القواعد العسكرية بالقرن الإفريقي (11)
بقلم: حسين سعد
نخصص في المحور العشرون من سلسلة حلقاتنا التي نحاول من خلالها متابعة (الازمة السودانية والتطورات الاقليمية والعالمية والمحلية) والتفاعلات الجيوسياسى لأمن القرن الأفريقي الذي يعتبر موقعا إستراتيجيا مهما نخصص هذه الحلقة للقواعد العسكرية في منطقة القرن الإفريقي بصورة واسعة، ففي الوقت الذي اهتمت فيه أمريكا بالتواجد العسكري والاستراتيجي في هذه المنطقة لحماية مصالحها، كانت لفرنسا، والصين، واليابان، والسعودية، والإمارات، وعدد من دول الاتحاد الأوربي، وتركيا وإيران نظرة مستقبلية لأهمية هذه المنطقة،حيث انشأت أمريكا القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا( أفريكوم) ومن هذه القاعدة، تنطلق عمليات مكافحة الإرهاب ضد حركة شباب المجاهدين في الصومال، وفي اليمن، إضافة إلى الحفاظ على المصالح الأمريكية في القارة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو سياسية،كما تمتلك فرنسا قاعدة في جيبوتي ،بينما أنشأت البحرية اليابانية قاعدة عسكرية في جيبوتي، تمكنها من المشاركة في التصدي للقراصنة الصوماليين. بما في ذلك ميناء دائم ومطار لإقلاع وهبوط لطائرات الاستطلاع اليابانية. ومنذ عام 2011، تتمركز فرقة تابعة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية قوامها 180 جنديا في موقع مساحته 30 فدانا في جيبوتي،وفي السياق أنشأت الصين قاعدتها العسكرية الأولى في الخارج في جيبوتي بالقرب من القاعدة العسكرية الأمريكية ،كما شكلت بعض دول الإتحاد الأوربي قوة مشتركة أطلق عليها اسم (العملية الأوروبية لمكافحة القرصنة) مهمتها تتركز في العمل على تطويق جرائم القرصنة في مضيق باب المندب، ومراقبة حركة التجارة بها،في وقت تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة منشأة عسكرية في ميناء عصب الإريتري، وفي مارس 2017م أعلنت القوات المسلحة التركية ، أنها تعتزم افتتاح أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في الصومال، وذلك بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس هيئة الأركان خلوصي أكار. وأنشأت تركيا القاعدة العسكرية في خليج عدن قبالة السواحل الصومالية، وذلك بهدف تدريب عناصر من الجيش الصومالي للمساهمة في مكافحة الإرهاب.
جيبوتي..
تكتسب جمهورية جيبـوتي أهميـــة بالغة في الاستراتيجيات الدوليـة، نتيجــــــة لاعتبـــــــارات وخصائص جيوستراتيجية تتميـــــز بها هـــــــذه الدولة العربيـة الإفريقيـة الصغيـرة، وتستمدها من موقعها الجغرافي والاستراتيجي الأكثر انتعاشـــــــاً وشراكة وتأثيــــراً في العلاقات الدوليــــــة، من حيث سيطرته على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، أحد أهم طرق الملاحــــــــة البحريـــــــة في العالـــم، وهو ما جعـــــــلها مطمعاً للدول الأوروبيـــــة إبان فتـــــــرة الاستعمــــــــــار، كما أن كثرة المشاكل وتعقيداتها المحيطة بالقرن الإفريقي، قد سلطت الضوء بشكل أكثر سطوعاً على ضرورة الاهتمام بهـــــــذه الدولة وادماجها في فضاءات الاستراتيجيات الدوليـة، لا سيما بعد بروز وتصاعد دور التنظيمــــــات الإسلامية المتطرفة في العديد من دول المنطقــــــة، باعتبار ذلك مهــــــدداً أمنيــــــاً في ارتباطـــــــه بالاستراتيجيـة الدوليـــــة لمكافحة الإرهاب ومنــــــع انتشـــــــاره في مناطق حيوية لحركة الملاحـــــــة البحرية الدوليـة بما لها من تأثيــــــــــرات كبيرة في النشاط الاقتصـــــــاد العالمي وتحركات مؤشرات الأسواق العالميـة، الأمر الذي يجعــــــــل جيبــــــوتي محط اهتمــــــــام الدول الكبرى والقوى الإقليمية الصاعدة ويدفعها للنفوذ والسيطرة من أجل حماية مصالحها الأمنية والاستراتيجية، وتستضيف جيبــــــوتي على أراضيها العديد من القواعد العسكرية الأجنبية، بعضها معروف رسميــــاً في حين لا يتوفر كثيــــر من المعلومات عن القواعد الأخرى، وبالتالي أصبحت معتركــــاً للتنافس وصراع المصالح لبعض الدول الغربيـــــــة ذات النفوذ التقليدي وقوى دولية وإقليمية أخرى كالصيــــن وإيطاليا واليابان وغيرها وهو الأمر الذي سنتناوله في الفقـــــــرات التاليـة
الوجود الفرنسي..
ترتبط جيبــــوتي منــــذ استقلالها عام 1977م، باتفاقيـات دفاع مشترك مع فرنســـا تلتزم بموجبهـا الأخيرة بحماية الأمن الجيبــــــوتي من العدو الخارجي، وحماية المطارات والموانئ والمؤسسات الرسمية في الدولة بالإضافة إلى الدعم الذي تقدمه في المجالات التنموية والعسكرية والأمنية، وبالمقابل تستضيف جيبـــــــوتي أكبر القواعد العسكـــــــرية الفرنسية في افريقيـــــا،وخلال السنوات الماضية، شهد عدد القوات الفرنسية انخفاضاً ملحوظاً وذلك في إطار خطة فرنسا لإعادة تنظيم قواتها في إفريقيا، ورغم ذلك تبقى القاعدة الفرنسية الأكبر والأهم من حيث القوات والوسائل، ويوجــــد فيهــــا حالياً حوالي 1576عسكرياً يتمركزون بشكل دائم، تضم وحدات من القوات البرية والجوية علاوة على وحدات من قوات الكوماندوس البحرية وقوات التدخل السريع، وتجعل الظروف المناخية من جيبوتي مسرحاً استثنائياً لتدريب الجنود للعتاد، بتمارين تشمل الأسلحة الأرضية والجوية والبحرية
وفي ديسمبر 2011م، وقع البلدان على معاهدة تعاون جديدة في المجال الدفاعي، حلت محل اتفاقية “الدفاع المشترك” التي أبرمها الجانبان عام 1977م، وقال وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لدوريان؛ “إن هذه المعاهدة الجديدة تتيح لفرنسا الوصول إلى قاعدة استراتيجية في إطار مكافحة الإرهــــــاب، كما تؤكد لجيبوتي مواصلة الدعم الفرنسي لها في المجالين الأمني والدفاعي فضلاً عن عمليات التدريب المشترك.
الاهتمام الامريكي..
لقد كان اهتمام أمريكـــــــا بإفريقيا والقرن الإفريقي خاصة محدوداً جداً، قبل أن تتحرك وتحــــــــل محل الدول الأوروبية بعد أفول عهد الاستعمار المباشـــــر، ثم تطور الوضع لتعزيز الوجود الأمريكي في المحيط الهندي خاصة قاعدتها العسكرية في جزيرة دييغو غارسيا لحماية مناطق إنتاج النفط والغاز في الخليج، وزاد ذلك الاهتمام الأمريكي بفعل المنافسة على مصادر الطاقة ومحاربة الإرهاب في المنطقة، ثم جاء التحول الهائل في السياسة الأمريكية تجاه منطقة القرن الإفريقي، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، فقد اتجهت الإدارة بقوة نحو تكثيف وجودها العسكرية في المنطقة، وفي 19 من أكتوبر 2002م أمر البنتاغون بإنشاء قوة المهام المشتركة في القرن الإفريقي، (ضمن عملية الحرية الدائمة) ولم تستأذن الإدارة الأمريكية لا الحكومة الجيبوتية ولا قيادة القاعدة الفرنسية فيهـــــا، لإرسال قواتها لجيبوتي ثم البقاء فيها وإقامة قاعدة عسكرية دائمة هناك، وقد بلغ عدد القوات فيها 800 جنـــــــــــدي من القوات الخاصة، لحق بهـــــــم 1500 من المارينــــــز، ثم انضمت لهذه القاعدة حاملة الطائرات الأمريكية (US مونتي وتيني).
وكان من الخطوات الأمريكية الهامة، فصل قيادة القوات الأمريكية المعنيـــــة بإفريقيــــا عن القيادة الوسطي ،وإنشاء القيادة العسكرية المشتركة في أفريقيا ،وتستضيف جيبوتي حاليــــــاً أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في إفريقيــــــا، قاعدة (ليمونيـــــــــه) وتقع جنوبي مطار (حنبلي) الدولي بجيبــــــوتي، وفيهـــــــا ما يزيد عن 3500 جنــــدي أمريكي، ومنها تنطلق عمليات مكافحة الإرهاب التي تنفذها القوات الأمريكية في الصومال واليمن، إضافة إلى حماية المصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة، وإقامـــــــة هذه القاعدة في جيبوتي التي يوجـــــــد فيها أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في الخارج، يعتبر مؤشـــــراً قوياً على التراجع الشديد لدور الدول الأوروبية الاستعمارية في مناطق نفوذها التقليدية، خاصة بعد تراجع السياسة الخارجية الفرنسية والألمانيـــــة عن مناوأة التوجهات الأمريكيــــة للسيطرة على الشأن الدولي والانفراد به، وجـــــــاء الاهتمـــــــام الأمريكي بجيبـــــــــوتي في إطار استراتيجيتها للنفوذ والسيطرة، وبالتالي فإن إنشـــــــاء قاعدتها العسكرية في جيبوتي يتناغم مع هذه الاستراتيجية التي وضعتها للقرن الإفريقي الكبيـــــر الذي يضم دول القرن الإفريقي الجغرافي بالإضافة إلى الســــــودان وكينيـا وأوغندا وتنزانيــا ورواندا وبوروندي، لمراقبة المناطق التي يشتبه فيها الخطر والردع لأي تحرك يهدد أمن أمريكـــــــا ومصالحها، واحتــــــواء النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة، وبالتالي التحكم في مستقبل القارة الإفريقية من خلال القرن الإفريقي. (يتبع)