السبت, يونيو 28, 2025
مقالات

نساء تحت نيران القهر والتصنيف

بقلم: سنية أشقر

في سياق الحرب الدامية التي عصفت ببلادنا، تبدو خطوط الانقسام السياسي والعسكري واضحة، لكن الواقع الاجتماعي والسياسي، خاصة ما يتعلق بالنساء، أكثر تعقيدًا وتشابكًا. إنّ المقاربات النسوية، النسائية والمدنية لبناء السلام لا يمكن أن تتجاهل هذا التعقيد الطبقي والسياسي، ولا بد لها من أن تتجاوز التصنيفات الثنائية الساذجة (مع/ضد الحرب، واعية/غير واعية) نحو فهم نسوي وطني عميق يعترف بالبنية القهرية التي تُجبر الكثير من النساء على الظهور بمظهر الداعم لقوى الحرب رغم أنهن ضحاياها المباشرات.

النساء المجبرات: ضحايا لا شريكات

في مناطق سيطرة القوى العسكرية، سواء كانت قوات الدعم السريع أو الجيش أو أي مليشيات أخرى، تعيش آلاف النساء في واقع يومي مشحون بالخوف والبؤس والتهديد المباشر لحياتهن وأجسادهن. في ظل غياب الدولة وانهيار البنية القانونية والمؤسسية، تصبح هذه القوات هي “السلطة الوحيدة”، وتُجبر النساء على التفاعل معها، أحيانًا بتقديم الدعم اللوجستي، أو حضور الفعاليات المؤيدة، أو حتى بتزويج بناتهن لمسلحين، وذلك ليس عن قناعة سياسية، بل بدافع حماية الذات والعائلة من القتل أو الاغتصاب أو التشريد.

هؤلاء النساء لا يمكن محاكمتهن أخلاقيًا أو سياسيًا كما لو كنّ مصطفات بإرادتهن مع معسكرات الحرب. إنهن يعشن في واقع استعماري داخلي جديد، حيث تتحكم السلطة العسكرية بأجسادهن وقراراتهن ومصيرهن، مما يجعل أي قراءة غير طبقية أو غير نسوية لهذا الواقع مشاركة – بوعي أو دون وعي – في وصم الضحايا.

في المقابل: نساء الحرب المدركات

على الجانب الآخر، هناك نساء انخرطن بوعي في دعم أطراف الحرب، مدفوعات بمصالح مباشرة، مواقع سلطة، موارد، تمويل، أو مكاسب اجتماعية. هؤلاء النساء يشاركن في إنتاج وإعادة إنتاج خطاب الحرب، ويشكلن واجهات “مدنية” أو “نسوية” لقوى عسكرية، مما يعمّق خيانة القضية النسوية ذاتها، التي جوهرها النضال ضد العنف القائم علي النوع، ويبرر عنف الدولة أو التماهي معه.

التحدي أمام المبادرات النسوية،النسائية و المدنية: من التماهي إلى الفهم العميق

السؤال الآن ليس فقط كيف نوقف الحرب، بل كيف نبني حركة نسوية،نسائية لا تعيد إنتاج العنف داخل فضائها باسم “السلام” أو “الحياد”. ومن هنا تبرز ضرورة المقاربة النسوية،النسائية، التي تنطلق من الواقع المادي، وتفكك البنى الطبقية والعسكرية التي تعيد قولبة النساء في مواقع القهر والدعم القسري.

الآليات المقترحة لاستيعاب النساء المجبرات:

1. الاعتراف بتعقيد الواقع يجب على المبادرات النسوية والمدنية أن تعترف بأن النساء المجبرات على دعم المتحاربين هن ضحايا استقطاب قسري حاد، لا شريكات في صنع القرار. إن تجاهل هذا الواقع يُعد نوعًا من الإقصاء، لأنه يفترض وجود حرية قرار لدى هؤلاء النساء، وهو افتراض زائف.

2. فك الارتباط بين الدعم القسري والاصطفاف السياسي: لا بد من التمييز بين النساء اللائي وجدن أنفسهن مضطرات للتماهي الظاهري مع قوى الحرب حمايةً لأنفسهن، وبين من اختارت هذا الاصطفاف سياسيًا واقتصاديًا. هذا التمييز أساسي في بناء خطاب نسوي،نسائي تضامني لا يعمق جذور الانقسام.

3. توسيع قاعدة المبادرات النسوية لتشمل الأصوات المهمشة، كثير من النساء اللائي يعشن في مناطق الحرب لا يجدن تمثيلًا في المبادرات النسوية “المركزية”. إدماج هؤلاء النساء في قيادة النقاش حول السلام هو أمر جوهري، لا من باب “الإدماج الرمزي”، بل من باب إعادة تعريف أولويات الحركة النسوية،والنسائية من هامش الحرب.

4. بناء خطاب نسوي،ونسائي مقاوم للحرب و للإقصاء. على المجموعات النسوية والنسائية أن تقف ضد خطاب “وصم” النساء المتماهيات قسريًا مع أحد طرفي الحرب. فالتعامل معهن باعتبارهن خائنات أو مؤيدات للقتل، يعمّق عزلهن ويؤسس لعنف رمزي موازي للعنف العسكري ويعيق عمليه السلام الشامل لانهن اغلبية.

5. تحليل علاقات القوة من منظور طبقي: النساء في الطبقات الدنيا هن الأكثر عرضة للإجبار على دعم القوى العسكرية. في المقابل، النساء المنخرطات طوعًا غالبًا ما يمتلكن امتيازات اقتصادية أو سياسية. فهم هذا السياق الطبقي ضروري لتوجيه النضال النسوي والنسائي نحو قلع جذور الحرب، لا الاكتفاء بترقيع وترميم عواقبها.

أخيرآ
إن بناء سلام حقيقي لا يتم عبر المبادرات “المجتمعية” التي تُقصي الأكثر تضررًا من الحرب، بل عبر مقاربة نسوية ونسائية تعالج جذور الازمة، وتعترف بالبُنى العنيفة التي تحكم واقع النساء في مناطق النزاع، وتقاومها عبر التنظيم القاعدي، التضامن الطبقي، والاعتراف بتجارب النساء غير المسموعات. فالسلام ليس فقط وقفًا لإطلاق النار، بل هو نزع للهيمنة العسكرية والاجتماعية والرمزية عن أجساد النساء، وعدم إنتاج النظام السلطوي القديم.

فلنجعل النساء المجبرات في مناطق النزاع خط الدفاع الأول عن كرامتنا المشتركة، والمبادرات النسوية والنسائية التي لا تضعهن في قلب مشروع السلام، إنما تُعيد إنتاج الاستعمار الداخلي بأدوات ناعمة سوف تذهب ادراج الرياح .

يونيو/٢٠٢٥م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *