الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

صراعات القبائل.. السلاح النتن .

بقلم: خالد فضل
من المعلوم في سجل مخازي حكم الإسلاميين في السودان، استخدامهم لسياسة فرّق تسد، وتهييج الفتن وزرعها بين المجموعات السكانية في كل أنحاء السودان، فخلف كل نزاع دام عبر لافتة قبلية أو إثنية تجد أصابع منسوبي التنظيم الشيطاني ذاك، لقد استغلوا هشاشة التعايش الوطني، وسيادة مفاهيم وأدبيات العنصرية بين المجموعات السودانية المختلفة فعملوا على توسيع الفتق بين المواطنيين حتى يسهل قيادتهم جميعا عبر توازن الضعف إلى حيث يتوطن سلطانهم وتدوم سيطرتهم على حكم البلاد ونهب الثروات والنفوذ الشخصي والتمتع بامتيازاتها وتوريث أولادهم وأحفادهم ذات سبل الهيمنة، استغلوا مع الأسف مواطن الضعف والجهل مثلما استغلوا مطامع بعض منسوبي القبائل تلك فأشعلوا الوطن كله بنار الفتنة التي لم يسلم منها شبر من أرض الوطن .
نعم عملوا خلال 30سنة كاملة على رعاية وتوطين ثقافة القبيلة والعشيرة والجهة والإثنية عوضا عن بناء ثقافة الوطن وروح الإنتماء القومي، وكان من نتائج ذلك سيادة واقع التعايش القلق بين المتساكنين من المجموعات السودانية المختلفة ومنهم من عاش واختلط لمئات السنين، فرأينا اندلاع النزاعات في غرب أم درمان بين الجموعية والهواوير، نزاع مسلح في ضواحي العاصمة بنبرة قبلية عنصرية، عشنا ذات الصراع في منطقة الشمالية بين الشايقية والهواوير كذلك، وفي وسط السودان الكواهلة والحلاوين، وفي قرى سنار بين رفاعة والهوسا والجعليين والباغرما، وفي القضارف بين النوبة والبني عامر مثل كسلا وبورتسودان، والحلفاويين والمساليت في حلفا الجديدة ناهيك عن صراع وحروب الكل ضد الكل في دارفور، عشنا كل ذلك خلال 30سنة الماضية من حكم كيزان السؤ، فلما انقضى عهدهم بثورة الشباب التي بلغت أوجها في ديسمبر 2018لتتوج في أبريل2019م هرعوا إلى وقودهم النتن، فخلف كل صراع قبلي ينشب الآن أبحث مباشرة عن أصبع (الكوز)، ولا نذهب بعيدا فقد أطلق زعيمهم غندور_ الذي آلت إليه قيادتهم بعد حبس قادتهم بتهم الإنقلاب، الفساد وجرائم أخرى _ تصريحه المشهور بالتخلي عن سياسة المعارضة المساندة لاستقرارالوطن على حد قوله، وهو تصريح تكملته بحسب الوقائع ( تبني سياسة المعارضة المدمرة لاستقرار الوطن ). كأنما عملوا خلال عقود حكمهم الكبيسة على مساندة استقرار الوطن !!!
إنّ النزاع الدموي الطاحن الناشب الآن في شرق السودان لا يمكن رده إلى إقالة والي كسلا صديقنا صالح عمار، بل يمكن قراءته بأعمق من ذلك، والنظر إلى التعبئة التي سادت منذ تعيينه، والتحشيد القبلي لقبائل تنتمي إلى مجموعة البجا ضد مجموعة البني عامر التي تنتمي هي الأخرى إلى ذات المجموعة، وقد استمعت إلى أكثر من إفادة من مواطنين من مدينة كسلا بعضهم ينتمي لمجموعة البجا، الغريب اتفاق اثنين منهما من منسوبي تنظيم الإسلاميين على نفي صفة المواطنة عن الأستاذ صالح وعشيرته، فهل حدث ذلك مصادفة أم بسبب سيادة خطاب الكراهية المسبق ضد مجموعة معينة والذي يغذيه فلول العهد المباد ؟
مجموعة البجا التي تستوطن شرق السودان منذ آلاف السنين، ومهنتها الغالبة الرعي _ بالطبع حدثت تغيرات خلال السنوات الأخيرة _ وأكبر قبائلها البشاريين والأمرأر والبني عامر والهدندوة والحلنقا والحباب، ويساكنهم منذ عقود طويلة الرشايدة والنوبة والنوبيين ويجاورهم الشكرية والبطاحين وغيرهم من قبائل السهول الوسطى في السودان، وتعتبر بورتسودان تحديدا بحكم أنها الميناء الرئيس والتاريخي للبلاد موطنا ومنطقة لكسب العيش لمختلف السودانيين وبعض الأجانب، كما أدت عمليات التنقيب الأخيرة عن الذهب إلى وجود آلاف الناس في مناطق شرق السودان، لهذا يجب النظر إلى النزاع الحالي في الشرق بجدية شديدة فهو من نوع النزاعات التي تغذيها الأجندة السياسية الضيقة لسدنة النظام المباد، إنّه تجلي لسياستهم التي تقوم بين متلازمتي الفساد في الحكم أو التدمير في حالة خروجهم منه .
ومع دورهم المقيت ذلك بيد أنّه لابد من النظر كذلك إلى واقع التهميش التاريخي وسيادة الجهل والفقر كعوامل مساعدة أساسا على الإشتعال الأعمى لكل نزاع، وهذا يدعونا إلى النظر العميق في مآلات الإجتماع البشري بين المجموعات السودانية، فما من مجموعة في الحقيقة تعترف للأخرى بمأثرة بل على العكس كل قبيلة فرحة جزلة بما تتوهم من حيازة الشرف والرفعة والسمو والنقاء بينما كل المجموعات الأخرى في خانة (الدون), لعبت الإنقاذ على هذه الوقائع فزادتها وقودا بسياساتها المعلومة وارتباطات زعماء القبائل بمصالحهم التي رعتها لهم الإنقاذ، ولذلك فهم يشكلون نواة التخريب الحادث الآن، وينصاعون لتوجيهات (المعارضة المدمرة للاستقرار) دون أن يعوا خطورة ما يغترفون في حق أهلهم ووطنهم إن كان لهم احساس بالوطن أوسع من دائرة مصالحهم !!
في الختام لابد من الإدانة التامة لقتل المتظاهرين في كسلا أو بورتسودان أو أي بقعة في السودان، حق التعبير السلمي وتنظيم المواكب يجب ألا يواجه بالرصاص تحت أي ظرف، هذه ممارسات العهد المباد الذي صرع قناصته المتظاهرين في بورتسودان في 2005م وظل يحصد أرواح الناس في أمري وكجبار كما في الخرطوم وسنار وزالنجي و و و و في كل بقاع السودان، لابد من محاسبة من قتل الناس، هناك ألف طريقة لقيام الأجهزة الأمنية بأداء واجباتها دون أن تقتل شخصا، هذه جريمة يجب التحقيق حولها، فهيبة الدولة تأتي طوعا وليس كرها، هيبة الدولة لا تأتي بالخضوع لابتزاز زعماء المؤتمر الوطني المحلول المتلفعين باسم قبائلهم، بل هيبة الدولة المدنية الديمقراطية يكون عبر بسط الحريات واجراء العدالة وسيادة حكم القانون الديمقراطي، هذا هو السبيل ولا طريق غير الحريات والديمقراطية مهما تكالبت الصعاب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *