الخبز.. تطاول الأزمة والحلول المنتظرة
تقرير: هانم آدم
شهدت ولاية الخرطوم أزمة بسبب عدم توفر الخبز، وصار مشهد المواطنين وهم يصطفون لساعات طويلة في انتظار الحصول على حصتهم اليومية من الخبز منظراً مألوفاً، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تطور لمرحلة القتل بسبب المشادات التي تحدث بالمخابز.
ولم تتمكن الحكومة الانتقالية رغم محاولاتها من إيجاد حلول ناجعة للأزمة التي ظلت تتجدد بين فترة وأخرى، بسبب عجز البلاد عن توفير موارد كافية لاستيراد القمح.
وليس ببعيد عن الأذهان الثورة السودانية التي اندلعت بالبلاد (ثورة ديسمبر) التي كان انعدام الخبز وارتفاع أسعاره أحد أسبابها، إذ انطلقت الشرارة الأولى بمدينتَي الدمازين وعطبرة، ومن ثم عمَّت بقية الولايات لتُسقِطَ نظام الحكم الذي كان يقوده الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي استمر (٣٠) عاماً.
وتُعتبر أزمة الخبز أحد تجليات الأزمة الاقتصادية التي يُعاني منها السودان على خلفية فقدان احتياطياته من النقد الأجنبي بعد انفصال جنوب السودان عام 2011م، وما خلّفه من حرمان السودان من الموارد النفطية التي كانت تساوي (80%) من احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.
إنهاك في الصفوف
وشكت المواطنة (منى) في إفادة لـ (مدنية نيوز) اليوم، من معاناة المواطنين من ندرة الخبز والوقوف لساعات طويلة مما عرضهم للإنهاك، وأنهم صاروا يذهبون إلى المخابز في ساعات الفجر الأولى، وقد يعود الفرد دون حصوله على حصة الأسرة من الخبز في أحيان كثيرة بسبب انتهاء الخبز أو بسبب حدوث مشادات بين المواطنين في الصفوف.
وانتقدت (منى) لجوء البعض للعمل التجاري في بيع الخبز المدعوم، وأشارت إلى انتشار بيع الخبز وسط النساء لأصحاب الكافتريات، وأن العديد منهن صرن يأتين للوقوف في صفوف الخبز ومعهن أطفالهن ويأخذن كمية كبيرة من الخبز ويتوجهن لبيعه لأصحاب الكافتريات، ويتجاوز سعر (الرغيفة) (10) جنيهات.
وتابعت: “هذه تجارة رابحة، وبالتأكيد صاحب الكافتريا أو المطعم لا يهمه شيء، وفي الآخر فإنه سيربح، لأن طلب الفول وحده يصل إلى (150) جنيهاً”.
هواجس الأسر
ولم تذهب (إنصاف) بعيداً عن حديث سابقتها من شكاوى أزمة الخبز، وقالت إنه صار الشغل الشاغل لكل أسرة، وترى أنه لا يمكن الاستغناء عنه والاستعاضة بالبديل البلدي (الكسرة والقراصة والعصيدة) نسبة للتكلفة العالية.
وزادت في حديثها أنها لم تتوقع أن يأتي يوم وتحدث فيه إشكاليات في صفوف الخبز، واستدلت بحادثتين وقعتَا في مخابز بالقرب منها في منطقة عد بابكر بشرق النيل: الأولى راح ضحيتها أحد الشباب؛ والثانية إصابة شاب بجرح في الصدر.
عبء إضافي
(فنن) الطالبة التي تتأهب لامتحانات الشهادة السودانية، تذهب يومياً إلى المدرسة عقب قرار وزارة التربية باستئناف الدراسة للصف الثامن والثالث، قالت إن تكلفة وجبة الإفطار لـ (ساندويتش) الطعمية تصل (٧٠) جنيهاً، الأمر الذي جعلها تلجأ لأخذ ما هو متوفر بالمنزل لتسدَّ رمقها، أو تنتظر حتى نهاية اليوم الدراسي وتعود للمنزل.
وترى (فنن) أن أزمة الخبز لها تأثير مباشر على استقرار العام الدراسي، بالإضافة إلى تكلفة المواصلات، الأمر الذي يمثل لها عبئاً إضافياً، وأوضحت أنها لا تدري كيف ستكمل بقية العام الدراسي، والمصروفات والمعاناة تزيد يوماً بعد يوم.
وضع كارثي
ووصف أحد أصحاب المخابز لـ (مدنية نيوز) الوضع بالكارثي، وأرجع أزمة الخبز لعدم توفر الحصة الكاملة من الدقيق، وأنها لم تحدث بسبب خلل في المخابز أو إنتاج الخبز.
وذكر صاحب المخبز: “في السابق كانت حصة أي مخبز أسبوعياً (72) جوالاً، ولكن هذه الحصة تقلَّصت إلى (62) جوالاً، مما أحدث ربكة شديدة، والنتيجة أن أي مخبز بولاية الخرطوم يضطر للإغلاق يوماً أو يومين في الأسبوع لأن الحصة غير كافية، وبجانب ذلك فإن المخابز ولنفس السبب تغلق أبوابها ما بين الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً.
وتابع: “نتيجة لانعدام الدقيق وإغلاق المخابز، فإن المواطنين يلجأون لمخابز أخرى تبعد عن منطقتهم، وهذا الأمر يحدث ربكة وقد تصل في بعض الأحيان إلى مُشادَّات واشتباكات، بسبب أن لجان المقاومة حدَّدَتْ أن يستلم أي مواطن حصته من المخبز الذي يجاور منزله، وتساءل: (إذا لم يكن المخبز يعمل فأين يذهب المواطن؟)، ويجيب على تساؤله بقوله: (بالتأكيد سيتوجه إلى مخبز آخر ومن هنا تأتي المشاكل).
وأردف: “حالياً نحن كأصحاب مخابز متهمون ببيع الخبز لأصحاب الكافتريات، ولكن هذا الأمر غير صحيح، والصحيح أن عدداً من المواطنين قد يأتون للمخبز ويقفون في صفوف الخبز ويأخذون كمية كبيرة، ومن ثم يقومون ببيعها”، وتساءل: (كيف لنا أن نعرف أنهم من منزل واحد؟).
انعدام الدقيق
وذكر ذات صاحب المخبز: “للعلم فإن أصحاب الكافتريات حالياً أصبحوا يتوجهون لشراء الخبز من المخابز التجارية مباشرة، حيث تصل تكلفة الرغيفة الواحدة (10) جنيهات”، ولفت إلى أن عدداً من المخابز تحوَّلت للبيع التجاري وتركت المدعوم لعدم توفر الدقيق، بجانب أن التكلفة لا تُغطِّي. وواصل في حديثه بأن مطاحن ويتا كانت مغلقة لـ (13) يوماً بسبب انعدام القمح، ولا توجد حلول واضحة، وكل ما يحدث هو الاستعانة بمطحن لمعالجة توقف مطحن آخر.
وأرجع صاحب المخبز سوء ورداءة الخبز هذه الأيام في عدد من المناطق بسبب تقليل نسبة الاستخلاص للقمح، وأشار إلى أن المواطن حالياً لا يهمه إن كان الخبز رديئاً بقدر ما تهمه الوفرة، وتوقع أن تسوء الأوضاع أكثر.
إشكاليات عدة
وفي السياق، أوضح رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك، د.نصر الدين شلقامي، أن توفير الدقيق مسؤولية وزارة المالية، وأنه عندما يطحن ويرحل فهو مسؤولية المحليات وفقاً للقوانين.
ولفت شلقامي، لوجود مشكلات في تمويل القمح في المرحلة الأولى، ومشكلات في التوزيع بجانب عدم الضبط من المحليات والجهات المعنية، ونبه لوجود (4) آلاف مخبز، وقال: (إذا أردنا أن نخصص شرطة نحتاج ٤ آلاف شرطي)، ورأى أن هناك خللاً في كمية المخابز، وأقر بصعوبة مراقبتها الأمر الذي اعتبره مدعاة للفساد وتسرب الدقيق وتهريبه.
تعميق المشكلة والحلول المُقترحة
واستنكر رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك استمرار المحليات في التصديق بإنشاء مخابز جديدة دون أية شروط، مما يعمق الإشكالية، وأبان أن مسؤولية المحليات تتمثل في ضمان تسلم الخبز وألا يكون الدقيق قد هُرِّب أو بِيع، بجانب ضبط الأوزان، وتشاركهم حالياً في هذه المسؤولية لجان المقاومة.
وحول الحلول المقترحة من قبل الجمعية السودانية لحماية المستهلك، قال شلقامي إنها تتلخص في رفع استخلاص الدقيق حتى لا يتسرّب ويُستخدم في صناعة الباسطة والبسبوسة، وتقليل نسبة الرَّدَّة.