قضية المفقودين .. رصاصة في صدر الثورة
الخرطوم: سيد أحمد إبراهيم
تظل قضية المفقودين، إحدى القضايا التي تمثل مصدر إثارة للرأي العام، خاصة عند ظهور أخبار متعلقة بالقضية، وأعلنت لجنة التحقيق في القضية قبل أيام، عن العثور على مقبرة جماعية بالقرب من جبال المرخيات غرب أمدرمان رجحت أنها ذات صلة بأحداث القيادة العامة.
وقالت اللجنة في بيانها إن المقبرة تحوي جثامين تم دفنها بصورة تتنافى مع الكرامة الإنسانية، وتعهدت بأن تجري كافة التحقيقات اللازمة لاستكمال عمليات البحث وإعادة التشريح بعد وضع حراسة مشددة على موقع المقبرة لضمان عدم الاقتراب نحوها حتى اكتمال التحقيق، واتخاذ الإجراءات اللازمة، وكشفت عن زيارتها لكل المشارح للتحري والتحقيق معها.
وبرزت قضية المفقودين، بعد أحداث (مجزرة فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة)، واختفاء أعداد كبيرة من المواطنين لم يتم إحصاؤهم مع القتلى ولم يتم العثور عليهم أحياءً، ونشطت حملات مكثفة لتسليط الضوء على قضية المفقودين وللبحث المتواصل عنهم، ومنها مبادرة مفقود التي عملت على رصد أعداد المفقودين وقدرتها بالعشرات، تم العثور على (45) شخصاً منهم.
وتشكلت لجنة للتحقيق في اختفاء الأشخاص، قبل عام وشهرين بقرار من النيابة العامة، وتضمُّ اللجنة (14) عضواً، برئاسة المحامي الطيب أحمد العباسي، ومقررها وكيل النيابة أحمد سليمان، وعدد من المحامين إلى جانب ممثلين لمبادرة مفقود، وممثل لأسر المفقودين، وتختص بالتحري والتحقيق حول اختفاء أشخاص من ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم، أثناء قيامه أو بعد فضه.
إهدار الإنسانية
وأثار ظهور مقبرة جماعية شمال أمدرمان، قضية المفقودين من جديد، حيث سادت على مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل غاضبة تجاه المقبرة وعمليات الدفن غير الإنسانية والتي لا تراعي أبسط حقوق الإنسان.
بيّنات وثوابت
وفي السياق، قال عضو لجنة التحقيق النيابية، المحامي نصر الدين يوسف لـ(مدنية نيوز) أمس الأول، إن اللجنة تحصلت على إفادات وبيّنات قوية ومتماسكة ترجح أن المدفونين جماعياً ضحايا الاعتصام، وكشف عن استعانتهم بخبراء فنيين أثناء عملية النبش الأولي التي أثبتت وجود جثامين في سطح المقبرة حاول من دفنوها تسويتها بالأرض، وأضاف: (تأكدنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الدفن الجماعي تم بعد يوم 3 يونيو 2019م وتبيّن أن الدفن تم في وقت متأخر من الليل وبتستر).
إجراءات للتقصي
ونفى عضو لجنة التحقيق، ادعاءت جهاز المخابرات العامة بأن المقبرة تعود لقتلى جهاز الأمن من معركة الذراع الطويل مع حركة العدل والمساواة (2008)، وشدد على أن المقبرة والجثامين التي بها حديثة ولم تكمل العام والبينات تؤكد ذلك، وأشار إلى أن أحد أهداف اللجنة إعادة دفن الجثامين وتكريمهم كشهداء بما يليق بمقامهم والكرامة الإنسانية، ولفت إلى أن اللجنة تتابع الإجراءات القانونية ذات الطابع الطبي المتعلقة بالتأكد من هوية الجثامين عن طريق فحص الحمض النووي (DNA).
نبش أولي
وكشف نصر الدين، أن أعداد المدفونين في المقبرة يقارب المئات بعد عملية النبش الأولي، وأبان أن ذلك سيتم تأكيده بعد الإجراءات المذكورة، ونبه إلى حرص اللجنة على عدم إفلات الجناة من العقاب، وأضاف أن العقاب سيطال كل من شارك وساهم وتستر على الجريمة، وأن هنالك كثيراً من التفاصيل سيتم الكشف عنها في مؤتمر صحفي ستعقده اللجنة لاحقاً.
ومن جانبها أوضحت ممثلة أسر المفقودين في لجنة التحقيق، سمية اسماعيل لـ(مدنية نيوز) أن وجودهم في اللجنة كان يتمثل في الحضور والإطلاع على التحقيق والمكاتبات، ونوهت إلى أن عمل اللجنة تأخر كثيراً بسبب إجراءات الحظر الصحي الأخيرة.
ضرورة العدالة
وكشفت ممثلة أسر المفقودين، أنهم لم يتح لهم زيارة المقبرة في هذه المرحلة نسبة للإجراءات الجارية حالياً، وشددت على ضرورة تحقيق العدالة لذويهم ومحاسبة مرتكبي جرائم فض الاعتصام والجرائم التي تلتها، وأشارت إلى أن من بين المتهمين بارتكاب الجرائم (يحكمنا الآن).
أسئلة في الخاطر
وذكرت سمية، أن الأثر النفسي لأسر المفقودين يتمثل في الحزن الدائم على المصير المجهول لأبنائهم منذ اختفائهم، وقالت إنهم ظلوا مغيبين لفترات طويلة ما قبل تشكيل لجنة التحقيق دون الحصول على أية معلومات أو مساندة أو اهتمام من قبل السلطات، وزادت: (المحزن أن ابناءنا قد يكونوا انتقلوا إلى حياة أخرى وبات احترام إنسانيتهم واجباً على الجميع، لقد خسروا حياتهم، ودفعت أسرهم مدخراتها وعرّضت سلامتها للخطر في محاولة للإجابة عن سؤال واحد: ماذا حدث لابني، أخي، أختي، زوجي، ابن عمي؟، ويبقى هذا السؤال دون إجابة، ربما انتهى المطاف بالعديد من أبنائنا في أحد القبور من المقبرة الجماعية التي اكتشفت مؤخراً).