تحديات العام الدراسي الجديد.. هل يتحول التلاميذ إلى وقود للحرب؟
تحقيق: هانم آدم
تحديات عدة تواجه استئناف العام الدراسي الجديد، فالظروف التي واجهتها الفترة الانتقالية والوضع الاقتصادي الراهن، ألقت بظلالها على جميع مناحي الحياة، وانعكس ذلك سلباً على التعليم، لتظل التحديات ماثلة للعيان، ومنها تأثر عدد من المدارس بالأمطار وانعدام المراحيض في بعض منها، بجانب أزمتي الخبز والمواصلات، وتمدد جائحة (كورونا) في موجتها الثانية.
وتسعى الجهات المُختصَّة لاتخاذ احتياطات عديدة لمنع التهديد الذي يواجه العملية التربوية.
(مدنية نيوز) فتحت ملف استئناف العام الدراسي الجديد وتحدياته، واستصحبت معها آراء المعنيّين بالأمر، فإلى مجريات التحقيق:
استئناف العام الدراسي أمر لا يخلو من تخوفات، حسب مراقبين، وتوقعات بغياب الطلاب، مستشهدين بالغياب الذي شهدته امتحانات الشهادة السودانية مؤخراً التي انعقدت في ظروف معقدة أيضاً. وعلى الرغم من مجهودات المعنيين بأمر التعليم لتلافي التحديات، إلا أن الغياب كان حاضراً في عدد من الولايات، الأمر الذي له تأثيره على فئة الطلاب، ومن ثم تأثيره على عملية التحول الديمقراطي برمته في البلاد.
لأولياء الأمور رأي
وأبدت نوال إسماعيل، إحدى الأمهات خلال إفادتها لـ (مدنية نيوز) أمس الأول، تخوفها من آثار (جائحة كورونا) خاصة وسط الطلاب، بجانب الغلاء المعيشي والوضع الاقتصادي الذي آل إليه حال البلد، وتساءلت: (هل لدى وزارة التعليم الاستعداد الكافي لانطلاقة العام الدراسي، حتى نستطيع أن نهيئ الأطفال؟).
وأضافت: (صُدمنا بعدم وجود مجانية التعليم، وما تزال المدارس تُطالب بنفس الرسوم السابقة شهرياً وغيرها من الرسوم التي تفرضها المدارس وحدها)، وأشارت إلى أن قيمة التسجيل في الصف الأول لمرحلة الأساس في إحدى المدارس لهذا العام وصلت (5) آلاف جنيه، ورأت أن تجميد العام الدراسي الحالي أو تأجيله أفضل من أن يُستأنف العام في ظل هذه الظروف الصحية والاقتصادية التي صارت ضاغطة على كل الأسر.
الحكمة مطلوبة
ومن جانبها نبهت إحدى الأمهات إلى أن طلاب هذا العام يواجهون جملة من التحديات، وبالتالي يصعب اختيار أي حل من الحلول لتجاوز هذه التحديات، الأمر الذي يتطلب وجود حكمة في الاختيار، وأبانت أن الطلاب نتيجة للأوضاع الراهنة أصبحوا بين أمرين حددتهما في استئناف الدراسة رغم التحديات، وقالت: (هنا يجب علينا تحمُّل نتيجة العواقب)، أو التأجيل، وأضافت: (هذا أيضاً له عواقبه).
ولفتت ذات الأم، إلى الاختلال الزمني لهذا العام، وما يترتب عليه من عوامل قد لا تتم معالجتها حتى العام القادم، ومن أبرزها وجود أكثر من دفعة للعام الواحد. وأردفت قائلة: (على الرغم من أنه لم يتبقَّ الكثير لاستئناف العام الدراسي، إلا أننا كأولياء أمور لم نكمل استعداداتنا حتى الوقت الحالي نتيجة للوضع الاقتصادي المتردي، وارتفاع تكاليف الاحتياجات المدرسية مثل الكراسات التي تجاوز سعر الدستة منها (700) جنيه، والوجبة والترحيل ناهيك عن بقية الاحتياجات).
مُهدِّدٌ حقيقي
واعتبر المعلم بمدرسة البقعة الثانوية بأمبدة محيي الدين علي، أن أكبر مهدد لاستقرار العام الدراسي هو الخبز، وأشار إلى أن المدرسة تضم أكثر من ألفَي طالب، ولا تستطيع (3) مخابز مجتمعة أن تسد حاجة هذه المدرسة وحدها، مع العلم أن المخابز متوزعة في المنطقة، بجانب وجود مشكلات في بعض اللجان الشعبية منذ عهد النظام المخلوع والتي ما تزال موجودة حتى الوقت الراهن، إضافة إلى وجود شبهة فساد بلجان المقاومة ولا يمكن الجزم بأنها جميعها حقيقية، وعدم التنسيق ما بين لجان المقاومة والمدارس.
وقال محيي الدين، لـ (مدنية نيوز): (في عهد النظام البائد كانت مشكلة الخبز تعالج بطريقة أمنية)، ولفت إلى أن أصحاب العديد من المخابز وتلك الجهات ينتمون لنفس النظام، وزاد: (لذلك عندما تحدث أزمة يستطيعون عن طريق جهاز الأمن حلها وتوفير الخبز، أما حالياً فلا يوجد انسجام بينها).
وأضاف: (منذ العهد السابق، فإن كثيراً من الأشياء لا يتم البت فيها، إلا عبر المدير التنفيذي للمحلية، الذي بدوره لا يمكنه تمرير شيء ما لم يكن مقدمه يتبع للنظام).
ورأى محيي الدين، أن هذه المشكلات تواجه المديرين الجدد، ونبه إلى أنه ما لم تتم السيطرة على أصحاب المخابز، فلا يمكن فتح المدارس، وذكر: (أما مسألة الكتب فهي محلولة)، وأشار لوجود نشرة وزعت على المدارس تحدد بعض الأشياء التي تم حذفها، وكذلك التي تمت إضافتها.
نقص احتياجات
وأشار محيي الدين، إلى إشكالية أخرى تتمثل في وجود نقص حاد في الاحتياجات المدرسية، وقال إن معظم المدارس عندما تم التسليم والتسلم فقدت كثيراً من الممتلكات، ومثل لذلك بمدرسته، وكذلك مدرسة البنات، وتابع أن مدرسته تحتاج إلى صيانة جديدة وبالكامل، وأن هناك مدارس لجأت لمخاطبة المواطنين عبر المساجد لأجل الدعم. ولم يستبعد محيي الدين حدوث كثيرٍ من المشكلات عند انطلاقة العام الدراسي، واقترح أن يتم تأجيله.
نسف العملية التعليمية
واتفقت معلمة بمدرسة (الإنقاذ) بنات جنوب الخرطوم مع زميلها في إفادته السابقة، بأن إشكالية الخبز قد تنسف العملية التعلمية، ورسمت واقعاً مريراً للمدارس بالمنطقة، ورأت أن انعدام الخبز سينشط بيع الخبز التجاري، وذكرت: (هذا يعني أن هناك ارتفاع في ثمن الوجبة، مع العلم أن معظم التلاميذ هم من الفئة الفقيرة).
وتابعت أن هناك جانب آخر يتمثل في عدم توفر الكتب المدرسية، ونبهت إلى أن الطلاب يدرسون حالياً منهجين مختلفين، وقالت إن الحكومة وضعت المعلمين في مواجهة مع المواطنين بإعلانها مجانية التعليم وعدم الالتزام بها، الأمر الذي جعل المعلمين يظهرون بمظهر الكاذبين أمام أولياء الأمور، مع العلم أن الرسوم الشهرية التي تفرضها المدارس هي للتسيير فقط وتوفير أبسط الاحتياجات مثل (الطباشير).
تساؤلات
وفي السياق أشار الخبير التربوي مبارك يحيى، في إفادة لـ (مدنية نيوز) لجملة من الصعوبات التي ستواجه العام الدراسي، واعتبر تطبيق السلم التعليمي الجديد (6-3-3) واحدة من التحديات، وتساءل: (هل المدارس مهيأة لذلك، لأن السنوات ستكون “12” بدلاً عن “11” سنة؟ وهل تمت دراسة أمر الرجوع للمرحلة المتوسطة؟).
ورأى يحيى، أن الرجوع لهذا السلم يعتبر حسنة لأنه النظام المعترف به دولياً، وذكر: (لكن هل هناك مسح قد تم بخصوص المدارس التي انهارت نتيجة للفيضانات؟ وهل أُخذ في الاعتبار توفير الكتب وبالمنهج الجديد في ظل تراجع وزارة المالية عن التزامها بدعم التعليم بنسبة 20%، وتقلص ذلك الدعم إلى 6%؟).
واعتبر الخبير التربوي مبارك يحيى، طبع الكتب وفقاً للصف (أولى الجديدة، وأولى ثانوي، وأولى متوسطة أكبر تحدٍ، ولفت إلى أن البيئة المدرسية لمرحلتي الأساس والوسطى تحتاج لفصول مهيأة)، وأضاف أن المرحلة الثانوية تحتاج لمعدات تطبيقية، وتساءل: (هل تم توفيرها ودُرّب المعلمون عليها؟)، ونبه إلى أن كثيراً من التطبيقات كانت تدرس بطريقة نظرية.
وأقترح مبارك يحيى، تكوين لجنة فنية تقوم بدراسة ميدانية لواقع المؤسسات التربوية، من ناحية التجهيزات والمعلمين ومدى جاهزية المدارس.
أصحاب تراحيل
آراء مختلفة لمستها (مدنية نيوز) من أصحاب مركبات يعملون في ترحيل الطلاب والإداريين بالتعاقد مع المدارس، وأكد صاحب ترحيل أنه لا يرغب هذا العام في العمل في ترحيل الطلاب، متعللاً بانعدام الوقود، وأن الوقود التجاري لا (يغطي) تكلفة العمل معه.
ومن جانبه أكد صاحب ترحيل آخر، يعمل في الترحيل مع مدرسة خاصة أنهم لم يحددوا حتى الوقت الحالي مع إدارة المدرسة القيمة المالية للترحيل، ولفت إلى أن ترحيل الطالب يتراوح بين (6- 10) آلاف.
إدارية بإحدى المدارس الخاصة، قالت إن المدرسة قررت رفع تكلفة الترحيل بنسبة (200%)، حيث يدفع الطالب (9) آلاف جنيه شهرياً، بدلاً عن (3) آلاف للعام السابق.
لا تخفيضات
شركة المواصلات إحدى الجهات التي ساهمت من قبل في مبادرة (وصلني) ودعمت ترحيل الطلاب الممتحنين للشهادة السودانية مؤخراً، بتخصيص (150) من المركبات، وكان لا بد من معرفة إن كان لديهم أي اتجاه آخر في هذا الجانب.
وقطع مدير شركة المواصلات بولاية الخرطوم محمد ضياء الدين، لـ (مدنية نيوز) بعدم وجود أي اتجاه لتخفيض تعرفة المواصلات للطلاب في الوقت الحالي، وكشف عن خطة لزيادة عدد البصات، وقال: (في ذلك الحين سيكون هناك تنسيق مع الولاية لأجل تحديد سعر التعرفة للطالب)، وأضاف أنهم جزءٌ من لجنة كونها والي الخرطوم لمناقشة قضايا العام الدراسي من إجلاس وغيره، وذلك للمساعدة في توصيل الطلاب بتحديد نقاط تجمعات لهم، وأشار إلى أن طلاب الأساس لديهم إشكالية في هذا الجانب لجهة أن المدارس غالباً تكون داخل الأحياء، عكس طلاب الثانويات والجامعات.
اعتراف بالتحديات
ولإلقاء مزيدٍ من الضوء على الاستعدادات للعام الدراسي الجديد، التقت (مدنية نيوز) بالمساعدة الإدارية للشؤون التعليمية لمحلية بحري إقبال نور الدائم، التي أقرت بأن العام الدراسي تواجهه العديد من العقبات مثل تأثر المدارس بالسيول والأمطار، وفقدان المراحيض، ونبهت إلى وجود قرى انهارت مدارسها مثل (الكباشي).
وقالت إقبال: (أما قطاع قري فتعاني مدارسه من عدم توفر الحمامات، ومثلت لذلك بمدارس “أولاد يس، سلمان الفارسي، وُدّهم، الأحامدة، قري الوادي، الأمل، الريان، الفاروق، النخيلة، الأِبيض، بجانب مدارس أخرى بالسامراب والحلفايا وأم ضريوة، والعمدة، والتقوى”).
وتابعت: (أما قطاع بحري الكبرى فتوجد مدارس خولة بنت الأزور، ومعاذ بن جبل، ونسيبة، وتوجد (3) فصول متصدعة بمدرسة مصعب، وفصلان بالحميراء ومثلهم المختار، بجانب معاناة قطاع السليت من مشكلة المراحيض)، وأضافت: (سوف يتم حفر (عينين) في كل مدرسة لأجل تغطية هذا الكم الهائل من المدارس التي تعاني من عدم توفر المراحيض).
ووجهت المساعدة الإدارية للشؤون التعليمية لمحلية بحري نداءً لكل قطاعات المجتمع للمساهمة وتفعيل مبادرة مثل المبادرة التي قام بها بعض الشباب لطباعة الكتاب المدرسي، وأشارت إلى أن مشكلة الكتاب المدرسي هي عبارة عن حذف وإضافة لبعض المواد بالنسبة للصفين (السابع والثامن)، أما منهج الصف السادس فقد وصلت للمخازن كتب (العلوم والتاريخ والجغرافيا)، وشكت من عدم التنسيق بين الوزارات، وطالبت مجلس الوزراء بالتدخل لحسم هذا الأمر، حتى لا يحدث تضارب في القرارات.
تحمل مسؤولية
وفي سياق ذي صلة رأت القيادية في لجنة المعلمين قمرية عمر، أن وازرة التربية قامت بما يخصها من مسؤوليات، غير أنها مرتبطة بوزارات أخرى، وأبانت أن الوزارة قامت بما يليها في جانب المناهج وتنقيحها عبر لجان وخبراء وتربويين، ووضعت مسودات للفصول الجديدة، واعتبرت أن التغيير سيحدث تدريجياً.
وأبدت قمرية، أسفها لعدم التزام حكومة الفترة الانتقالية بما يليها تجاه مجانية التعليم وعدم تسليعه، وأشارت إلى أن الحكومة رفعت يدها عن التعليم ولا تريد تحقيق أي شعار من شعارات الثورة (الصحة والتعليم).
وقالت قمرية: (حتى حصر المدارس التي تضررت وانهارت فصولها في فترة الخريف قامت به وزارة التربية، لكن لا يوجد تمويل لإجراء صيانة دورية لا في النظام الحالي أو العهد البائد، وأضافت: كان يفترض على وزارة المالية الالتزام بما تعهدت به وهو تخصيص (20%) للتعليم من الموازنة العامة للدولة).
ونبهت قمرية، إلى وجود إشكالية المواصلات التي ستواجه الطلاب، وأبانت أن الوزارة غير معنية بتوفير الوقود، واعتبرت أن هذه الإشكاليات قد لا تساعد في عملية استقرار العام الدراسي، وقطعت بأنهم لا يؤيدون تأجيل العام الدراسي، وشددت على أهمية الالتزام بالإجراءات الصحية، وأن توفر وزارة الصحة معينات الاحترازات الصحية.
تحوطات الحكومة
الحكومة من جانبها بدأت في وضع تحوطاتها استعداداً لانطلاقة العام الجديد، حيث أعلنت تخصيص مخابز محددة في كل محلية لرفد المدارس بالخبز.
وبحث اجتماع عقده والي الخرطوم أيمن خالد، توفير الكتاب المدرسي لمرحلتي الأساس والثانوي وطباعته في مطابع الولاية (آفاق، ومطبعة الخرطوم للصحافة والنشر)، وتوفيره بالتدرج حسب الإمكانيات المتاحة وحصر المتوفر من الإجلاس المدرسي والعمل على سد النقص فيه، كما بحث الاجتماع ترتيبات المواصلات وتوفير الوقود لوسائل النقل بالتنسيق مع وزارة الطاقة والتعدين لتحديد محطات لتزويد وسائل المواصلات.
وفي ذات المنحى أكد وزير التربية والتعليم بروفيسور محمد الأمين التوم، انطلاق العام الدراسي في موعده المحدد يوم (22) من نوفمبر الحالي، وأشار إلى اكتمال الترتيبات والاستعدادات لبدايته.
ونفى التوم لـ (نبض نيوز)، وجود أي اتجاه لتأجيل العام الدراسي، ولفت إلى انعقاد اجتماع مشترك مع وزارة الصحة تم الاتفاق فيه على انطلاق العام الدراسي في موعده المحدد، وأضاف أن الصحة أكدت لهم عدم وجود ما يمنع ذلك.
وتابع أن الوزارة ليست الجهة التي تحدد إغلاق أو فتح المدارس، بل مسؤولية وزارة الصحة في حالة ظهور حالات (كورونا) وسط الطلاب.
وأردف: (إذا شعرنا بأي مهدد للعام الدراسي سنأمر بإغلاق أية مدرسة، ولا نتحمل مسؤولية إصابة أي تلميذ بأذى).
وقال الوزير: (طالبنا الصحة بتحديد الإجراءات الاحترازية التي تضمن سلامة التلاميذ خلال ساعات اليوم الدراسي)، وتعهد بأن الوزارة على كامل الاستعداد لتنفيذها حفاظاً على صحة التلاميذ.
وكشف التوم، عن وضع خطط لضمان استمرار العام الدراسي والحفاظ على سلامة الطلاب، بتوجيه الأساتذة بتقسيم الأسبوع على الفصول الدراسية، على أن تكون للفصول الأول والثاني والثالث (3) أيام في الأسبوع، و(الخامس، السادس والسابع) الـ (3) أيام الأخريات.