شباب ملهمون في ساحات الثورة.. (هَزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها)
الخرطوم: نصر الدين عبد القادر
إنَّ مفهوم الثورات الكبرى على مدى التاريخ الإنساني، تتشكل من ملامح جمالية تهزم رهبة القتل الذي يمارسه الطغاة – عادةً – من ضمن انتهاكاتهم حفاظًا على سلطتهم، بينما يقابل الشباب الذين هم الركيزة التهديد بالموت، بالأناشيد والطبول والغناء والشعر ورسم الجداريات التي تؤرخ لنضالهم.
وبينما تتواصل الاحتفالات في العالم باليوم الدولي للشباب الذي يوافق (12) أغسطس من كل عام، فإنّ ثورة ديسمبر المروية بدماء شابات وشباب السودان من أجل أحلامهم ليست بمعزل عن كل ذلك، فأنجبت أفذاذًا متفردين، كانت هتافاتهم وقصائدهم وأغنياتهم أيقونات ثورية، ألهمت الشعب السوداني بالشعور بجمالية الموت في سبيل الغايات السامية، المتمثلة في الانعتاق من طوق الاستبداد والطغيان والقهر، فكانت تلك هزيمة للموت رغم فداحة مصيبة فقد الذين حلّقت أرواحهم في أعالي الفراديس، وكأنهم يتمثلون قول محمود درويش:
(هَزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها)
إبداعات شبابية
وكانت ساحة الاعتصام مساحة لإبداعات الشباب، فتجمل المكان بالجداريات التي خلدت الشهداء، وأعادت أمجاد السودان وتاريخه وإرثه وحضارته، فنجد الأهرامات على الجدران، والكنداكات، وملوك كوش، وأبطال حركة التحرر الوطني من لدن ثورة 1924م، وكتابة القصائد الملهمة للنضال السوداني، لمحجوب شريف، وحميد، وأزهري محمد علي، والقدال، ومحمد المكي إبراهيم، صلاح أحمد إبراهيم، وغيرهم.
وكانت الشابات مع الشباب على مدى الساعات الطوال، تحت هجير الشمس، يواصلون الرسم والكتابة لا يفترون، يدفعهم الحب للوطن، والحب للحرية والسلام والعدالة، ونبذ العنصرية والقبلية والجهوية، وهتافاتهم تصدح:
يا عنصري ومغرور
كل البلد دارفور
وهنا يتجلى الإبداع في اختيار الشعرية ذات الدلالات الرمزية البعيدة، وهم ذات الشباب الذين فاضت أعينهم بالدموع وهم يستقبلون قطار عطبرة، وكأنهم يحتضنون جذوة الانفجار التي هزت عرش الطاغية، ليرى العالم كله أنّ المشهد شعرياً فوق العادة، وكأنه إلياذة هوميروسية ملحمية.
وكان الابداع على امتداد ساحة الاعتصام، ومن نماذجه الشاعر الثائر (معد شيخون)، وكانت الكنداكة (مروة بابكر)، تلهب حماس الجماهير بقصائدها، والمطرب (أيمن ماو) يشعل كوامن النفوس من البعيد، والفنانون الشباب يرددون مع وردي، وكانت نانسي عجاج، وشباب عقد الجلاد… وكان عمر إحساس، وجعفر السقيد، يشكلون صورة الوطن الواحد، وكأنّ الأمر تحقيق لنشيد محمد الأمين:
الألف
اللام
السين
الواو
الدال
الألف
النون
السودان الوطن الواحد
ما قد كان
وما سيكون
(مفروش الكتب)
ومن أكبر تجليات الإلهام الشبابي في الثورة، ما قام به شباب افترشوا الكتب في ركن للقراءة، للبيع، والقراء المجانية، فكانت مساحة للنقاش الفكري والمعرفي، تغذية للروح، وكانت الفرحة بمناقشات جنود القوات المسلحة، الذين صاروا يداومون على ركن الكتب، فتجلّت معارفهم بالأدب العالمي والسوداني، والمدارس الفلسفية بمختلف اتجاهاتها.
وبمناسبة اليوم العالمي للشباب، رأت شابات وشباب من عمق الثورة، أن ما خرجوا من شأنه لم يتحقق، وأن مساعيهم ستتواصل فناً وإبداعاً لتوثيق النضالات والأحلام، وقالوا لـ (مدنية نيوز) اليوم إن حناجرهم لن تتوقف عن الهتاف من أجل الحرية والسلام والعدالة، ولوحاتهم ستتواصل لحين التوقيع على لوحة النصر الأخيرة بالمدنية الكاملة.
وكان الشباب في ساحة الاعتصام، والعالم اليوم كله يحتفل بهم هم صورة للإلهام والأمل، والحياة… وهم يرددون ما قدموه من إبداع:
بوركت الحياة
وبورك الأحياء فوق الأرض
لا تحت الطغاة
تحيا الحياة