والسياسية لسياسات النظام المخلوع في تزايد حدة الفقر، ونمو الولاءات الأولية وإضعاف الممسكات الوطنية وتعاظم القهر الأبوي الذكوري للمرأة مع تصاعد حركة حقوق المرأة، وتفشي مظاهر التحيز الإثني والقبلي والجهوي.
سيطرة الحكومة على الأموال العامة
وفي المقابل قال الدكتور الباقر العفيف في خطاب مفتوح الى حمدوك: (إن اقتصادنا العليل أصلا والمُعَوِّل على ضخ المساعدات الخارجية، التي أصبحت، بفعل الجائحة، بعيدة المنال، لا يقوى على تحمل تعطل الإنتاج وتراجع التحصيل الضريبي والخدمي الناتج عن الإجراءات الصحية لحماية شعبنا من ڤايرُس الكورونا. هذا الوضع الطارئ يستلزم الاعتماد على الذات بحزم وعزم. وعليه تصبح قضية استعادة الأموال والأصول والشركات المملوكة للدولة، ووضعها تحت ولاية وزارة المالية، هي الواجب الوطني الأول. ومن الجانب الآخر لابد أن يعرف الشعب الجهد الذي بُذِل في البحث عن أموال البترول الضائعة أو المنهوبة والأموال المُجَنَّبَة داخل وخارج البلاد. لابد من حصر كل ذلك بالأرقام وتمليك الشعب المعلومة عن حجم هذه الأموال وما استعيد منها وما اتخذ من خطوات لاستعادة البقية. إن الصمت المريب عن هذا الأمر، والتعلل بالسِّرِّية والحوارات الهادئة داخل الغرف المغلقة، لا يعني بالنسبة للشعب سوى التسويف والتراخي في استرجاع حقوقه. (يتبع)