تحرير الوقود.. المواطن يدفع فاتورة سياسات الدولة .
قضية تطرحها: هانم آدم
سخط وتذمر شديدين وسط المواطنين منذ أن أصدرت الإدارة العامة للإمدادات وتجارة النفط، قراراً بإيقاف التوزيع وجرد المستودعات والمحطات إلى إشعار آخر، بجانب منشورها القاضي بتحديد سعر (لتر) الجاز التجاري المدعوم بقيمة (46) جنيهاً، والجالون (207) جنيهات، كما أن سعر البرميل (9108) جنيهات.
وفي ذات المنشور، حددت الإدارة سعر لتر البنزين التجاري المدعوم بـ(56)، والجالون (250) جنيهاً، والبرميل (1108) جنيهات، فيما حددت سعر لتر البنزين الحر بـ(120) جنيهاً، و(250) جنيهاً للجالون، وحددت (23760) جنيهاً للبرميل.
ومرد سخط المواطنين هو الزيادات التي طرأت على أسعار تعرفة المواصلات بصورة مضاعفة، وما ينعكس جراء ذلك من زيادات في مناحي الحياة كافة، وزيادة أعباء على المواطنين.
انعكاسات القرار
ورصدت (مدنية نيوز) صباح أمس الأربعاء، انعدام المواصلات في عدد من المواقف، وتوقف الطلمبات عن تزويد المركبات بالوقود لحين العمل بالتسعيرة الجديدة، وعلى الرغم من ذلك شهدت الطلمبات اصطفافاً للمركبات على أمل التزود بالوقود.
وارتفعت شكاوى المواطنين، وأظهر عدد منهم خلال إفاداتهم لـ (مدنية نيوز) امتعاضهم الشديد تجاه ارتفاع تعرفة المواصلات حيث قفزت أسعار تعرفة الحافلات الصغيرة (الهايس) و(القريس) من الكلاكلة اللفة إلى بحري إلى (150) جنيهاً، وقفزت تعرفة (الأمجاد) (طرحة) من الحاج يوسف إلى الخرطوم من (100) إلى (200) جنيه.
وارتفعت تعرفة الحافلات الكبيرة العاملة في خط (الصينية المركزي – الخرطوم) إلى ( 50) بدلاً عن (30) جنيهاً، أما الحافلات الصغيرة العاملة في ذات الخط فقفزت تعرفتها إلى (100) جنيه، فيما لا يوجد سعر ثابت لبقية المركبات، وحسب إفادات المواطنين فإن التعرفة غير محددة وهي متروكة لأمزجة السائقين.
واستنكرت المواطنة نهى هاشم، قرار زيادة أسعار الوقود، وقالت لـ (مدنية نيوز) إنه قرار غير مدروس، وإن المواطن المغلوب على أمره يتحمل تبعات هذا القرار، الذي ينعكس على مناحي حياته كافة.
وأضافت أن المواطن ظل يدفع فاتورة عجز الحكومة، وطالبت الحكومة بالنظر في هذا الأمر ومعالجة الاختلالات التي ظهرت عقب الثورة.
مقترحات للحلول
ومن جانبه تساءل المواطن محمد علي، عن أسباب الزيادة وما إذا كانت دائمة، أو متطلبات مرحلة لفترة معينة، وقال لـ (مدنية نيوز): إذا كانت الزيادة سوف تعالج مشكلة المواصلات العامة فيمكن أن تكون مدعومة،على أن يكون هناك برنامج أو جهاز رقابي إحصائي بالمحطات، بجانب تنظيم كل المركبات الموجودة عبر إدارة المرور، وذلك بتمييز كل خط بلون معين.
وتوقع محمد، أن تزيد الأزمة خاصة وأن طلاب المدارس والجامعات على وشك استناف العام الدراسي، وشدد على ضرورة أن يتم تحديد تعريفة محددة عبر وسائل الإعلام، حتى لا تحدث إشكاليات بين المواطنين وسائقي المركبات، ولفت إلى أن تحديد التعرفة يساعد كثيراً في تخفيف حدة التوتر والمشاكل.
وأشار محمد، إلى لجوء الحكومة السابقة والحالية لتفعيل القطار لحل أزمة المواصلات، ولفت إلى أن القطار توقف عن العمل، دون أسباب واضحة، وضاف: (لا ندري هل بسبب وقود القطارات أم ماذا؟)، وطالب الحكومة بإعادة النظر في (بصات ولاية الخرطوم) والتي قال إنها متوقفة عن العمل ومخزنة في عدد من المناطق.
(بطلها في الكبري)
وفي ذات السياق اجتاح (هاشتاق) حمل عنوان (بطلها في الكبري) مواقع التواصل الاجتماعي، رفضاً لزيادة أسعار الوقود.
وبدوره رأى صاحب مركبة خاصة أن القرار إيجابي في حالة توفر الوقود، وقال إن أزمة الوقود خلقت نوعاً من الممارسات غير الأخلاقية، وتجاوزات خطيرة، واستدل بأن بعض أصحاب المركبات صاروا يستغلون الفتيات للوقوف في صف الوقود، لأن صف السيدات لا يكون طويلاً في العادة، وفي بعض الأحيان يسمح لهن بالمرور أمام صف الرجال.
وأضاف: (بهذه الحجة أصبح الكثيرون يلجأون لهذا السلوك مقابل مبلغ (2) ألف جنيه للفتاة، وقد تزيد في بعض الأحيان)، وأشار إلى لجوء بعض أصحاب المركبات و(الركشات) و(المواتر) لأسلوب (حلب) الوقود من (التانك) الخاص بمركبتهم بعد الحصول على حصتهم من الوقود من الطلمبة، ومن ثم بيعه بسعر (1000) جنيه للجالون.
وتوقع صاحب مركبة آخر بأن تسوء الأوضاع أكثر، بجانب مضاعفة تعرفة المواصلات، واستشهد بقوله إن المركبات لم تعبئ الوقود منذ أن صدر القرار، ورغم ذلك زادت الأسعار، وتساءل قائلاً: (فما بالكم بعد أن تعبئ الوقود وتبدأ فعلياً العمل بعد الزيادات؟).
تأثيرات مختلفة
تأثيرات في مختلف نواحي الحياة، نتيجة حتمية لقرار تحرير سعر الوقود، هذا ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي، وقال لـ (مدنية نيوز): (الزيادات تشمل كافة القطاعات وما من منشط، أو خدمة إلا وستتأثر بهذا القرار).
ونوه الرمادي، إلى تأثر حركة الاقتصاد ككل، وأضاف: (يفترض إخضاع هذه الخطوة للدراسة قبل الإقبال عليها، والتأني في اتخاذ القرار، بمعنى أن يتم رفع الدعم أو التحرير بالتدرج).
وتابع: زيادة البنزين من (٢٨) جنيهاً للجالون قبل عام إلى (٥٤٠) جنيهاً وهو السعر الجديد المقترح تفوق (١٩) ضعفاً، وأردف: عندما يتضاعف سعر أي شيء 3 أضعاف يصبح ذلك أمراً مرهقاً جداً للمواطن والاقتصاد معاً، وعندما يتضاعف (١٩) مرة خلال العام ويزيد فهذه الزيادة ليست بها تعقل، فالحكمة والكياسة، تقتضيان أن تؤخذ الزيادة بالتدرج، ولا تفرض دفعة واحدة.
تشويه الاقتصاد
واعتبر الرمادي، أن القرار يفتقر إلى الرشد ليس في إدارة الاقتصاد فحسب، بل في أسلوب الحكم كذلك، وظاد: (هذا الأمر سيحدث انفجاراً تتأثر به كل مناحي الحياة والاقتصاد).
وذكر الرمادي: عندما تأتي لرفع الدعم والتخلص من التشوهات يجب أن يكون ذلك بالتدرج، لا سيما عندما تكون ذات أثر بهذا الحجم الكبير.
ومضى الخبير الاقتصادي الرمادي، للقول إن النقل يمس كافة مناحي الحياة، وما من سلعة إلا وتتأثر في أسعارها نتيجة لهذا القرار، وأن التأثير يشمل ابتداءً مضاعفة الانتاج الزراعي وغيره، بجانب التأثير على القطاع الصناعي، ووصف ما حدث بالمريض الذي يعطى علبة الدواء دفعة واحدة، وردد: (هذا يضر المريض ويقتله ولا يعجل بشفائه، فالدواء يعطي بالتدرج وكذلك ينبغي اتخاذ قرار رفع الدعم).
قرار مدمر
ووجه الرمادي، انتقاداً للحكومة، وتساءل في استنكار للقرار: (أليس منكم رجل رشيد؟)، وأضاف قائلاً: (هذا القرار مدمر، وسيفجر قنبلة في الاقتصاد السوداني ينتقل أثرها اجتماعياً وسياسياً).
وطالب الرمادي، بالتراجع عن ذلك القرار والتصرف بما تقتضيه الحكمة ورفع الدعم بالتدرج، ولفت إلى تأثير القرار على حركة المواطن من وإلى مكان العمل، وتساءل (هل قابل ذلك زيادة في المرتبات؟)، ورأى ان هناك تشوه حدده في أن يكون دخل المواطن عُشر ما يستحقه، وقد رفع المرتب بواسطة وزير المالية السابق إبراهيم البدوي إلى (٦) أضعاف لأن الموظف يستحق، وتساءل: (لماذا ترى العين التشوه في الدعم ولا ترى التشوه في انخفاض دخل المواطن وتدني مستوى الرواتب بصورة غير واقعية؟).
ونبه الرمادي، لاعتذال الكثير من الطلاب الدراسة لانعدام تكلفة المواصلات، وتساءل عن التكلفة الإضافية على الطلاب نتيجة قرار رفع الدعم عن الوقود، وقال: (هل وفرت الحكومة علاجاً لهذا الأمر؟، (توفير ترحيل للطلاب)، ناهيك عن توفير لقمة العيش التي تضاعفت، وعاد الرمادي ليقول إن القرار غير حكيم وسيخلف أضراراً اجتماعية.
تسكينات للمواطن
ووصف الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي، وجود سعرين للوقود في الوقت الحاضر بأنه مجرد (تسكينات) وتهدئة بأن هناك سعر مخفض ومدعوم، وقال: (هذا سيكون مدخلاً لضعاف النفوس، فبدلاً من توظيف سياراتهم في المواصلات، سوف يذهبوا للمحطات المدعومة ويشتروا بالسعر المخفض ثم يبيعوه في السوق الأسود بالسعر الحر).
وأضاف: (هذا مدخل ومدعاة للفساد وتحويل نشاط السيارات التي تعمل في الترحيل لتنتقل إلى عملية المتاجرة في المحروقات، وشدد على اهمية إعادة النظر في القرار من قبل مختصين وليسوا سياسيين قليلي الخبرة (على حد قوله).
التأثير علي المستهلك
ومن جهته اقترح الخبير الاقتصادي د. هيثم حسن، وقف السيارات الحكومية المخصصة لموظفي الدولة لإنجاح سياسة تحرير أسعار الوقود، وأشار لتحمل ميزانية الدولة مبلغاً هائلاً مخصصاً للدعم بوجه عام ولدعم الوقود بشكل خاص.
ورأى هيثم، أن الزيادة في أسعار الوقود ستكون مؤثرة بشكل كبير على المستهلك، كما كانت الزيادات على أسعار السلع والنقل عند بدء تحرير أسعار الوقود، وذكر: (هي زيادة متوقعة في ظل التضخم الحالي وانخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية).
تأثيرات مختلفة
وأضاف هيثم: (في تقديري أن المنافسة القوية التي يعيشها قطاع النقل، إضافة إلى وجود شبه كساد في مختلف قطاعات النقل سواء الصغير والمتوسط والكبير، سيدفع الكثير من الشركات الكبيرة والمؤثرة في السوق لزيادة الأسعار).
وزاد: (كما سيؤدي القرار لارتفاع أسعار عدد كبير من السلع والخدمات المرتبطة بالبنزين، وعلى رأسها وسائط النقل، التي تشكل العصب الحيوي في حياة الناس اليومية).
وشدد هيثم، على أهمية دراسة آثار رفع أسعار الوقود على كافة الأصعدة، وما يتبع ذلك من ارتفاع الأسعار في تنفيذ العمليات الإنتاجية، ونبه إلى ضرورة عدم دعم السفارات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية والأغنياء عبر آليات واضحة، على أن يحصلوا على أسعار المحروقات بالأسعار الدولية.
ونبه الخبير الاقتصادي هيثم حسن، إلى أن قرار رفع الدعم سيؤثر على طبقة محدودة الدخل، كما له ايجابيات متمثلة في زيادة الإيرادات الحكومية الحقيقية التي تسهم في دعم الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، الذي ينعكس بدوره على الانتاج ومدخلاته.
فقدان ثقة
واعتبر هيثم، أن المواطن لم يعد يثق في القرارات الاقتصادية نتيجة التجارب غير الناجحة، وخاصة في مجال المعالجات الاجتماعية، واستند على ذلك بالتجارب الحكومية السابقة في رفع الدعم الجزئي عن المحروقات ونتائجها السلبية على المواطنين، واستبداله بدعم نقدي يدفع من خلال وسائل الدعم الاجتماعي للمواطنين، وذلك رغبة في معالجة التشوهات القائمة في آلية الدعم الحالية، وتخفيض فاتورة الدعم، خاصة أن القرار سيترتب عليه الكثير من السلبيات على المجتمع.
سياسات التمويل
وأرجع هيثم، كل ما يحدث حالياً نتيجة لفقدان الجنية لقيمته الشرائية، وشدد على أنه كان يجب تطبيق هذه الزيادات في أسعار المحروقات تدريجياً وتماشياً مع القيمة الحقيقية للجنيه التي لم يبق منها شيء الآن (طبقاً لتعبيره).
وتابع: (هذا ليس رفع دعم، إنما سعر مناسب لهذه المحروقات في مقابل قيمة الجنيه، وما حدث له وارتفاع قيمة التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار).