قوى الثورة ونجاح الانتقال.. خبراء يُشرّحُون الواقع ويطرحون وصفة العبور
تقرير: محمد إبراهيم
شخّص، سياسيون وأكاديميون وقانونيون الراهن السياسي السوداني وقضايا التحول الديمقراطي والسلام، بتحليل منهجي عميق وخلصوا إلى أن التدهور والتضعضع الذي تعيشه الثورة بعد أكثر من عام من تشكيل الحكومة، يعود للانقسامات والخلافات التي دبّت في التحالف الحاكم المتمثل في قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت)، وذهبوا إلى أن فتح الوثيقة الدستورية وتبديلها باتفاق السلام الموقع في جوبا هو خرق دستوري خطير قد يؤدي لتمزيق السودان.
وشددت اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير على رفض فتح الوثيقة الدستورية إلا عبر المجلس التشريعي، ونبهت إلى إبلاغها الحكومة بهذا الموقف، غير أنها لم تأخذ به.
وتم تقديم تلك الرؤى في منتدى الحوار والمؤانسة ببيت التراث بالخرطوم مساء أمس السبت، حيث نظمت جماعة حماية الثورة والسلام والتحول الديمقراطي ومركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية ندوة حول (تحديات ومستقبل التحول الديمقراطي.. الوثيقة الدستورية وأثر تضمين اتفاقية سلام جوبا)، وشهدت الندوة تفاعلات وتداخلات من قوى سياسية مختلفة.
صراعات وأطماع
ابتدر النقاش القيادي البارز بحزب الأمة القومي د. إبراهيم الأمين، الذي اعتبر ثورة ديسمبر المجيدة أعظم إنجاز وتحول سياسي واجتماعي حدث في تاريخ البلاد والمنطقة بأسرها، وأرجع ذلك لتميزها وتمسكها بالسلمية وشمولها لكل مدن وقرى وأرياف البلاد. وتحدث الأمين، عن تحديات التحول الديمقراطي وأن اقتلاع النظام المخلوع تم إنجازه عبر الثورة، إلا أن الفترة الانتقالية شابها الكثير من الاخفاقات والفشل (على حد وصفه)، وانحرافها عن مهام الثورة.
وقال الأمين، إن الشخصيات التي تم اختيارها بالإنابة عن الثوار ضعيفة وفشلت في تشكيل المجلس التشريعي، واعتبر أن هذا الإخفاق قام به المدنيون في السلطة ومعهم العسكريون للانفراد بالسلطة وممارسة الديكتاتورية وتغييب الشعب، ورهن تحقيق التحول الديمقراطي بإنجاز مهام الثورة في الفترة الانتقالية.
وأظهر الأمين، انزعاجه من دخلات بعض الدول الإقليمية في الشأن السوداني، وذكر: (هنالك دول لديها أطماع في السودان وتتدخل تدخلاً سافراً في شأننا الداخلي منها مصر، إثيوبيا، السعودية، والإمارات، فضلاً عن القائد العسكري الليبي خليفة حفتر).
وصوّب الأمين، انتقادات للسياسة الخارجية لحكومة الفترة الانتقالية، ورأى أنه لم يحدث فيها تغيير يذكر على الرغم من مرور أكثر من عام من فترة الحكم، وأضاف أنها لا تدار عبر مؤسسات، وشبه تلك السياسة بسياسة النظام المخلوع، وشدد على أن السياسة الخارجية يديرها (3) أشخاص فقط في الحكومة، حددهم في (البرهان، حميدتي وعبد الله حمدوك)، وأشار إلى أن العسكريين من هؤلاء الثلاثة لديهم ارتباطات إقليمية يتحركون على إثرها في السياسة الخارجية.
وانتقد الأمين، طريقة السلام الذي تم في جوبا بين الحكومة والجبهة الثورية والمسارات التي حدثت فيه، وأبان أن الحكومة اتجهت لتشكيل حاضنة سياسية جديدة ووثيقة دستورية بديلة تبدأ الفترة الانتقالية منها، وأرجع كل هذه التغيرات لوجود شرخ وصراعات داخل تحالف قوى الحرية والتغيير مما أضعفه وشتته، واعتبر أن أكبر كارثة منيت بها (قحت) هي المجلس المركزي للحرية والتغيير، وقال: (هو الحلقة الأضعف ومدخل الشر في هذا التحالف).
تمزيق البلاد وغياب الديمقراطية
ومن جانبه أشار أستاذ علم الاجتماع والمدير الأسبق لمعهد الأبحاث الإنمائية د. عبد الغفار محمد أحمد، إلى تآمر الدول الغربية والكبرى وأطماعها في البلاد، وأنها دول تدبر بإحكام لتمزيق السودان، ورأى أن اتفاق سلام جوبا هو المدخل لتفتيت البلاد عبر المسارات التي اتبعت فيه، ونبه إلى أن هذا المخطط قد بدأ فعلاً بالإشارة إلى الصراعات التي يشهدها الشرق باعتباره البذرة الأولية، وقال: (هذا المخطط سوف يستمر ويشمل جميع المسارات التي وقعت بجوبا).
ومن جهته لخص د. مصطفى خوجلي، حديثه في ضرورة ممارسة الديمقراطية في الفترة الانتقالية على المستوى الحكومي والحاضنة السياسية وقوى الثورة، لإحداث التحول الديمقراطي وتفعيل المشاركة الواسعة للجماهير، مع المسؤولية والمحاسبة وممارسة النقد الذاتي والالتزام بالتواضع.
ولفت خوجلي إلى أن قوى الحرية والتغيير منذ تشكيلها قامت على أساس غير ديمقراطي، واعتبر أن الديمقراطية غير ممارسة حتى داخل لجان المقاومة، ورهن مصطفى نجاح الثورة وتحقيق أهدافها في الوصول للتحول الديمقراطي، بتطبيق الديمقراطية وإرساء مبادئها والشفافية ومكاشفة الجماهير.
تغرات قانونية
ومن ناحيته وصف عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم والخبير القانوني في لجنة العقوبات الدولية د. محمد عبد السلام، اتفاق سلام جوبا بغير الدستوري، وأنه متعارض مع مبادئ الوثيقة الدستورية، وشدد على أنه ليس من سلطات المجلسين (الوزراء والسيادي) فتح الوثيقة الدستورية، وأبان أن ذلك من مهام المجلس التشريعي بثلثي الأعضاء.
وقال عبد السلام: (إذا كانت هنالك محكمة دستورية مستقلة سوف تلغي هذا الاتفاق لمخالفته الإجرائية والموضوعية للوثيقة الدستورية)، وأوضح أن الاتفاق قائم على مبدأ تقاسم السلطة والثروة.
ورفض عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم والخبير القانوني في لجنة العقوبات الدولية تشبيه اتفاق جوبا باتفاق السلام الشامل في عام 2005، وذكر: (الوثيقة الدستورية تم توقيعها بناءً على حوار سياسي بين قوى المعارضة والسلطة، وكذلك اتفاق السلام الشامل أتت الوثيقة بعد الاتفاق السياسي).
ورأى عبد السلام، أن اتفاق سلام جوبا عقد الأوضاع، خاصة في البند الذي يتحدث عن أنه حال تعارض اتفاق السلام مع الوثيقة الدستورية تسود أحكام اتفاق السلام، واعتبر ذلك خللاً.
وأضاف أن هذه التعديلات التي أدخلت تنزع ما تبقى من السلطة من أيدي المدنيين وتعزز موقف العسكريين، وتابع: (الأحكام العامة لاتفاق سلام جوبا قفلت الباب أمام حركات الكفاح المسلح الأخرى التي لم توقع على السلام بعد، وتلزمها بحسب الأحكام بالاعتراف بهذه الوثيقة).
ولفت عبد السلام إلى أن الاتفاق لم يحمل أية رؤية للعدالة الانتقالية، وشدد على أن الذين وقعوا الاتفاق من الطرفين الحكومي والجبهة الثورية متورطون أيضاً في قضايا إبادة جماعية وانتهاكات لحقوق الإنسان في مناطق الصراع، وأن كل الأدلة والملفات موجودة.
وزاد أن الاتفاق لم يتحدث عن آليات صناعة الدستور وإشراك الضحايا في العدالة الانتقالية، وطالب بتشكيل مفوضية مستقلة لكل من (صناعة الدستور، الانتخابات، ومكافحة الفساد).
التوحد حول الهدف
وبدوره أبان عميد الصحفيين السودانيين محجوب محمد صالح، أن الجميع متفقون على ضرورة إتمام السلام الشامل كضرورة حية للتغيير، إلا أنه أعاب على اتفاق السلام الموقع في عاصمة جمهورية جنوب السودان جوبا، المسارات التي اتبعت والجدل والصراعات التي أحدثتها، وأشار إلى أن المسارات شملت مناطق لم تشهد حرباً ولم تحتوِ على معسكرات نازحين وغيرها.
I was looking at some of your articles on this website and I conceive this web site is really instructive! Keep on putting up. Mame Leonerd Garrott