الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

هيئة محامي دارفور بين مطرقة الأهواء وسندان المرجفين (١)

بقلم: الصادق علي حسن

اجتثاث النظام البائد بعد ثلاثين عاماً من الخراب والدمار؛ كشف حقائق كانت خابئة طيلة السنوات الماضية وهي الأخطر أن السياسة صارت مهنة تمارس من أجل الكسب والنوال وليس بالضرورة أن كل من يمارس العمل أو من يتطلع ليمارسها يمتلك القيم والأخلاق المرعية، كما وأن هناك أفراداً وجماعات بل وتنظيمات يعلنون عن أنفسهم وفي جهل فاضح يمارسون التضليل ويعتقدون أنهم يحسنون صنعاً، وفي بحث البعض عن الذات تجد هناك من هو نهاز للفرص لإشباع النواقص، أذناب النظام البائد معذورون وقد فقدوا السلطة التي أدمنوها ووجدوا في وسائط التواصل الإجتماعي وفي نشر الأراجيف والأباطيل سلوى لهم، يتنفسون حقداً وكراهية، ولكن ماذا بشأن الآخرين والآخرون المعنيون من المحسوبين على قوى الثورة ممن شغلوا أنفسهم بهيئة محامي دارفور، ووصفوها بكل الأوصاف الدنيئة ودمغها بالعنصرية، وأنها سعت لتبرئة قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي“  بفهم جهوي لتطال المسؤولية غيره من أبناء الشمال.

وكان المدخل، ثم انشغل الضاجون في وسائل التواصل الإجتماعي بتصريحات مبتورة من سياقها، نشرتها صحيفة حكايات للأستاذ محمد عبد الله الدومة رئيس هيئة محامي دارفور، وقد أخرجت تماماً من سياقها للنيل من الهيئة، ولكل في ذلك أغراضه التي لا تخف للقارئ وهنا لسنا بصدد التماس براءة الهيئة مما قيل في رسائل الضجيج والهوى الشخصي، ولكن هنالك أيضا نفر من أصدقاء وشركاء الهيئة ممن طلبوا التوضيح، وحيثما أن أولئك يستحقون الرد والتوضيح، أكتب عن بعض ما أعرف بصورة شخصية، عسى ولعل أن يجد الباحث عن الحقيقة الرد الكافي.

كثيراً ما تميل غالبية الصحف المقروءة منها وغير المقروءة ولا سيما التابلويت منها، لاستقطاب القراء وبعدة طرق ووسائل لغرض التشويق واستقطاب القارئ وجذبه جذباً، بنشر الأخبار المثيرة للرأي العام، ففي المشهد الآن قضية فض الإعتصام، هي من أكثر القضايا التي تجد الإهتمام في اللحظة الآنية وشغلت الرأي العام السوداني، وقد ظلت تحتفظ بأهميتها المتواصلة، وبمرور الذكرى الأولى لواقعة فض الاعتصام، تصدر فض الاعتصام المشهد العام بالبلاد مرة أخرى، وبخاصة الكل يترقب نتائج لجنة تقصي الحقائق المستقلة التي كونها الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء وبحسب قرار تكوينها وتفويضها، هي الآلية الرسمية  المختصة بالتقصي وقد تم تمديد فترة عملها مراراً بطلب منها، وقد تلتمس التجديد لفترة أخرى والكل يترقب نتائجها، لأنها هي الجهة الرسمية المعنية بالوصول للنتائج ومن ثم إيداع تقريرها النهائي للجهة المختصة.

هيئة محامي دارفور هي مؤسسة حقوقية تعمل بصورة طوعية، كما وأن عضويتها مفتوحة ومن شروط عضويتها التطوع في تقديم العون القانوني بالطرق والوسائل المتاحة، وبالتالي هي ليست نقابة مهنية لمنسوبي مهنة المحاماة من أبناء دارفور، كما ولا تمثلهم بقدر ما تمثل فقط منسوبيها، وغني عن البيان أنها في عملها خاصة في إطار تحقيقاتها تقوم بما عليها في حدود الممكن والمستطاع، نتائج تحقيقاتها غير ملزمة لغيرها، كما وليست لها ـي قيمة ملزمة بأي حال من الأحوال، بل تعين من يرغب للاسترشاد بها والتستفادة منها، وحينما قامت بتكوين لجنة التحقيق في أحداث واقعة فض الإعتصام فور حدوث الفض ونشرت نتائج تحقيقها للرأي العام في ٣٠ / ٧/ ٢٠١٩، واطلع على نتائج تقريرها الكثير من المراقبين المحليين، الإقليميين والدوليين، كما تم ترجمة التقرير لعدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية وهو تقرير تبتدائي (أولي) حتى بالنسبة للهيئة غير نهائي وخاضع للاستكمال، بالإضافة أو التعديل أو الحذف وقد تأخذ صفة النهائي إذا لم يطرأ أي تغيير في البينة المبدئية بالتحقق والتحقيق المستمر، وطالما أن أعمال وأنشطة الهيئة ونتائجها غير رسمية كما وأنها غير ملزمة وتكمن أهميتها في الاسترشاد، الموضوعية تقتضي التعامل مع تقرير الهيئة في إطاره السليم لمن يرغب في الاستفادة منه، أما الضاجون في الوسائط فقد وجد البعض منهم مادة يلوكونها دون تبصر، ولا أعتقد أن الزملاء في الهيئة لديهم سعة من الوقت والفراغ الذي يلفت انتباههم إلى هذ الضجيج. 

بمناسبة مرور الذكرى الأولى لواقعة فض الإعتصام الأليمة قامت الهيئة بتسليم نسخة من تقريرها الأولي لرئيس لجنة التحقيق المستقلة الأستاذ نبيل أديب، وكان غرضها التعاون وتمليك المعلومات التي ترى أنها منتجة ومتعلقة بالوقائع بصورة مباشرة وقد تفيد في الوصول للحقائق، استقت الهيئة معلوماتها من شهود مباشرين، ومن الوقائع التي تحققت فيها وقائع متعلقة بالفرقة الثامنة دعم سريع، هذه الفرقة تم إحضارها منسوبيها من ولاية جنوب دارفور  لإرسالهم لدولة اليمن حسب إفادات من تمكنوا من الفرار من منسوبيها، وبالرجوع إلى تقرير الهيئة والثابت فيه من خلال التحقيق وتم استخدامها وظهرت عناصر في مشاهد فض الاعتصام  المتداولة في أحداث فض الإعتصام.

دور الفرقة الثامنة دعم سريع

في اليوم السابع لفض الاعتصام اتصل بهيئة محامي دارفور عدد من ذوي المقبوض عليهم من عناصر الفرقة المذكورة وتحدثوا للهيئة من جنوب دارفور ومن الخرطوم، بأن أبنائهم الذين تم تجنيدهم ضمن الفرقة الثامنة دعم سريع، من منطقة قريضة بولاية جنوب دارفور وعددهم ثلاثمائة جندي من مختلف قبائل المنطقة، تم استخدامهم فور فض الاعتصام وبعد الفض تم اعتقالهم، وأن هناك ثلاثة من منسوبي الفرقة المذكورة تمكنوا من الفرار، وطلبوا من الهيئة توفير الحماية اللازمة لهم.

إفادة الفارين من الفرقة الثامنة دعم سريع 

الشاهد الأول من الفرقة الثامنة دعم سريع

في أقوال الشاهد الأول ذكر في أقواله أنهم تم تجنيدهم من كل قبائل ولاية جنوب دارفور، وأنه وثلاثمائة من عناصر الفرقة المذكورة من منطقة قريضة بجنوب دارفور، وأن عدد الفرقة  ١٠٥٠ مجنداً، وأن التجنيد تم لغرض إرسالهم إلى اليمن، وأنه تم تدريبهم لمدة أسبوعين بواسطة مدربين روس في منطقة الصالحة حيث المعسكر المخصص لهم، وأن أول نشاط شاركوا فيه حملة مناصرة الشريعة التي دعا لها عبد الحي يوسف لتنطلق من الساحة الخضراء، وذلك في منتصف شهر رمضان ١٤٤٠ هجرية الأسبق، وعن واقعة فض الاعتصام ذكر أنهم قبل فض الاعتصام أحضرت اليهم الملابس التي ظهروا بها وزودوا بالعصي والهراوات والدروع، ثم نقلوا إلى ساحة فض الاعتصام، وحينما وصلوها كان الفض قد تم وهم من قاموا بملاحقة الفارين من المعتصمين وضربهم بالعصي والهراوات، وأنهم أصلاً لم يكونوا مزودين بالسلاح، لذلك لم يكن هناك من بينهم من استخدم السلاح، وأنه بعض الفض تم إرجاعهم لمعسكر الصالحة وفي اليوم التالي تم تزويدهم بالسلاح، وعقب يوم جمع منهم أيضاً، وذكر لهم بأن لديهم مهمة ثانية وفي الأسبوع التالي للفض حضر إليهم في المعسكر بالصالحة حميدتي وبعد جمعهم كما أفاد، كان حميدتي شديد الغضب وتحدث إليهم بألفاظ وعبارات قاسية واتهامهم بأنهم أشانوا سمعة الدعم السريع وبلغ غضب حميدتي الذروة لذلك كما أفاد الشاهد الأول من الفرقة الثامنة دعم سريع، تم إحضار عربات لنقلهم وانسحب إلى المطبخ حيث يتواجد اثنان من زملائه الذين يقومون بالطبخ وظلوا يراقبون الوضع عن كثب وإلى حين اكتمال إخراج وترحيل جميع أعضاء الفرقة ونقلهم إلى خارج المعسكر بإتجاه الشمال الجغرافي، الفارون من الفرقة الثامنة دعم سريع طلبوا الحماية وتقديم شهاداتهم حيثما توفرت لهم الحماية، في تقرير الهيئة وضمن تحقيقها وتقضيها استشهدت بتلك الواقعة وذكرت الهيئة أن ما توصلت إليها أن عناصر الفرقة الثامنة دعم سريع لم تكن مسلحة وأنها وصلت عقب الفض، وأنها استخدمت العصي في ملاحقة الفارين، وأن مسؤوليتها محصورة في الضرب بالعصي والممارسات الأخرى دون استخدام السلاح نهائياً،ىوذلك ما ذكره الإستاذ محمد عبد الله الدومة لصحيفة حكايات محل الجدل المتسع والنقد السافر تجاه الهيئة، وهناك من كتب معلقاً على الخبر المنشور بصحيفة حكايات نقلاً عن رئيس هيئة محامي دارفور أن قوات الفرقة الثامنة دعم سريع (لم تطلق رصاصة واحدة في فض الاعتصام) فكثرت الاتهامات  الموجهة للأستاذ الدومة وللهيئة أذكر منها التعليق الساخر لنائبة رئيس رابطة الصحفيين والإعلاميين السودانيين ببريطانيا، (أستاذ الدومة وأصحابنا في هيئة محامي دارفور طلعوا بسكوا في أم سمنجور)، ومن جملة تعليقات أخرى هناك من قال أبناء دارفور اتلموا في إشارة لدمغ الهيئة بالنهج والسلوك الجهوي وكما أن هناك من قال (حميدتي علاقته شنو بالديمقراطية، قال ديمقراطية قال، الفريق خلا علاقتو شنو بالديمقراطية والتحول الديمقراطي يا ناس هيئة محامي دارفور)، ثم تم الخلط المقصود بين لقاء الهيئة بحميدتي وربطه بتصريحات سابقة للأستاذ الدومة أدلى بها قبل لقاء حميدتي بل وقبل أن تحسم الهيئة قرارها بلقاء حميدتي، ومن خلال النشر المتداول هناك من وصف تصريح رئيس الهيئة بالقيدومة.

