(الدرّاجيات).. كسر حاجز التنميط وقفزاتٌ في فضاء حركة الحقوق
الخرطوم: آيات مبارك
لم تكن أزمة الوقود وحدها وارتفاع أسعار المواصلات الماثلة حالياً سبباً كافياً لأن تجد (سلمى) ما يبرر وجودها على ظهر دراجة، وإنما التغيير الاجتماعي الذي تراه في الوقت الراهن من خلال احتفاء الكثيرين بها، ورغبة بعض سائقي المركبات والراجلين في تبادل المواقع على ذات الدراجة.
هكذا حكت سلمى لـ(مدنية نيوز) أمس، وهي تعزز من موقف صديقتها (العجلة) التي رافقتها منذ ان كانت تبلغ من العمر (8) أعوام، إلى أن بلغت (27) عاماً.
وحديث (سلمى) مع (مدنية نيوز) أعادها إلى ساحات منطقة الحلة الجديدة بالخرطوم أثناء فترة الأعياد وهي تقوم بإيجار (الدراجة) لساعات مقابل جنيه، لتعود حالياً وهي تعتليها وتمتهن من خلالها عدة مهن وتقودها متمهلة تارة ومسرعة تارة أخرى في شوارع المدينة غير آبهة بالمعاكسات في الشوارع العامة، بعد أن جوبهت بحملة ضارية نتيجة لقيود المجتمع والضغط الأسري.
ورغم ذلك إلا أن (سلمى) قالت ساخرة: ( لقد انقلبت الأوضاع)، وأضافت: (أكثر كلمة أسمعها أثناء المعاكسات هي “مدنياوووو”، على الرغم من أني أعيد كل هذا إلى الطاقة التي استمدها من ذاتي من قبل وبعد التغيير).
و(سلمى عوض) الشهيرة بـ (سلمى كفت) تلعب في وظيفة قلب الدفاع بنادي التحدي، وعضوة مبادرة الدراجيات السودانية، كانت قد حازت على المركز الثالث في بطولة الدراجيات السودانيات في العام 2018م وتستغل (سلمى) (دراجة) تمتلكها في (توصيل الطلبات)، من خلال عملها مع إحدى موزّعات (مستحضرات التجميل) خلال الفترة الصباحية، إضافة إلى توصيل طلبات (الدليفري) لأحد المطاعم الشهيرة.
وتابعت قائلة: أجد متعة أكثر في قضاء يوم الأربعاء من كل أسبوع في ساحة الحرية لتدريب الفتيات اللائي يرغبن في قيادة الدراجة، والعمل على تشجيعهن من أجل تخطي هذا الهاجس المجتمعي.
وقد لجأت العديد من الشركات في عمليات التوصيل عقب أزمة الوقود وضيق فرص العمل بالنسبة للفتيات، لعرض وظائف للفتيات في توصيل الطلبات، وذكر مدير التسويق بشركة بيتنا للاستيراد والتصدير أحمد بشير: (لجأنا للفتيات في توزيع المنتجات في الآونة الأخيرة نتيجة لتدافع الطلبات من قبل الفتيات لهذا العمل الذي يعد ذو عائد مجزٍ لهن).
ولم تكن ثقافة ركوب الدراجة (أو العجلة كما نسميها في السودان) للنساء أمراً جديداً عليهن، فقد بدأت العجلة منذ العشرينيات، بـالقابلة الصحية (ست بتول محمد عيسى)، كأول سيدة سودانية تقود الدراجة، انتقالاً إلى السبعينيات بالسودان عند أول سباق نسائي بالدراجة عام 1974م بمنطقة الحصاحيصا بولاية الجزيرة.
ولم تكن الدراجة الهوائية هي فقط التي انتشرت في الآونة الأخيرة، فقد شجعت الناشطة (سارة بهاء) الفتيات اللائي يرغبن في قيادة الدراجات البخارية (المواتر) بأنها مريحة جداً فقط تحتاج إلى حذر وتركيز، وعكست (سارة) على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) تجربتها في قيادة (الموتر) وهي تمضي طريقها مسرعة وسط تشجيع الكثيرين، عدا بعض المواقف القليلة المحرجة، وقالت: على الرغم من مرور عام على قيادتي للموتر إلا أن المواقف الجميلة هي الأكثر، خصوصاً في محطات الوقود.
وتابعت أن الأمر يعتمد على الثقة بالنفس، وأردفت (الفضل يعود لوالدي ووالدتي، ومنذ الصف الثالث بمرحلة الأساس قمت بشراء دراجة من مصروفي الشهري، وبعد ذلك بفترة أقترحت علي أسرتي شراء موتر بدلاً من المواصلات العامة، وأيضاً لعدم مقدرتهم على شراء سيارة وفعلاً أوفوا بوعدهم، ولا أستطيع وصف فرط سعادتي وقتذاك).
وسارة التي وجدت انتقادات حادة على مواقع التواصل ذكرت (إني حالياً أعمل على نشر ثقافة قيادة المواتر لما لها من فوائد).
ومن ناحيتها أشارت الباحثة الاجتماعية الآء سعيد، إلى اتساع هامش الحرية باعتباره قد زاد أكثر مما كان عليه، مع توفر الحماية القانونية، ولفتت إلى الفائدة الشخصية من استخدامها في خدمة المجتمع واقتصاد الدولة.
وقالت آلاء لـ(مدنية نيوز) إن الحل يكمن في زيادة توعية المجتمع بثقافة الدراجة (خصوصاً للنساء)، مع العمل على تشجيع وجود البنات في المجال العام وردم الهوة بين الجنسين، وزادت: (الطريق طويل ويتطلب الكثير من الصبر والاستمرار)، ورددت: (الشغف والإيمان بقضايانا يعد سبباً كافياً لتذليل الصعاب نحو تحقيق كافة الأهداف).