صحفيو السودان تحت القصف والتشرد والمنع من العمل
بورتسودان: عائشة السمانى
ابتدرت الصحفية (ح.ر.أ) حديثها قائلة “منذ الطلقة الأولى للحرب العبثية توقف كل شيء في الحياة بالنسبة لنا، أصبحت عبارة عن ترقب وقلق ليل نهار تحت وابل الرصاص بالمنطقة التي اسكن فيها انا واسرتى، وهي تعتبر أحد محاور الاشتباكات والوجود الكثيف لقوات الدعم السريع فى اغلب الشوارع، حيث ظلت هذه الاحياء الشعبية تعيش حالة من الرعب نسبة لاطلاق النار المتكرر وسقوط القذائف وهدم المنازل وموت بعض السكان، والبعض يصاب بالجروح وفقدان الاطراف، جراء القصف المتواصل ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
حياة تحت القصف
وتواصل (ح) في حديثها ل(مدنية نيوز) “اعيش انا واسرتي أوضاعا مأساوية بسبب القصف المستمر على الحي الذي نسكنه بسبب دخول قوات الدعم السريع في الحى بكثافة، واتخاذنا دروعا لها حتى اصبحنا لا نستطيع الخروج من المنازل وجلب الطعام، والان لا نملك شيء غير الخوف والرعب والانتظار المستمر املا في توقف الحرب”.
وقالت “توقف جميع افراد الاسرة عن العمل وتوقفت كل مصادر الرزق بالنسبة لنا، وتوقفت البطاقات العلاجية التي كان يستخدمها والدي ووالدتي المصابان بالامراض المزمنة (السكري والضغط)، انقطعت انا عن مواصلو العلاج حيث كنت اتلقى علاجا مستمرا بعد إجراء عملية جراحية في العام الماضي، كما انفذ العلاج في الصيدليات، ولم نستطيع ان نغادر منزلنا حتى الان لان عدد افراد الاسرة اكثر من عشرة اشخاص فيهم من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
مخاطر أمنية
وتضيف الصحفية، ان الخروج من العاصمة أمر مكلف جدا وسط هذه التحديات التي تحيط بالأسرة، لذا فضلوا البقاء تحت الرصاص املا في مخرج عاجل وتوقف الحرب، ولكن مؤاخرا زادت مخاوفها وقلقها المستمر على الأسرة بعد سقوط مقذوف مدفعي على الحي الذي يقطنون به ووفاة ابنة الجيران ذات الخمسة عشر عاما، وجرح جارتهم الستينة وعدد من الشباب.
وتابعت (عملي كصحفية لم يعد متاحا نسبة للمخاطر الأمنية التي تحيط بي، الخوف من سرقة الهاتف أو التفتيش في لحظة او مداهمة وسرقة المنزل كما حدث مع معظم السودانيين، خاصة وان الحي الذي نقطنه أصبح فيه عدد المسلحين اكبر، اضافة للمساجين الفارين من السجون، ويوميا بعد صلاة المغرب يبدأ ضرب الرصاص والترويع، وقد اخترقت احدى طلقات الرصاص الذي يسقط من جراء الضرب العشوائي سقف منزلنا..
الوضع لا يمكن احتماله ابدا وليس هناك مجال للتنفس الآمن، وترقب الموت أصبح أكثر من الحياة هكذا يعيش الجميع الناس).
وتشير (ح) الى ان الناس سألوها بحكم عملها ماذا سيحل بهم، فلا تجد اجابة، ولأول مرة تشعر بالعجز لعدم حصولها على معلومات حقيقية تهديء بها روع الناس من حولها او حتى نفسها. وتضيف (نحن نعيش في سجن كبير محاصر بالموت والمخاطر الحقيقة، نحن تحت النار التي لا يريد لها المتقاتلون ان تخمد ليشعر الناس بالامان).
مضايقات أمنية
من جانبه قال الصحفي ياسر عركي الذي نزح مع عدد من الصحفيين الى ولاية الجزيرة، بسبب وقوع سكنه في الخرطوم في منطقة الاشتباكات ل(مدنية نيوز ): “نعاني كصحفيين أوضاعا صعبة ونجد مضايقات أمنية شديدة بسبب محاولات المجلس العسكري خداع العالم ان الحرب التي تدخل شهرها السادس بين الجيش والدعم السريع تجري احداثها في مدن عاصمة البلاد الثلاث الخرطوم وامدرمان وبحري بجانب دارفور”.
واوضح عركي انهم كصحفيين واعلاميين يتعرضون لمضايقات ومنع من السلطات الأمنية حال دخولهم للدور الايوائية لعكس الاوضاع الانسانية التي وصفها بانها بالغة التعقيد، مبينا انه يعيش مئات الالاف في ولايات السودان في مدارس ودور إيواء تفتقد للغذاء والمياه النظيفة والخدمات الصحية، وفي ظل تردي بيئي يهدد بكوارث صحية من بينهم صحفيين وصحفيات واسرهم.
تراخيص العمل
وابان ان الجهات تشترط على الصحفيين /ات تقديم طلب من أجل السماح بالعمل للجهات الامنية، وعند تقديم الطلب فإن الاخيرة تقوم بالمماطلة، ولا يبت في الطلب ويستمر ذلك لشهور، ووصف اوضاع الصحفيين /ات بالمأساوية والاغلبية نزحوا وبقي البعض الاخر تحت نيران الحرب، مع منعهم من ممارسة عملهم، او وضع العراقيل في طريقهم حتى لايقوموا بممارسة عملهم وعكس الاوضاع الانسانية.
واوضح عركي انهم توقفوا عن العمل لاكثر من خمسة اشهر بعد قرارا منعهم عن العمل، وادى ذلك الى توقف مصدر دخلهم، وقال ان قرار منع اي فرد عن ممارسة مهنته تجرمه عديد من القوانين الدولية الموقع عليها السودان.
البحث عن عمل
وخلال الاشهر الماضية منذ اندلاع الحرب، تعرض صحفيون وصحفيات للحصار داخل منازلهم مع بقية المواطنين، ونهبت اموالهم ومقتنياتهم من قبل العصابات وقوات الدعم السريع، فيما تمكن كثيرون من الفرار الى مدن وولايات اخرى، لكنهم صاروا مشردين بلا عمل او اموال، وانقطعت ارزاق عدد كبير منهم بعد توقف المؤسسات التي يعملون بها، وايقاف اخرين عن العمل بسبب توقف التمويل.
ويعيش حاليا عدد من الصحفيين والصحفيات مع اسرهم واقاربهم في مدن وقرى الولايات، فيما غادر عدد قليل البلاد لدول الجوار، في وقت يسكن عدد منهم في دار ايواء عبارة عن مدرسة صغيرة في مدينة ود مدني، ويبحث بعضهم عن اي عمل لاعالة اسرته، بينما قرر البعض الاخر العمل في مهن هامشية داخل الاسواق في عدد من الولايات.
وعلمت (مدنية نيوز) أن هناك تضاربا داخل الاجهزة الامنية والعسكرية حول السماح للصحفيين بحرية للعمل، حيث ترفض بعض السلطات في الولايات الاعتراف بتراخيص العمل المركزية التي يحملها الصحفيون منذ كانوا في العاصمة الخرطوم، وبينما توافق بعض الجهات الامنية والعسكرية، ترفض جهات اخرى الترخيص للصحفيين بالعمل الميداني، وتسبب ذلك في توقف عمل أغلب الصحفيين وتخوفهم من الاعتداء عليهم او تحطيم معداتهم.
تشريد ونهب
من جهته قال نقيب الصحفيين السودانيين عبد المنعم ابو ادريس في حديث ل(مدنية نيوز) ان الصحفيين والصحفيات مثل بقية المدنيين، تعرضوا للتشريد ونهب منازلهم، كما انهم تعرضوا لعدة انتهاكات اولها الانتهاكات الجسدية بالضرب والتوقيف من اطراف الحرب، اضافة لقصف منازلهم ونتج عن ذلك فقدان ثلاثة صحفيين ارواحهم، اضافة الى الاصابات.
انتهاك الحرية
واوضح ابو ادريس ان اطراف الحرب انتهكت حريتهم في التنقل وهذا تسبب في اغراق الفضاء بالاشاعات والاخبار الزائفة.
وبين النقيب ان عشرة مؤسسات صحفية تعرضت للقصف هذا غير الاذاعة والتلفزيون الرسميين اللذين ظلا منطقة اشتباك منذ بداية الحرب، مما يهدد معداتهم وما فيهما من ارشيف. اضافة الى ان الانتهاك للحقوق الاقتصادية، فقد توقفت المؤسسات الخاصة والحكومية عن سداد المرتبات بحجة ان بعضها تَوقف عن العمل، ووفقا لاحصاءات النقابة فان 90% من الصحفيين والصحفيات صاروا بلا عمل في ظل نزوحهم عن منازلهم، ولجوء بعضهم الى دول الجوار.