تقرير الهيئة المبدئي:

ضمن تحقيقها وتقصيها الهيئة أوردت معلومات عن الفرقة الثامنة دعم سريع وحدود مشاركتها في فض الاعتصام، وهذا يتطلب أولاً استعراض الثابت في التقرير عن مشاركة الفرقة وشهادة بعض منسوبيها عن كيفية تأسست الفرقة ومن من ومتى تم جلبها للخرطوم ومشاركتها في أول عمل (مسيرة مناصرة الشريعة التي نظمها عبد الحي يوسف في منتصف رمضان)، وعلاقة الفرقة المذكورة بفض الاعتصام وكيف أن حميدتي بنفسه قام بزيارة الفرقة الثامنة دعم سريع وقام بتأنيب وتوبيخ أفرادها على مشاركتهم في الفض، وذلك حسب إفادة الفارين من الفرقة الثامنة دعم سريع، وهذه هي شهادتهم عقب فض الاعتصام بأسبوع وليس أقوال الأستاذ الدومة وهو مجرد ناقل لما قيل.

لقاء الهيئة بالفريق أول حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة لم يكن لغرض الاصطفاف كم زعم أصحاب الأغراض، بل طلبت الهيئة مقابلة حميدتي لمناقشة قضايا محددة تتمثل في الأمن والسلام واتساع أنشطة المليشيات المسلحة بدارفور وضرورة بذل الجهود لتجريدها ونزع السلاح، ولكن حميدتي ومن تلقاء نفسه فتح بعض القضايا وعلق على بعضها، ومن أهم ما قاله حميدتي إنه يأمل أن تستكمل لجنة التحقيق المستقلة برئاسة الأستاذ نبيل أديب أعمالها في أقرب وقت لإنصاف أسر ضحايا شهداء فض الاعتصام، وإنه من خلال الوسائط صار من المتهمين في ارتكاب جريمة فض الاعتصام البشعة، وطالما طاله الاتهام المباشر من الوسائط وعلى لسان كثر من الناس هو يرى بالضرورة سماع أقواله بواسطة اللجنة المستقلة، بل قال بالفم المليان كيف يكتمل التحقيق من دون سماع أقواله بواسطة اللجنة المستقلة وهو من المتهمين.

وضح لنا من خلال أقوال حميدتي أنه كان يتوقع أن يتم سماع أقواله وذلك ما لم يحدث، ومن خلال إفادات رئيس لجنة التحقيق المستقلة الأستاذ نبيل أديب أن قرار تكوين لجنة التحقيق المستقلة تضمن تجميد الحصانات وحميدتي أصلاً لم يدفع بالحصانة أو يتمسك بها، وطالما كان ذلك كذلك، ما الذي منع اللجنة المستقلة من التحقيق مع الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة والذي أعلن عن جاهزيته التامة لسماع أقواله في أي وقت، كما ما الذي يمنع سماع أقوال من يشغلون السلطة الحاكمة القائمة أثناء حدوث الفض وعلى رأسهم أعضاء المجلس العسكري الانتقالي المحلول (الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الحالي، الفريق أول الكباشي، الفريق أول صلاح عبد الخالق الذي يعرف الكثير من الخبايا  ….الخ). ونواصل..

* الأمين العام لهيئة محامي دارفور

جنوب دارفور/ نيالا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *