تحرير الوقود.. تعجيل المواجهة بين الحكومة وقوى الثورة
الخرطوم: محمد إبراهيم
أثار تصريح وزير الطاقة والتعدين المكلف المهندس خيري عبد الرحمن، الخاص بترتيبات حكومية لتحرير أسعار الوقود كثيراً من الجدل على المستويين الشعبي والرسمي ومستوى الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية (قوى الحرية والتغيير). وعجَّل هذا التسريب بالمواجهة ما بين القوى الثورية ولجان المقاومة والحكومة، لا سيما وأن هذا الاتجاه يعتبره الثوار مخالفاً للتوصيات الختامية للمؤتمر الاقتصادي القومي الذي انعقد قبل أيام.
فالجدل حالياً ليس بين مكونات الحاضنة السياسية فحسب، بل هو جدل بين الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، التي ترى أن الحل يكمن في (روشتة صندوق النقد الدولي) التي تتضمن هيكلة الاقتصاد ورفع الدعم، فيما ترى الغالبية من المرجعية السياسية المتمثلة في قوى الحرية والتغيير (قحت) في رفع الدعم عن السلع وتحرير سعر الصرف صدمة و(جزاءً) على الثوار والمواطنين.
تصريحات الوزير
وكشف وزير الطاقة والتعدين المكلف المهندس خيري عبد الرحمن، رسمياً عن الترتيبات الجارية لتنفيذ سياسة تحرير أسعار مُنتجي الجازولين والبنزين، ونوه إلى أن قرار تحريرهم صدر منذ فترة طويلة.
وقال الوزير المكلف إن الأمر كان ينتظر الترتيبات التي قامت بها الوزارة ابتداءً من حصر وتأهيل الشركات التي ستدخل في عملية الاستيراد والبيع، وكذلك فتح العطاءات العالمية للمنافسة.
وأعلن خيري، عن وصول عدد كبير من البواخر عبر هذا العطاء العالمي، وأعلن استعداد الوزارة للقيام بالجوانب الفنية واللوجستية لمعرفتها التامة بحجم استهلاك القطاعات المختلفة، ونفى صدور أسعار محددة حتى الوقت الراهن وإلى حين اكتمال الخطوات المذكورة.
المواجهة المحتملة
ومنذ أن كشف الوزير المكلف عن خطة الحكومة أعلنت عددٌ من لجان المقاومة مناهضتها للسياسات الاقتصادية للحكومة، كما هاجمت لجنة الخبراء الاقتصاديين بقوى الحرية والتغيير في تصريح صحفي اطلعت عليه (مدنية نيوز) أمس، خطوة الحكومة الانتقالية.
وذكرت لجنة الخبراء أن هذه الخطوة تمثل خروجاً على اتفاق (28) ديسمبر 2019 وتجاوزاً لمبدأ التشاور مع الحرية والتغيير، وقالت إن هذه الكيفية تعني أن السلطة التنفيذية قرَّرت تجاوز برنامج ورؤى الحرية والتغيير وفرض رؤيتها الخاصة، وأضافت: (هذا ما يُلغي جدوى المؤتمر الاقتصادي الذي باشرت لجنته المصغرة اجتماعاتها).
وفي الجولة التي نفذتها (مدنية نيوز) على الطلمبات ورصدت صفوف السيارات التي تنتظر دورها للحصول على البنزين والجازولين؛ تباينت الآراء ما بين مؤيد ورافض للخطوة. وقال المواطن عبد الله السيد، إنه مؤيد للخطوة طالما أن الوقود سوف يصبح متوفراً وأقل من سعر السوق الموازي. أما علي رابح، وهو سائق تاكسي، فقد أبدى تخوفه من السياسات الجديدة التي رأى أنها ستقلل من دخله نتيجة لعزوف الزبائن عن ركوب سيارات الأجرة بناءً على ارتفاع تكلفتها في الأيام المقبلة.
ويتخوَّف ذوو الدخل المحدود من تأثير رفع الدعم عليهم وانعكاسه سلباً على حياتهم بزيادة في أسعار المواصلات والسلع الاستهلاكية.
ويبلغ سعر جالون البنزين في الطلمبات (128) جنيهاً، وفي السوق الموازي بولاية الخرطوم يتراوح سعر الجالون ما بين (600 – 700) جنيه، وفي بعض المناطق (1000) جنيه، وفي بعض الولايات يبلغ سعر الجالون (1000) جنيه.
سعر الصرف والمؤتمر الاقتصادي
ويعتبر الباحث الاقتصادي محمد عبد الباقي، أن مكمن الجدل في سعر الصرف ما بين الرسمي والموازي وقال لـ(مدنية نيوز): (الدعم المقدم للوقود هو عبارة عن فروق أسعار في الدولار بين السعر الرسمي والسعر المُوازي).
وأشار عبد الباقي، إلى أنه تم رفع الدعم عن المحروقات عندما تم رفع سعر الجالون من (٢٨ إلى ١٢٨) جنيهاً، وقال: كان تأثير ذلك خطيراً للغاية على المواطنين، إذ ارتفعت تكلفة المواصلات للفرد الواحد في اليوم من (٣٠ جنيه إلى ٤٠٠ جنيه)، كما ارتفعت أسعار نقل السلع إلى (10) أضعاف مما أدى لارتفاع كبير في أسعار كل السلع المنقولة.
وحسب المخرجات الختامية للمؤتمر الاقتصادي التي اطلعت عليها (مدنية نيوز) في بند الدعم السلعي وبدائله، كانت أبرز التوصيات فيما يتعلق بدعم الوقود، ولم توصِ بتحرير أسعار الوقود، بل دعت لإجراء الإصلاحات الاقتصادية اللازمة قبل ترشيد الدعم على المحروقات على أن تراعي الدولة خفض المنصرفات وزيادة الإنتاج.
ومن بين المخرجات تخفيض استهلاك المحروقات عبر تخصيص كوتات (حصص) لصرف الوقود واستخدام الطاقات البديلة لتوليد الكهرباء، دون خلق اختناقات في المواصلات والنقل والإنتاج، بجانب توفير الجازولين وتخصيصه للمزارعين، مع مراعاة ضرورة الدعم الموجه لشريحة المنتجين الزراعيين.
تباين مواقف
واستهجن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، الخطوات التي تتجه نحوها حكومة الثورة فيما يتعلق برفع الدعم عن المحروقات، وشدد على ضرورة التزام الحكومة بمخرجات المؤتمر الاقتصادي القومي الذي شرح علل الاقتصاد، وقال: يجب على الحكومة الالتزام بتنفيذها.
ومن جانبه أيد رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي محمد المهدي حسن بشدة خطوات الحكومة الاقتصادية فيما يتعلق برفع الدعم، ودعم حديثه بموقف المجتمع الدولي والجهات الممولة للحكومة عن ربط الدعم الدولي في حال تمت هيكلة الاقتصاد السوداني وتم تحرير الوقود، وارتباط الدعم بتهريب الوقود لدول الجوار.
واعتبر محمد المهدي، أن المؤتمر الاقتصادي هو أقرب للتظاهرة السياسية من مؤتمر اقتصادي علمي أكاديمي، وأن أكثر القائمين عليه من قوى سياسية محددة تهدف للسيطرة على الاقتصاد.
ورأى رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي أن الشعب السوداني مع رفع الدعم لأنه يدرك في مثله الدارج (آخر العلاج الكي)، ولا يأبه للتصورات اليسارية للاقتصاد (طبقاً لتعبيره).
وفي مقابل ذلك، شدَّدَ عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كمال كرار، على أن كل قوى الثورة ترفض سياسة رفع الدعم، وذكر: (إذا كانت هذه الحكومة أتت بموجب ثورة شعبية فيجب عليها تنفيذ قرارات الشارع بدلاً من سياسات صندوق النقد الدولي الذي سوف يورد البلاد موارد الهلاك).
وأبدى كمال كرار، ثقته في أن القرارات الحكومية سوف تذهب مع الريح، وأن الجماهير ستفرض قرارها عبر الشارع الذي بدوره سيحسم الأمر، وأضاف: (سوف تذهب قرارات الحكومة إلى مزبلة التاريخ)، وزاد (الشارع غير محتاج للذي يوجهه أو يأمره بالخروج لمناهضة السياسات الاقتصادية، وهو سيخرج من منطلق مصالحه الاقتصادية كما حدث في ديسمبر وأطاح بالبشير).