(مدنية نيوز) تفتح ملف المدينة الرياضية.. قيادات بالنظام المخلوع في (قفص الاتهام)
وزيرة الشباب والرياضة: الأخطاء تهدد استكمال المدينة ولن نبحث عن انجازات جوفاء
تحقيق: هيام تاج السر
ينتظر السودانيون، والرياضيون منهم على وجه أخص اكتمال حلقات الوضوح حول ما جرى ويجري بشأن المدينة الرياضية، لماذا لم تكتمل؟، وكم هي المساحة المقررة لها؟، وكم من المساحات تم استقطاعها من مشروع المدينة؟، ولصالح من؟، وكم تبلغ المساحة المتبقية؟، ومن هم المسؤولون عن ذلك؟، وما هو الموقف القانوني وما المتوقع؟، وهل هناك إمكانية قانونية لطلب تعويضات يمكن أن تساهم في عملية الانتقال الديمقراطي بتغذية الخزينة العامة؟، كل هذه الأسئلة تطرحها (مدنية نيوز) ، وتحاول الإجابة عليها من خلال التحقيق التالي:
وأكدت وزيرة الشباب والرياضة الاتحادية المهندسة ولاء البوشي، أن الشق القانوني في ملف المدينة الرياضية قطع شوطاً بعيداً وشارف على النهاية، وقالت لـ (مدنية نيوز): (ملف التعديات على أراضي المدينة الرياضية أمام النائب العام الآن تمهيداً لرفع الملف للقضاء بعد أن انتهت النيابة من التحريات ووجهت الاتهام لبعض قيادات منسوبي النظام المخلوع).
وأضافت: التحريات في ملف التعديات المالية قطعت أيضاً شوطاً بعيداً، وبحسب المتابعة اللصيقة للإدارة القانونية للوزارة فإننا نتوقع أن يتم رفع الملف قريباً للنائب العام تمهيداً لرفعه للقضاء. ونوهت الوزيرة لقرار سابق من النيابة بالحجز على كل أراضي المدينة الرياضية ومنع التصرف فيها وبالتالي لا يمكن بدء أي عمل عليها قبل حسم القضية.
مستقبل المدينة الرياضية
وحول رؤية الوزيرة لمستقبل المدينة الرياضية وكيفية إكمال العمل فيها متى ما انتهى الملف القانوني، ذكرت وزيرة الشباب والرياضة: المساحة المتبقية من المدينة الرياضية هي فقط مساحة الملعب الأولمبي، وحتى تلك المساحة وحسب تقارير المراجع العام فإن تشييدها صاحبته أخطاء، صحيح أنه تم الإشارة لمعالجتها لكننا لا نستطيع أن نبدأ أي عمل لاستكمال الملعب الأولمبي قبل أن نتأكد من سلامة المنشآت القائمة الآن، لأننا لا نبحث عن انجازات جوفاء وسلامة الناس بالنسبة لنا أهم مئات المرات من إنجازات وقتية وغير مأمونة العواقب، لذا سنقوم بمراجعة المنشآت الموجودة أولاً قبل الشروع في إكمال العمل.
وأضافت الوزيرة الاتحادية: سبق أن ناقشت ملف المدينة الرياضية مع وزير المالية السابق د. إبراهيم البدوي، ثم بحثته مع الوزيرة المكلفة حالياً د. هبة محمد علي، وناقشنا مسألة إيجاد تمويل لإكمال العمل حال التأكد من سلامة المنشآت وسنتحرك في كل الاتجاهات لحل مشكلة التمويل، لكننا لن نستبق الأحداث الآن ونعلن عن شئ قبل أن يسدل الستار على القضية قانونياً.
وكانت وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي قد أعلنت إيقاف العمل في المدينة الرياضية بعد أن عقدت جلسة مع النائب العام، وفتحت بلاغاً لدى نيابة مكافحة الفساد بعد تسليم كافة المستندات المتعلقة بالتعديات التي تمت على أراضي المدينة الرياضية والمُخالفات الإدارية والمالية والهندسية التي صَاحبتها لتضع مجموعة من رموز النظام المخلوع في قفص الاتّهام وفي مواجهة عقوبات يُمكن أن تصل للسجن المُؤبّد أو الإعدام بحسب تأكيدات قانونيين.
القرار (45)
وكانت الوزيرة قد كشفت خلال مؤتمر صحفي عقدته بمقر (سونا) في وقت سابق، أنّ فكرة إنشاء المدينة الرياضة لم تبدأ في العام 1991 كما يعتقد كثيرون، بل بدأت في العام 1966 بواسطة شركة بلغارية، لكن مشاكل التمويل حَالَت دُون تنفيذ الفكرة، وأنه في العام 1991 أصدر رئيس النظام المخلوع عمر البشير، القرار رقم (45) بنزع ملكية أراضي الساقية بمساحة (354,23) فداناً ما عدا الحصص 33/1 – 33/15 وتخصيص مساحتها لإنشاء مدينة السودان الرياضية.
التعديات
وشملت التعديات على المدينة الرياضية مربع 26 (غرب المدينة الرياضية) ومساحته (3230850) متراً مربعاً بعدد (369) قطعة سكنية مساحة القطعة (500) م، علما بأنّ القرار التخطيطي حدّد التعويض بعدد (358) قطعة، والمفاجأة أنّ المراجع العام أفاد في تقريره أنه لم يجد ما يفيد باستلام أصحاب التعويضات لتعويضاتهم، علماً بأنّ التعويض تمّ على مساحة (179,500) م وباقي المساحة تم التصرف فيها بالبيع الاستثماري بواسطة ولاية الخرطوم وقدرها (144,350) م. مع الإشارة إلى أنّ صور تنفيذ القرار وُزِّعت لعدد (13) جهة ليست من بينها وزارة الشباب والرياضة (المالك) لتلك الأراضي.
وَلَم تَتَوَقّف التّعديات عند الجهة الغربية فحسب، فحدثت تعديات على جنوب المدينة الرياضية مربع (29) على مساحة (139,500) م لـ(196) قطعة سكنية. وامتدت التعديات لجنوب شرق المدينة الرياضية حيث حدث تعدٍ على مساحة (55,500) م وزّعت بموجبها عدد (92) قطعة استثمارية، ووزّعت تلك المساحات عن طريق خطاب صادر من مساعد المدير العام للإيرادات بولاية الخرطوم في ذلك الوقت (عام 1997)، وأيضاً تم توزيع صور القرار للتنفيذ لعدد (13) جهة ليس من بينها وزارة الشباب والرياضة المالك لتلك الأرض.
وَشَملت التعديات شرق المدينة الرياضية، القطعة رقم (339) بمساحة (11,359) م والقطعة رقم (394) بمساحة (17,040) م وأنشئ عليها قاعة مؤتمرات وخُصِّصت لمنظمة طوعية، وتم بيع قطعتين استثماريتين بمساحات (4,589,44) م و(11,359,43) م، وفتح شارع شرق المدينة الرياضية بعرض (30) م، والقطعتان بالرقمين (332) و(330) بمساحة (4800) م بيعتا كقطعتين استثماريتين دُون وجود قرارٍ تخطيطي بشأنهما.
أراضٍ لجهات مجهولة
وكشف تقرير المراجع العام وحسب المؤتمر الصحفي لوزيرة الشباب والرياضة الاتحادية ولاء البوشي، أنّ هناك مساحات خُصِّصت نهائياً لأجسام اتضح بعد المراجعة أنها لا تتبع لأية جهة ولا يعرف عنها شيء مثل القطعة رقم (235) البالغة مساحتها (110,000) م، التي خصّصت نهائياً لـ(المجلس القومي للرياضة الجماهيرية)، وهو كيان لا وجود له ولا يتبع لأية جهة وبالتالي لا يعرف شيء عن مصير المساحة التي خُصِّصت له.
كما خصّصت اللجنة المفوضة على إنشاء مجمع إسلامي بالجزء الجنوبي الشرقي بمساحة (4000) م باسم وزارة الشؤون الاجتماعية ولاية الخرطوم، وبالمُراجعة اتّضح أن هذه القطعة مُنحت لـ(جمعية أصحاب الميمنة ودار القرآن الكريم) وأثبتت المراجعة أنّ الجمعية غير مُسَجّلة في سجل المنظمات الطوعية.
وتمتد المساحات التي خُصِّصت لمؤسسات لا تتبع لأية جهة لتشمل القطعة رقم (230) بمساحة (35,000) م التي صُدِّقت (لمصحف أفريقيا) بمكاتبات بين عبد الرحيم محمد حسين ووزير الشؤون الهندسية في ذلك الوقت شرف الدين بانقا، وتقرير المراجع لم يجد أية جهة يتبع لها مصحف أفريقيا، وكشفت الوزيرة في هذه النقطة أنّها تَحَصّلَت على مُستندات للعَديد من المكاتبات والخطابات بين عبد الرحيم محمد حسين وشرف الدين بانقا حول هذه القطعة وقامت بتسليمها مع بقية المُستندات للنيابة.
أراضٍ لصالح جامعة أفريقيا
التعدي على أراضي المدينة الرياضية شمل القطعة رقم (380) بمساحة (85,000) م خُصِّصت لجامعة أفريقيا، وأشارت الوزيرة إلى أنها تحصّلت على مستندات لمخاطبات ومكاتبات بشأن تلك القطعة بين وزير التخطيط الاجتماعي في ذلك الوقت علي عثمان محمد طه ووزير الدولة بوزارة التخطيط الاجتماعي يوسف عبد الفتاح وشرف الدين بانقا وزير الشؤون الهندسية، كما تحصّلت على خطاب من كبشور كوكو الذي كان يحتل أيضاً منصب وزير دولة بوزارة التخطيط الاجتماعي يوصي فيه بعدم التصرُّف في هذه المساحة وعدم منحها لجامعة أفريقيا، غير أنّ خطابه تَمّ تجاهله وتم التصرُّف في المساحة وتخصيصها للجامعة، وأثبت تقرير المراجع العام لاحقاً أنّ الجامعة لم تكتفِ بالمساحة التي خصّصت لها (85,000)م، بل تجاوزتها وتَعَدّت على مساحة أكبر من أراضي المدينة الرياضية.
تعدٍ بنسبة (73%)
التقارير والمُستندات التي تُوضِّح التعديات التي تمّت على أراضي المدينة الرياضية، كشفت أن التعدي وصل نسبة (73%) من أرض مدينة السودان الرياضية، حيث تم التعدي على (1,082,000) (مليون واثنين وثمانين ألف متر مربع) من إجمالي مساحة المدينة الرياضية المُقدّرة بـ(1,488,000 متر مربع)، حيث لم يَتبقَ من مساحة المدينة الرياضية سوى (406,000) وهي مساحة لا تتجاوز (27%) فقط من مساحتها الأصلية.
مُخالفات بالجملة
وحسب وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي، فإنّ المُخالفات التي تمّت في أمر المدينة الرياضية تشمل مُخالفات دستورية لأنّ دستور السودان يحظر التصرُّف في الأراضي القومية، إلى جانب مخالفات جنائية ومخالفات لقانون الأراضي، ومُخالفات لقرارات صادرة من رئيس النظام المخلوع نفسه الذي أصدر قراراً في العام 2003 بحظر التصرُّف في الأراضي والعقارات الحكومية، ومُخالفات لقرار صادر من وزير العدل في العام 2004م بحظر التصرف في بعض المُربّعات لحين حسم النزاع القائم حولها بين وزارة الشباب والرياضة ومصلحة الأراضي وهي كلها قوانين وقرارات تمّ تكسيرها، وتشمل المُخالفات كذلك مُخالفات إدارية في توقيع العقود واختيار الجهات المنفذة بدون طرح عطاءات، إلى جانب المُخالفات الهندسية والمالية.
الموقف القانوني
وأوضح المحامي والرياضي خالد سيد أحمد، في إفادة لـ (مدنية نيوز) أمس الأول أن الأحكام التي يمكن أن تصدر بحق المتهمين في ملف المدينة الرياضية قد تصل للسجن المُؤبّد أو الإعدام حال تم توجيه تُهم له بالمادة (177) الفقرة (2) المُتعلِّقة بخيانة الأمانة، خُصُوصاً وأنّ المال المُعتدى عليه مال عام وكذلك الأراضي التي تم التعدي عليها، وكشف سيد أحمد، أن النيابة يمكن أن تُوجِّه الاتّهام لعدد كبير من المتهمين بعد دراسة ملف المدينة الرياضية ومراجعة المستندات وأثناء سير التحري، وبعد أن تقوم بتفصيل التُّهم بحسب نوعية مُخالفة كل فردٍ، حيث يمكن فتح بلاغات بمواد اختلاس أموال أو خيانة أمانة أو الثراء الحرام والمشبوه أو الإهمال الفاحش واستغلال النفوذ وغيرها من المُخالفات التي يُمكن أن تتوصّل لها النيابة من خلال التحري. وأشار إلى أنه بالعودة للعقوبات، فإنّ الأحكام تصدر بطبيعة الحال حسب حجم الجُرم الذي ارتكبه كل متهم حال ثبوت التهم وبالتالي يمكن أن تأتي مُتفاوتةً طبقاً لطبيعة الاتهام.
إزالة واستعادة
وبشأن الأراضي التي تم التعدي عليها وتحويلها لقطع سكنية أو مقارٍ لجهاتٍ ومُؤسّسَات أخرى، لفت خالد سيد أحمد، إلى أن المحكمة حال ثبت لها أنّ تلك الأراضي مملوكة لوزارة الشباب والرياضة وثبت أنه تم التعدي عليها، يمكن أن تصدر قراراً بإزالة كل المنشآت التي تمت فيها وتسليم الأرض للجهة المالكة لها وهي (وزارة الشباب والرياضة)، إلا حال حُدوث تسوية بين المالك والمستفيدين من تلك الأراضي، حيث يتم تعويض المالك مالياً، لكن مع ملاحظة أن التسوية لا تجوز في حق وممتلكات الدولة إلا حال تمّت بشكل استثنائي مُراعاةً لمصلحة عامة أو جبر لضرر أكبر يمكن أن يحدث حال تمّت الإزالة، والأمر وقتها سيعتمد على موقف المالك الذي تُحدِّده المحكمة.
محاكم خاصة
وأبان المحامي خالد سيد أحمد، أن الزمن الذي يمكن أن تستغرقه القضية في ساحات القضاء يعتمد على سُرعة إكمال التحريات وتوجيه التهم وتحديد المتهمين وتحويل الملف للقضاء، ومن ثَمّ طبيعة المحاكم التي سيتم التقاضي فيها، حيث يجوز لرئيس القضاء في القضايا المهمة والكبيرة والمتعلقة بالمال العام أن يُشَكِّل لها محاكم خاصة حسب طبيعة القضية ويختار لها قضاة أكفاء.
وقال المحامي خالد سيد أحمد، إن ميزة المحاكم الخاصة أنّها تُساعد على سير مراحل التقاضي بسرعة عبر عقد جلسة يومياً أو (3) أو (4) جلسات أسبوعية وفقاً لأمر التأسيس الصادر من رئيس القضاء، وحال تم تحويل القضية إلى المحاكم العادية فيمكن أن تستغرق وقتاً طويلاً بسبب تباعُد فترات الجلسات بالنظر للضغط على المحاكم العادية.
إيقاف ومراجعة العمل
ووصف المحامي خالد سيد أحمد، خطوة إيقاف العمل في المدينة الرياضية بعد البلاغ الذي تم تقديمه في النيابة بالطبيعية، وقال: عندما يتم فتح بلاغات بهذه الشاكلة فإنّ النيابة تلقائياً تأمر بإيقاف العمل مع تشكيل لجان فنية وهندسية لتقييم العمل وتقديم تقارير تكون بمثابة بيِّنة فيما بعد، حيث يتم استصحابها في أعمال التحري، وتلك التقارير تُحدِّد الحالة الراهنة للمباني الموجودة وإن كانت صالحة بأكلمها أو صالحة جُزئياً وتحتاج لمُعالجاتٍ جُزئيةٍ أو كانت غير صالحة كلياً وينبغي إزالتها، ويتم ذلك العمل بعد مُراجعة كل العُقُود والاتّفاقات والمواصفات القياسية المُتّفق عليها.
تعويض كبير
وأشار القانوني والرياضي خالد سيد أحمد، إلى أن من تُوجّه لهم التُّهم تتم مُحاكمتهم أولاً على المُخالفات الجنائية، لكن القانون الجنائي نفسه يُشير إلى أنه حال تَرَتّب على تلك المخالفات أضرارٌ ماديةٌ، فيجوز للشاكي طلب تعويض بحجم الضرر الذي تَعرّض له، لأنّ المحاكم الجنائية لديها سلطات مدنية بنص المادة (204)، وحال أثبتت وزارة الشباب والرياضة (الشاكي) أنّها تَعرّضت لضررٍ بالغ مادي ومعنوي من المُخالفات التي تمّت وتسببت في إضاعة الكثير من المَكاسب الرياضية والشبابية عليها، عطفاً على التعدي على أراضي المدينة الرياضية والمُخالفات التي صاحبت إنشاءها وعدم اكتمالها فيجوز لها تقدير تلك الأضرار المادية والأدبية والنفسية وطلب تعويض عليها يمكن أن يصل لملايين الدولارات.